خرج نابليون من مصر خلسه في1799/7 لكن مصر لم تخرج منه أبدا, لقد قرر أن يكون شارلمان العصر الحديث, وأن يحكم أوروبا كلها بالقانون( الشرعي) وأن يغير جيشه كله الي جيش من فرسان كالمماليك, وفي أقل من عشر سنوات كان قد تقلد تاج شارلمان وغير القانون الفرنسي وحكم معظم أوروبا كوحدة سياسية واحدة بقيت موسكو التي حشد لها نصف مليون مقاتل وتوقع أن تسقط تحت هجومه الخاطف في يوم واحد لكن الروس هجروا مدينتهم التاريخية وأوقدوا فيها النيران فلم يتركوا للغازي جدارا يحيمه من الصقيع ولا صاع قمح يقتات به جندي. في شتاء موسكو الرهيب أهلك صقيع روسيا والجوع والطريق الجيش الفرنسي وتساقط الجنود واحدا تلو الآخر, نصف مليون جندي هزمهم الصقيع إلا كتيبة المماليك عادت كما ذهبت رغم ما أبلته هناك. وتكالبت ملوك أوروبا علي الإمبراطور الجريح هزيم الطقس لا الخصوم, وزحف قيصر روسيا في جيشه علي باريس وبدا الإمبراطور بلا حول ولا قوة ولا جيش سوي كتيبته الخاصة من المماليك الذين أبدوا الإستعداد الكامل للموت دون قائدهم, ولكنها بدت وكأنها نهاية الطريق. الإمبراطور في إلبا من1814/4 إلي1815/2 أجبر نابليون في ربيع1814 علي التنازل عن العرش, ونفي إلي جزيرة إلبا في جنوبفرنسا ضمن بنود إتفاقية فونتانبلو مع الملكيين والتحالف الأوروبي, وعادت الملكية إلي فرنسا, ولكن كان الإمبراطور في قلوب الفرنسيين. المائة يوم الأخيرة.. بعد عشرة شهور بالمنفي بدت الظروف أكثر ترحيبا بنابليون مما كانت عقب مأساة روسيا وفي فبراير1815 قرر نابليون العودة إلي فرنسا إلي العرش مستعينا ب1200 من الجنود الموالين له فأبحر إلي فرنسا وتوجه إلي جرينوبل, وكانت الجنود تخر في بكاء هستيري كلما واجهوا إمبراطورهم العائد, حتي وصل إلي منتجع لافراي الملكي حيث واجه الكتيبة الخامسة فتقدم نحوها نابليون منفردا حتي امسي علي بعد طلقة المسدس من جنودها الذين تلقوا الأمر بإطلاق النار علي بطلهم السابق العائد من جديد, والذي بدوره وفي أداء عبقري ألقي معطفه وسلاحه وصاح فيهم مخاطبا جنوده لا خصوم يتربصون به. فليقتل إمبراطوره هذا الذي لا قلب له وهنا نسي الجيش الملك والملكية وجنرالات الملكية وألقي الجنود في لحظة واحدة أسلحتهم وقبعاتهم وصاحوا في بكاء هستيري عاش الإمبراطور نابليون. وانتهي الملك وانتهت الملكية بلقاء عبقري بين القائد العائد, والجنود التواقين إلي المجد. وفي كل مكان توجه إليه نابليون أرتدت فرنسا من جديد ثوب عيدها وتلقت معبودها بمزيج من البكاء وأهازيج الفرح. في لحظة واحدة إختفي شبح موسكو واتفاقية فونتانبلو والملكية, وعاد الإمبراطور كأنما لم يغادر باريس يوما وعادت فرنسا كلها خلفه علي أهبة الإستعداد للقتال من جديد. الشعب يريد ملهما يحلم معه بالمجد, لا ملكا يدبر له كسرة الخبز ويحيا كالقطيع. معركة واترلو بالطبع كانت هذه العودة الأسطورية للإمبراطور صدمة للملكيين وحلفائهم الأوروبيين, وقد بادرهم الإمبراطور بمفاجأة جديدة أنه علي