مع إقتراب يوم30 يونيو تزداد التكهنات حول ما سيجري في هذا اليوم, وهل سيمر سلميا مثل كل أيام الثورة منذ25 يناير2011 حتي الآن, مرورا بالمليونيات, والوقفات الاحتجاجية, والمسيرات السلمية من كل أحياء القاهرة إلي ميدان التحرير أو قصر الاتحادية. وفي كل محافظات مصر, والتي تشهد كلها للشعب المصري بكل فئاته الاجتماعية. وأجياله العمرية وتوجهاته السياسية أنه كان حريصا علي سلمية الثورة. لا ينتقص من هذه الحقيقة أنه كانت تتم علي هوامش بعض الوقفات الاحتجاجية أو بعد انصراف المواطنين اشتباكات عنيفة بين عشرات من المتظاهرين لا نعرف انتماءاتهم السياسية وبين أجهزة الأمن. ومما يشهد لهذا الشعب بكل توجهاته السياسية حرصه علي سلمية التظاهر وتجنب العنف أن الجماعات الإسلامية عندما أرادت التعبير عن مواقفها في مواجهة مواقف شباب الثورة والقوي السياسية الأخري اختارت لتجمعاتها أماكن مختلفة عن أماكن تجمع الآخرين وأياما مختلفة. وأكدت بذلك حرصها تجنب المواجهة وتحاشي احتمالات العنف. ولكننا نلاحظ في الأيام القليلة الماضية ومع اقتراب يوم30 يونيو الذي يتوقع الكثيرون أنه سيكون يوما مشهودا بحكم ما أعلن حتي الآن عن عدد المواطنين الذين وقعوا علي استمارة تمرد بطلب انتخابات رئاسية مبكرة والذي تجاوز ملايين التوقيعات, نلاحظ أن بعض قادة الجماعات الإسلامية التي كانت تمارس العنف يحذرون من أن هذا اليوم سيشهد عنفا غير مسبوق وأنه يجب تجنيب البلاد إراقة الدماء بالتوقف عن الدعوة للتظاهر في هذا اليوم. وهم بذلك يصادرون علي إرادة عشرات الملايين من المصريين الذين اتخذوا موقفا سلميا وديمقراطيا يريدون التعبير عنه بوسائل سلمية يقرها الدستور الجديد في أكثر من مادة. والأخطر من تلويح هؤلاء الذين مارسوا العنف من قبل بالعودة إلي العنف مرة أخري أنهم يخلطون ذلك ببعد طائفي حيث يتهمون المواطنين المصريين المسيحيين بأنهم يقفون خلف حركة تمرد لإدخال البلاد موجة من العنف, وهو كذب صريح, لن يستجيب له المواطنون المسيحيون, ولن يتخلوا عن دورهم في دعم التطور الديمقراطي للمجتمع المصري. كما أن الكنيسة التي يوجه لها هؤلاء إنذارا مبطنا بالتهديد أن تحافظ علي أبنائها بدعوتهم إلي عدم المشاركة لن تتخذ موقفا ليس من شأنها فهي مؤسسة دينية لا دخل لها بالسياسة وليس من دورها أن تحدد للمسيحيين مواقفهم السياسية, فالمسيحيون في مصر مواطنون لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات وليسوا طائفة دينية تخضع لمؤسستها الدينية. أخطر ما في التهديد بالعنف وجر البلاد إلي الطائفية أن الذين يلوحون به مارسوا القتل من قبل ولهم خبرة طويلة بأساليب العنف, دخلوا السياسة بأحزاب شكلية لكنها في الحقيقة مجرد واجهة للجماعات الدينية المتطرفة ولم يثبتوا حتي الآن إيمانهم الحقيقي بالديمقراطية, وما يحدث الآن في مصر هو اختيار جديد لهم حول مدي إيمانهم بالديمقراطية والتزامهم بقيمها. فما قامت به حملة تمرد هو عمل ديمقراطي سلمي يتم في إطار الدستور والقانون, ولا أبالغ إن قلت أن الدستور يحض عليه