عندما تزداد الحرارة ونزحف جميعا إلى كورنيش النيل وشاطئ البحر يكون ذلك هو الوقت الملائم لتناول وجبة خفيفة من البيتزا.ولذلك جلست أتناول قرصا صغيرا من البيتزا مع طبق أصغر من السلاطات المتنوعة. جلست أتابع أخبار العالم فى ذلك اليوم وفجأة لفت إنتباهى بروز وتكرار خبر محدد قادم من العاصمة البريطانية لندن. فقد تعرض "سيلفريدجز"،أحد أشهر المتاجر ببريطانيا،لعملية سطو مسلح عنيفة فى مساء ذلك اليوم على يد عصابة من ستة أفراد مسلحين بالبلط ومتنكرين فى زى سيدات منتقبات من الخليج العربى.تمكن الجناة الستة من الفرار بما سرقوه من حلى ومجوهرات وساعات قدرت قيمتها بمليون جنيه إسترلينى أى ما يوازى أكثر من 10مليون جنيه مصرى بعد أن دمروا صناديق العرض الزجاجية بالمتجر المزدحم وأحدثوا حالة من الذعر بين رواده والمارة. خرج الجناة واستقل كل زوجين منهم دراجة بخارية وانطلقوا دون أى تدخل من أفراد الأمن أوالعاملين بالمتجر أو المارة.ففى أوروبا والولايات المتحدة تقوم غالبية المتاجر بالتأمين بمبالغ كبيرة على مقارها والمعروضات وبالتالى لم يتدخل أحد لمواجهة العصابة أثناء السرقة خشية التعرض للإصابة أو القتل على يد المسلحين. ولكن حدث ما لم يتوقعه أحد.فقد فوجئ المارة فى"أوكسوفورد ستريت" ،الذى يعد من أبرز الشوارع التجارية المزدحمة فى بريطانيا والعالم، بشاب وصفوه ب"البطل الذى يشبه نجم أفلام الأكشن العالمى فان ديزل"وهو يقفز بشجاعة بالغة فوق اثنين من الجناة اثناء محاولتهم الفرار بدراجة بخارية فيتمكن من إسقاطهم أرضا وشل حركة أحدهم والإمساك بالآخر الذى كان قد أصيب بكسر فى أحد قدميه.وظل الشاب ممسكا باللصين لمدة 10دقائق كاملة إلى أن جاء فريق شرطة سكوتلنديارد وألقوا القبض على اللصين وإستعادوا ما كانا يحملانه من مسروقات مما سيسهل من القبض على باقى أفراد العصابة. وعندما هم المارة والمسئولين بتوجيه الشكر للبطل الذى أذهلهم وآثار إعجابهم فوجئوا برده الواثق غير المتوقع. "عادى!أى شخص مكانى كان لازم يعمل ما عملته"! أثار الرد ذهول البريطانيين وأسرع الإعلاميين والصحفيين نحوه لفهم ما قال.فجاء زملاء له يعملون فى مطعم بيتزا مجاور ليؤكدوا "إنه مسلم"،"إنه مواطن مسلم". إنه الشاب محمد حسين 29سنة طالب القانون الذى يعمل جرسون فى مطعم للبيتزا ويقضى وقت فراغه فى ممارسة رياضة الملاكمة وكمال الأجسام. قال محمد حسين انه لم يكن وحده بل ساعده بعض المارة حى جاءت الشرطة وانه عندما شاهد اللصوص أثناء الفرار وسمع أصوات الصراخ والعويل أدرك أنهما يقومان بأمر غير مشروع وأكد للإعلاميين والصحفيين أن ما فعله هو واجب أى"مواطن صالح". وفى اليوم التالى صدر بيان سكوتلنديارد حاملا شكر وإشادة واضحة ب"شجاعة وسرعة بديهة"مواطن عادى نجح فى القبض على ثلث عصابة مسلحة. لقد حقق الشاب المسلم الذى تمسك بشهامته الموروثة وثقافته العربية الإسلامية الأصيلة عدة أهداف هامة.فقد أصبح فى أعين البريطانيين نموذج للمواطن المسلم الإيجابى كما ساعد كشفه عن شخصية اللصوص الحقيقيين ،وأنهم من الشباب البريطانى،فى إبعاد الإتهام عن المنتقبات العربيات.حقا لم يكن ذلك غريبا على شابمسلم إبن المجتمعاتالتى تحولت"للجان شعبية" تحمى المال والعرض فى مواجهة المجرمين والمخربين أثناء الثورات. ولكن الغريب أن أحدا فى بريطانيا لم يتعمق فى الحديث عن البطل المسلم أو إلقاء الضوء على حياته مثل دأب وسائل الإعلام الغربية عندما يخطئ متطرف مسلم واحد فى أى ركن من أركان كوكب الأرض!! درات كل تلك الأفكار فى ذهنى وأنا أنتهى من تناول البيتزا فنحيت الطبق جانبا ونظرت إلى الأفق فى صمت. لمزيد من مقالات طارق الشيخ