إستعداد للسلام, إن أرادوه, مما يعني بالطبع أنه جاهز للحرب أيضا إن أرادوها. إن الجيش الذي كونه الملكيون في غيبة نابليون, حتي هؤلاء الفتية الذين لم يعاصروه, كانوا جميعا يحلمون بأمجاد البطل ويأملون في إعادتها والمشاركة فيها. تحول الجيش الملكي كله في لحظة إلي جيش نابليون وإستدار بسلاحه في أقل من لحظة ليواجه هؤلاء الذين صنعوه ليحميهم من الإمبراطور. كانت عودة نابليون وسط هذا الزخم الشعبي العارم تعني شيئا واحدا لخصومه في أوروبا, عودة أحلام نابليون في أوروبا موحدة بقيادته وعلي فكره, القانون النابليوني بكل ما حوي من فكر مقتبس من الشريعة الإسلامية, والجيش النابليوني المبني علي العقيدة المقتبسة من حروب الشرق, حب الموت عن الحياه. وتكاتفت أوروبا جميعها للقضاء النهائي علي نابليون وأفكار نابليون. المرابون العدو الأول لم يخف نابليون في أية لحظة إدراكه التام للعدو الأول الذي يشعل نيران الحرب في كل مكان يزوره وينشر الفقر والبؤس والدمار إنه البنوك والمؤسسة الربوية, ولم تنس هذه المؤسسة أن بقاءها مرهون بزوال هذا الإمبراطور. لقد كانت المعركة الحقيقية بين ناثان روتشيلد وبين نابليون, كان الأخير يدرك ذلك تماما, وكان الأول قد أعد نفسه تماما للمعركة, فقد نجح وإخوته في إنشاء شبكة معلومات إستخباراتية فائقة السرعة والدقة بمقاييس ذلك العصر قائمة علي أسراب مدربة من الحمام الزاجل وفرق من المراسلين علي الأرض وفي البحر ومركبات فائقة السرعة وكل ما تحتاجه المراسلات البرقية السريعة كان أسرع من كل الحكومات في كشف ونقل المعلومات, كما نجح في زراعة رجاله في كل القصور الإوروبية, وكما انتشرت دائنيته لملوك وأمراء أوروبا, إنتشر مستشاروه حولهم وجمع في يديه كل خيوط صناعة القرار الأوروبي. قبل سبعة أيام من وصول نابليون إلي باريس نجح روتشيلد في ترتيب إجتماع للحلفاء في فيينا, واعلنوا أن نابليون إمبراطور غير شرعي, وقرروا الاتحاد لمهاجمة فرنسا من كل الاتجاهات, واعلن روتشيلد إستعداده التام للدعم. وبالرغم من عدم إستعدادهم لمثل هذه الحرب, فقد سد روتشيلد الثغرة التمويلية تماما بحيث إستكمل الحلفاء إستعداداتهم في مايو1815. علي الجانب الآخر إستكمل نابليون إستعداداته للقاء باستدعاء جنوده القدامي فجمع ما يقرب من300 الف جندي في هذه الفترة القصيرة لمواجهة جيش من الحلفاء أشيع أنه قد يصل إلي1.000.000 جندي(219000 فعلا). وفي15 يونيو سنة1815 فاجأ نابليون جيوش الحلفاء بهجوم مباغت علي خطوطهم الأمامية وانسحب الجنود الألمان أمامه من مدينة شارلروا بغير تنظيم مما الحق بهم خسائر فادحة وسقطت المدينة في المساء وحوصرت القوات الالمانية من اللحاق بجيوش الحلفاء, إنه الهجوم الخاطف. وفي اليوم التالي نجح نابليون في فصل جيوش بروسيا الألمانية تماما عن جيش ولنجتون في ووترلو, واندفع باتجاه وجهته الأخيرة التي قرر أن يكون اللقاء بها ليواجه ولينجتون وباقي الحلفاء. بدايات المعركة سمحت لشبكة استخبارات