عندما أورد في المادة(54) أن لكل شخص حق مخاطبة السلطات العامة كتابة وبتوقيعه, وعندما أكد في المادة(50) للمواطنين حق تنظيم الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية غير حاملين سلاحا. في إطار هذه المواد من الدستور الجديد للبلاد و ما ترتبه للمواطن من حقوق قررت مجموعة من الشباب الدعوة الي التوقيع علي المطالبة بانتخابات رئاسية مبكرة وأوضحت في استمارة التوقيع أسباب ذلك. وهي بهذا العمل تلتزم بالدستور وبالسلمية أيضا وبدعم التحول الديمقراطي, لأنها من ناحية تحصل علي توقيع المواطن منفردا, وهي بهذا تعترف بأن صندوق الانتخابات هو السبيل إلي تولي السلطة, فهي لا تدعو إلي الانقلاب علي الشرعية أو إلي إسقاط النظام, بل تدعو رئيس الجمهورية للعودة إلي الناخبين للتعرف علي موقفهم منه بعد سنة كاملة من ممارسته لمسئولياته كرئيس جمهورية هل يمنحونه ثقتهم من جديد فيواصل مدته الدستورية أم يسحبون منه هذه الثقة. وهناك ما يبرر مطالبة الشباب بهذا الموقف فهم يرون أن الشرعية تقوم من ناحية علي إرادة الناخبين ومن ناحية أخري علي قيام المسئول المنتخب بواجبات المنصب الذي انتخب له, ويرون أنه بعد مرور سنة علي رئاسة الدكتور محمد مرسي للجمهورية لا يزال الأمن مفتقدا, والفقر قائما وبنشحت من بره, وحق الشهداء ماجاش, والاقتصاد منهار.. الخ وهي جميعا مظاهر واضحة في الحياة اليومية للمصريين. إذن ما يقوم به الشباب من جمع التوقيعات وما سوف ينظمونه من مسيرات سلمية هو من صميم العملية الديمقراطية, وفي إطار الحقوق المقررة للمواطنين في الدستور. وهم يؤكدون ليل ونهار أن مسيراتهم يوم30 يونيو سلمية بالكامل. وأن من يحمل طوبة سوف يطرد منها, وأنه لا مجال بالمرة للاعتداء علي المنشآت العامة أو الخاصة أو اقتحامها. من المؤكد أن الذين يريدون لهذا اليوم أن يتحول إلي العنف هم أعداء الديمقراطية, الذين لا يرون من الديمقراطية سوي صندوق الانتخاب وربما لمرة واحدة فقط يفرضون بعدها ديكتاتوريتهم علي البلاد. وينسي هؤلاء أن الشعب المصري دفع ثمنا غاليا من دماء أبنائه وأرواحهم من أجل أن يتمتع بالديمقراطية وما توفره له من حقوق علي رأسها حقه في مطالبة الحاكم بالتنحي إذا قصر في أداء واجباته. ومن المؤكد أن تلويح هؤلاء باحتمالات العنف ينبغي أن تكون جرس إنذار لأجهزة الأمن أن تعد لهذا اليوم جيدا في إطار ما صرح به كبار المسئولين في وزارة الداخلية أن مهمتهم حماية المتظاهرين السلميين وحماية المنشآت العامة والخاصة وأنهم يعترفون بحق المواطنين في التظاهر السلمي. وعلي من لا يعجبهم ممارسة المصريين لحقوقهم الديمقراطية أن يبحثوا لأنفسهم عن مكان آخر في يوم آخر للتعبير عن رأيهم في مساندة رئيس الجمهورية ورفض ما تدعو إليه حملة تمرد, فهذا حقهم طبقا للدستور بشرط ألا يكون علي حساب الآخرين أو بما يهييء لممارسة العنف ضد المتظاهرين السلميين. وليس من شك في أن هذه المواقف هي خطوات علي طريق ممارسة الشعب المصري للديمقراطية ودفع التحول الديمقراطي للأمام. لمزيد من مقالات عبدالغفار شكر