مازال الأمريكيون يصرخون من الذئب الذي سيقتل النعاج فيخرج الجميع لملاقاته والفتك به فلا يجدوه. هكذا كانت الأفلام الأمريكية تروج للعدو الخارجي الذي يجب أن يقف الأمريكيون صفا واحدا ضده للدفاع عن قيمهم وحرياتهم. لكن يبدو أن العالم- وكذلك الأمريكيون- قد تعلموا الدرس وأصبحوا لا يخرجون لملاقاة الذئب. وهكذا أصبح من الضروري الكشف عن الحقيقة وهي إن العدو من الداخل فالعدو هو من يقبع داخلهم ويحمل مصالح وأحلاما ورؤي مملؤة بالسواد. هذا العدو لا يريد للعالم ان يستقر ولا للأمريكيين إن يكفوا عن إرسال طائراتهم إلي الشرق الأوسط وإفريقيا واسيا لحماية مصالحهم.. فهم لا يعترفون إلا بالإمبراطورية التي تمد ذراعيها في كل الأنحاء لتحرق الأخضر واليابس وتدمر كل نبتة جميلة تريد أن تستقيم وتبقي في أرضها لتصبح ظلا يستظل به الآخرون. هكذا هم أصحاب الأحلام المستحيلة يسعون لامتلاك العالم حتي قبل أن يمتلكوا موطئا لإقدامهم...قد يستطيعون التدمير والحشد والقتل والترويع وملاحقة من يقف في طريقهم...لكنهم دائما وفي النهاية يفشلون...فهذا قدر الله لمن يفسد في الأرض...وهذه هي قصة سقوط البيت الأبيض كما قدمها المخرج العالمي رولاند ايميرش. هذا الفيلم في قصته الرئيسية قد لا يحمل الجديد لمن يعرفون أفلام مثل سقوط اوليمبس او يوم الاستقلال لكنه بالاضافه لتقديمه أنواعا شتي من المتع البصرية علي الشاشة والتقنيات التكتولوجية الحديثة لأفلام الاكشن, فإنه يقدم ايضا رؤية سياسيه واضحة لطبيعة السياسة الأمريكية التي عرفناها هنا وقاسينا من امرها وجعلت منا حقلا لتجاربهم في فهم الشعوب. فقد قرر الرئيس الامريكي( جيمي فوكس) الذي لم يخدم في الجيش حتي لايام ان يسحب قواته من الشرق الاوسط فاثار بذلك حفيظة المؤسسات الرأسمالية الراعية للارهاب داخل وخارج أمريكا...فجاء احد ابناء لينكولين- الذي مازال يحمل ساعة مدلاه بسلسلة من جيبه- ليعيد الجميع الي الطريق الصحيح..الطريق الشرعي الذي ارتضاه الأجداد منذ رمن بعيد ويحاول هدم البيت الأبيض. وفي مواجهه هذه الهجمة المتخلفة والمتمسكه بمقولات الأجداد حول حلم الإمبراطورية المستغلة, جاء جون كال( شاننينج تاتوم) الذي خدم ثلاث دورات في أفغانستان, استطاع في احداها ان يتقذ جنديا كان مفتاح الامل له عند عودته لبلده حيث كان عمه يعمل في البيت الابيض فاستطاع ان يلحقه بوظيفة في الامن الخاص بمؤسسة الرئاسة. ولان كال هدمت سنوات خدمته في الحرب كل ما كان له من حياته الاسرية, فقد عمل بجهد كبير ليحافظ علي ما تبقي منها فانتقل الي قوات الخدمه السرية للرئيس...وحتي يثبت لنفسه وللآخرين انه مازال قادرا علي القيام بمهام صعبة, طلب من ابنة الرئيس- في مشهد مؤثر- ان ياخذها في جولة خاصة في البيت الابيض, لكنها رفضت واصرت علي الالتزام بالجولة الرسمية...وهو الوقت نفسه الذي بدأت فيه المحاولات لاقتحام وتدمير البيت الابيض. يقوم بهذه المؤامرة ضد قيم الحرية التي يمثلها البيت الابيض كل من تلوثت ايديهم بدماء الابرياء في عالمنا وكل من تاجروا بالسلاح والعقائد, كل من حملوا حقائب سوداء امتلات بالاموال القذره وارادوا ان يغسلوها بدماء الفقراء في بلادنا التي تحتمي بالدين فيستخدمونه للقتل والارهاب...يحتشد في الفيلم تجار السلاح الامريكيين في باكستان وعملاء المخابرات الامريكيه السابقين في الشرق الاوسط وممثلوا رجال الاعمال الذين يدعمون بالمال هذه الهجمة الشرسه علي قيم الحرية في كل مكان.. فاختصروا الطريق للبيت الابيض ليدمروه ويستطيعوا من خلال ذلك الوصول الي سدة الحكم ليستمروا في تدمير العالم. يواصل المخرج متابعته اللاهثه هذه المره للمطارده الشرسه التي يقوم بها هؤلاء الشياطين لاسقاط البيت الابيض وتدمير كل ما دافع عنه الامريكيون من قيم الحريه والمساواة والعدالة- اثناء مطاردتهم للرئيس, اما كال فإنه يقضي معظم وقته في البحث عن ابنة الرئيس ليدبر هروبها من هذا المشهد المدمر لكل الاخلاقيات والاعراف الانسانيه... وهكذا يبقي الرئيس واحد ضباطه وجها لوجه يقاسون من النيران في كل زاويه من زوايا القصر الرئاسي, وفي كل محاوله للهرب من هذا الجحيم- حتي في السيارة الرئاسية- لتنشأ بينهما علاقة انسانية بسيطة وراقية توجه للعالم رسالة هادئة وهي ان قيم الحرية والمساواة والعدل لابد ان تسود رغم محاولات القتل والعنف وارهاب الابرياء. ويري الكثير من النقاد في أمريكا ان شاننيج تاتوم الذي قام بدور كال في الفيلم قد استطاع ان يعمق بأدائه رؤية الفيلم التي تؤكد ان العدو يأتي دائما من الداخل, يتجمل بالماضي ويدعي التزامه بهذه القيم, يحمل في طياته الموت والدمار لكل من يخالفه ولكل من يقف في طريق حتي ولو كان طفلا أو عجوز...أو حتي راية تحمل قيم السلام.