تلقيت مكالمة تليفونية من فتاة نرويجية تقيم بمصر منذ سنوات عديدة، فتاة عاشقة لتراب هذا البلد الذى طالما شعرت بالأمان تحت سماءه وتعتبره بيتها الثانى.. لم يكن لى سابق معرفة بهذه الفتاة ولكننى تعاطفت مع قصتها وتخيلت ماذا لو كنت مكانها.. ولا أدرى لماذا تذكرت الظلم الذى يتعرض له أبناء وطنى بالخارج وقفزت إلى ذهنى قصة الطبيبين المصريين اللذين جلدا ظلما فى السعودية، وتذكرت لهفة ذويهم فى مصر عليهما وكيف يكون الشعور بالعجز عن رفع الظلم قاتلا.. هذه الفتاة تعرضت لضرب مبرح كاد أن يودى بحياتها - وخلّف عاهة مستديمة بوجهها - على يد ابن أحد كبار رجال الأعمال بمصر.. نعم وللأسف لازال هناك فى مصر من يحتمى بالمال والنفوذ حتى بعد الثورة.. هذه الفتاة كانت صديقة لهذا الابن المدلل وعندما رفضت أن تكون له أكثر من صديقة انفجر دمّل كبرياءه المزيف، وكيف يتقبل الرفض وهو الفتى المدلل صاحب المال والنفوذ والذى اعتاد ألا يرفض له طلب فقرر بمنتهى البساطة أن ينتقم.. انهال عليها ضربا ولمدة ساعة من اللكم والضرب فى الوجه وفى منطقة أسفل البطن قام بسحلها وجرها خمسة أدوار تحت مرأى ومسمع من الجيران ووضعها بالقوة فى سيارته وانطلق مسرعا بجنون ثم لفظها منها فى النهاية لتجد نفسها ملقاة فى الشارع والدم ينزف من وجهها وجسدها. كأى انسان يؤمن بأن الحق لا يضيع أبدا طالما وراءه مطالب، قامت بتحرير محضر فى قسم شرطة المعادى الذى حولها بدوره لمستشفى المبرة للكشف عليها وجاء تقرير المستشفى الذى قام به دكتور امتياز بضرورة عرضها على مختص لجثامة الأضرار نتيجة الضرب المبرح، والمثير لعلامات الاستفهام أنه لم يتم استدعاء المشكو فى حقه - الابن المدلل- لا من قبل قسم الشرطة ولامن قبل النيابة العامة بعد ذلك.. بل أن النيابة العامة لم تنتظر التقرير الطبى لمعرفة جثامة الاعتداء حتى يتم تحديد المحكمة المختصة بنظر القضية (الجنح أم الجنايات) وتم تحويل القضية إلى محكمة الجنح رغم أنه جاء فى التقرير الطبى لاحقا أن الضرب تسبب فى عاهة مستديمة يستحيل علاجها.. أى أن القضية من الأساس ليست من اختصاص محكمة الجنح.. ولا يخفى على أحد الفرق بين عقوبة ارتكاب جنحة وارتكاب جناية.. هل من تفسير منطقى ومقبول لهذه الاجراءات المغلوطة والتى من الممكن أن يضيع معها حق هذه الفتاة التى خسرت عملها ومصدر رزقها وشوه وجهها للأبد ؟ ومن الجدير بالذكر أنه تمت مساومة هذه الفتاة من قبل رجل الأعمال ذوى النفوذ بعد أن تحمل مائة وعشرون ألف جنيه تكلفة أول عملية جراحية للفتاة وبعد أن دفع تكاليف العملية الثانية ذهب إليها ليساومها أنه لن يكمل رحلة العلاج إلا إذا وقعت أوراقا تفيد تنازلها عن القضية ولكنها رفضت التوقيع قبل أن تكمل رحلة علاجها، فذهب الأب للمستشفى وطلب من الطبيب الجراح إلغاء العملية الثانية وطلب استرداد أمواله ولكن الطبيب ذو الضمير الحى رفض وقام باجراء الجراحة الثانية، وهى الآن فى حاجة ملحة لجراحة ثالثة تأخيرها قد يكلفها حياتها.. وكما تعاطفت بشدة مع الفتاة تعاطفت أيضا بشدة مع أهل هذا الفتى.. ماذ لو كنت قاضيا بل رئيس محكمة يشهد لك تاريخك بالنزاهة والشرف بل أن جميع أحكامك السابقة نصرت الحق فى ظل العهد الفاسد.. ووجدت ابن أخيك يرتكب هذا الجرم.. هل إيمانك بأنك ظل الله على الأرض ولا معقب على أحكامك سوى ضميرك وأمانتك سوف ينتصر!.. وما مدى المجاملات بين القضاة وبعضهم البعض؟ هذا النوع من المجاملات التى اعتدنا عليها فى مصر دون حتى أن نطلبها أو نسعى إليها والتى تضيع معها الحقوق؟ موقف صعب لا خروج منه إلا بالايمان القوى بالرسالة التى نحملها على أعناقنا كل فى مكانه.. أسمع مؤخرا وبشدة مقولة "إن القضاء خط أحمر".. من الذى اخترع هذه المقولة؟ ولمصلحة من لا يتم تطهير القضاء آخر حصن للأمان فى هذا البلد؟ وماذا عن حجم التباطؤ حتى فى تنفيذ الأحكام؟ أوليس التباطؤ فى تحقيق العدل ظلم؟ من منا لم يسمع عمن قضوا سنوات وسنوات فى المحاكم؟ لا أدرى.. ولكننى على دراية كاملة وعن تجارب شخصية أنه كما يوجد القاضى الشريف، يوجد أيضا من هو بلا ضمير.. إلى متى نختار أن ندفن رؤوسنا فى الرمال ولا نعترف بحقيقة الفساد الذى طال كل الجهات وجميع المؤسسات! لم أستطع أن أستبق الأحداث وأذكر أسماء أبطال هذه القصة وآثرت أن أنتظر حكم محكمة جنح المعادى والذى أتوقع أن ينصر الحق ويفيد عدم الاختصاص ويحول القضية إلى محكمة الجنايات حتى يتحقق العدل.. ولكننى لن أستطيع التستر على الفساد فى حال ثبوته لعلّى بهذا أستطيع أن أنقذ قتاة أخرى من براثن هذا المريض.. وليوفق الله القضاء المصرى ويخيب سوء ظننا الذى أوجده فى نفوسنا الاجراءات المغلوطة منذ بداية هذه القضية.. المزيد من مقالات ريهام عادل