ناثان روتشيلد أن يشيع في لندن خبر هزيمة ولنجتون وانتصار نابليون. هذه الاشاعة ساعدته علي زيادة إقراضه الفوري بسعر فائدة قاتلة للحكومة الانجليزية. وفي نفس الوقت ساعدت علي إنهيار بورصة لندن إنهيارا كليا مكن روتشليد من شراء معظم أسهمها بصورة بالغة التدني. علي الجانب الآخر في المعركة كانت الأمور تسير تماما في اتجاه إنتصار ساحق لجيوش نابليون وبدأ الحلفاء في الانسحاب من أمام هجومه الخاطف. ولكن أموال روتشيلد عرفت طريقها الي الطابور الخامس في صفوف نابليون, الجنود الألمان المحاصرون والمفصولون عن جيوش الحلفاء والمعركة سمحت لهم الخيانة في صفوف الامبراطور بالفرار والانضمام الي صفوف ولنجتون في الوقت الحاسم لصنع النصر وبفعل فاعل إضطربت خطوط اتصالاته, وانتشر الاضطراب بين جنرالاته, الذين تسببوا في اضاعة النصر في لحظة أوشك أن يكون فيها بين يدي الامبراطور العائد الي المجد. الكثير من المؤرخين القوا باللائمة علي هؤلاء الجنرالات وشككوا في ولائهم وكفائتهم, كما ألقوا باللائمة علي التوسع السريع غير المدروس في عدد وحجم القوات والقادة والذي تسبب في وجود جنرالات تغيرت ولاءاتهم أو فقدوا قدراتهم, ولكن الحقيقة أن ذهب روتشيلد فعل مالم تفعله البنادق والمدافع والطقس, هزم نابليون من بين صفوف جيشه بلا طلقة واحدة. معظم الجنود كانوا علي استعداد للموت في سبيل الإمبراطور لكنهم كانوا ضحية بعض القادة وفريق من هؤلاء كانوا عاقدي العزم علي الموت في سبيل الامبراطور, إنهم حفنة من بقايا المماليك اللذين نجح نابليون في استعادتهم من طرقات باريس ومارسيليا فكان جزاؤهم علي هذا الولاء الذبح علي يد عملاء روتشيلد من الملكيين لتنتهي مأساة المماليك في الجيش النابليوني, وينتهي الإمبراطور ويغلفه التاريخ بغمامة لا يعرف الناظر إليه حقيقة أهدافه ونواياه, وتموت معه إلي الأبد فكرة يوتوبيا الأوروبية, مجتمع بلا رجس الفائدة, ولا شرور البنوك, مجتمع يسير علي قانون الأخلاق الإبراهيمية كما وجده الغازي في الفقة المالكي. علي الجانب الآخر من التيمز, قلبت أخبار انتصار ولينجتون أوضاع البورصة ورفعت أسعار الأسهم في السماء وفي أقل من أربعة وعشرين ساعة كان روتشيلد قد كسب من الأسهم ما ضاعف به ثروة العائلة كما يقدره المؤرخون بستة آلاف ضعف(650 ضعف) في نهاية هذا القرن, وتصل الي أكثر من100 مليون جنيه إسترليني في نهاية الحرب فضلا عن ديون علي كافة دول الحلفاء كان نصيب انجلترا منها42 مليون, الحروب النابليونية جعلت روتشيلد دائنا لانجلترا وهولندا وبروسيا والنمسا بأكثر من100 مليون. لقد كانت حقيقة معركة ووترلو أنها بين المرابين ومشروعهم الحضاري, ونابليون وحلم حضارة يعتمد علي الأخلاق الابراهيمية أو الدين الحنيف بغض النظر أسلم أم لم يسلم, لكنه بالتأكيد أخذ بروعة ذلك النظام وأوشك أن يطبقه, لقد كانت الأمور كذلك بالتأكيد أما حقيقة النوايا والدوافع فالله أعلم بها. وللحديث بقيه... لمزيد من مقالات محمد تاج الدين