أكثر ما يميز الإنسان عن غيره من المخلوقات تلك الهبة الإلهية التي وهبه الله إياها وجعلته سيد الكائنات وهي العقل, وعلي ذلك يجب علي كل إنسان أن يستثمر تلك الهبة في إسعاد نفسه وإسعاد المجتمع الذي يعيش فيه. وتمر مصر في هذه الأيام بأحداث جسام تستدعي توظيف العقل حتي تمر البلاد بسلام إلي المستقبل الأفضل, غير أن كل المتابعين يرون عكس ذلك تماما, يرون أن أهل السياسة طغت عليهم المصالح الحزبية والشخصية فغاب العقل عن تصرفاتهم, وبعض الشباب المتحمس الذي من المفروض أن يتقد ذكاء وحيوية قد تأثر بغيوم الخلافات الحزبية ففقد القدرة علي توجيه طاقاته إلي البناء, فرأينا تراشقا وهدما وحرائق بل وإزهاقا للأرواح. فهل سمعنا أن أحدا من هؤلاء قد سأل نفسه عن تأثير ما يفعله علي أداء البورصة التي ينزف رأس مالها السوقي كل أسبوع المليارات من الجنيهات, ومن عجب أننا في ذروة الموسم السياحي الصيفي, فهل ورد في الحسبان تأثير الخلافات السياسية علي حركة السياحة وأعداد السياح وعلي المصريين العائدين في الإجازة الصيفية, وكلا النوعين يساهم في ضخ العملات الأجنبية في السوق المصرفية, الذي قد يؤدي ذلك الي زيادة الاحتياطي النقدي الذي تآكل الجزء الاكبر منه بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير. لقد أنفق الشباب المتحمس في حملتي تمرد وتجرد وقتا وجهدا كبيرا للوصول إلي الجماهير, وكانت النتيجة ملايين من الأوراق الموقع عليها اعتراضا أو تأييدا, ويتساءل البعض لو أن هذا الشباب بنفس هذا الحماس قد انطلق في مدن مصر وقراها ضمن حملة قومية لمحو الأمية, أما كان ذلك أنفع للوطن وللمواطنين, ولو أن النخبة السياسية التي تنظم مؤتمرات حماسية, لو أنهم انطلقوا بين الجماهير يحثونهم علي مضاعفة العمل و تجويد الانتاج, أما كان ذلك يصب في عملية تعافي الاقتصاد المصري من كبوته؟ لقد أصيب العقل السياسي المصري بنوع من التكلس, حيث نخرج من مظاهرة الي مسيرة ومن مسيرة الي وقفة احتجاجية ومن وقفة احتجاجية الي مليونية, وكل هذه الأنشطة للأسف الشديد تستنزف جهدا ومالا وأخطر من ذلك تستنزف أرواحا تزهق وعاهات تقعد أصحابها عن الانتاج والعمل, والأسوأ في هذه الأموركلها استدعاء صراعات أيديولوجية كأنما انتهت مشاكلنا وما بقي إلا أن نتعارك علي عناوين لا تقدم ولا تؤخر. انني أتوجه بكلماتي الي العقلاء من أبناء الشعب أن يتحرروا من القيود التي صورها لهم أصحاب الأوهام من السياسيين وروجت لها وسائل إعلام تستدعي الاعلانات أكثر مما تستدعي حلولا للمشاكل فوظفت للأسف الشديد- الخلاف السياسي وحولته إلي تجارة اعلانات تدر أرباحا علي أصحاب بعض القنوات الفضائية ومقدمي البرامج بها حتي ولو كان ذلك يحقق خسارة كبيرة للوطن. يا أيها المصريون العقلاء هيا نستمع جميعا الي نداء العقل لننظر ماذا يقول. إن خطورة ما قد يحدث يوم الأحد6/30 من محاولة البعض الخروج علي الشرعية ومحاولة العودة بالمشهد الي نقطة الصفر هو غياب المعيار الذي نقيس به الصواب والخطأ, إذ لو أن كل فصيل سياسي له رؤية يعتقد أنها وحدها الأجدر بالتنفيذ فسنجد أنفسنا أمام سيل من الرؤي التي يتحمس لها أصحابها ويحاولون فرضها علي المجتمع حتي وإن كانوا أقل عددا أو أصحاب رؤية أيديولوجية واحدة قد لا يتبناها الآخرون, فهل هذا هو التطور الديمقراطي الذي نريد. ألم يكن الفصيل الذي ينتمي اليه د.مرسي رئيس الجمهورية شريكا في الثورة المصرية؟ فهل يعقل أن يكون الطرف المواجه له يضم بعضا من شركاء الثورة متحالفين مع رموز الحزب المنحل الذي قامت الثورة للتخلص منه ومن جرائمه التي مازلنا نعاني منها, وأغلب الظن أن المعاناة سوف تستمر مادام استمر تغييب العقل والمنطق ليحل محله اللهث وراء سراب ووهم يروج له من عطلوا العقل المصري عن التفكير والانطلاق الي الأمام. لمزيد من مقالات د.حلمى الجزار