أثبتت إدارة الفريق أول عبدالفتاح السيسي لأزمة الجنود المختطفين, حجم وعيه للمؤامرات التي تدبر لضرب جيشنا والنيل من علاقته بشعبه ودولته, سواء علي طريقة ما جري في العراق وليبيا, أو كما يجري ضد الجيش السوري, متسترا بشعارات الثورة, ومستغلا استبداد وفساد النظام الحاكم. وأكدت هذه الإدارة قدرتها علي ضبط النفس, فلم تشايع مشاعر الغضب الشعبي,ولم تتجاوب مع محاولات أطراف الصراع السياسي المحتدم في البلاد لاستغلال الحادث سواء في خلق موجات عدائية جديدة مع أبناء شعبنا في سيناء, بينما نحاول بالكاد الخلاص من آثار الموجات العدائية التي أنتجها النظام المخلوع, أو في بث العداء تجاه الشعب الفلسطيني المحاصر في غزة بغرض تحميله وزر عملية الاختطاف,مستغلة العلاقة الغامضة بين منظمة حماس الحاكمة في غزة, والإخوان المسلمين في مصر,وعناصر الجهاديين المندسة في سيناء, التي هي خط التماس الرئيسي للأمن القومي المصري علي امتداد التاريخ. وأكدت قيادة قواتنا المسلحة تواصلها مع مبدئها المصاحب لتأسيسها وهو مبدأ المحافظة علي أرواح الجنود كمبدأ استراتيجي حاكم ظل الرئيسان عبد الناصر والسادات يؤكدانه حتي في أحلك الظروف بعد انفصال الوحدة السورية المصرية عام1961, ونكسة1967, وأثناء وبعد حرب أكتوبر.1973 كذلك لم أفهم مشاعر الإحباط التي أصابت بعض القوي السياسية من تصريحات الفريق أول السيسي, التي أكد فيها أن الأمور السياسية هي شأن الشعب وقواه المدنية, وأن القوات المسلحة هي مؤسسة الشعب الجامعة, وحامية الشرعية بما يمنعها من التدخل في هذه الشئون لصالح طرف او ضد طرف. فقد أكدت تلك التصريحات وما تلاها من تعقيبات السيسي علي قرارالمحكمة الدستورية العليا في قانون الانتخابات, أن قواتنا المسلحة في أيدي قيادة أمينة, يقودها قائد عسكري استراتيجي يمتلك وعيا سياسيا عميقا بما يدور في الدنيا حولنا,ويدرك تماما وضع قواته ودورها وعلاقتها بشعبها,ومقتضيات تجسيدها لوحدة الشعب الوطنية, وينتبه للفارق الكبير بين أن تستدعي القوات المسلحة نفسها لحماية الشعب ودولته الوطنية, والمساهمة في تحقيق آماله وأمانيه التي لامجال للشك في تغافل النظام السياسي عنها, أو وقوفه عائقا في سبيلها,علي نحو ماحدث في يوليو1952, ويناير2011, الفارق بين هذه الحال وبين حال صراع سياسي مهما اشتدت وطأته,فهو يخص أطرافه, الذي تؤمن قواته المسلحة أن ولاءها للشعب يمنعها من الانحياز لطرف منهم في مواجهة آخرين, لأنهم جميعا من أبنائه. إن القراءة المتعمقة لتصريحات وتعقيبات السيسي تبين إدراك قيادة قواتنا المسلحة لحقيقة انه وإن كان التاريخ لايعيد نفسه, فإنه لاحدود لإبداع الأساليب التي تؤدي بها القوات المسلحة واجبها في حماية مشروعية الاختيار الشعبي,سواء في شكله الثوري أو في شكله الدستوري والقانوني,بعيدا عن تكرار المواقف التاريخية غير القابلة للتكرار علي نحو ماجري في عامي1952 و.2011 لقد وعت قواتنا المسلحة أنها عندما تؤدي هذا الواجب لاتفعل ذلك لأنها في خصومة مع الفريق الحاكم أيا كان,حتي لوكان هذا الفريق ينسب زورا وبهتانا ل حكم العسكر علي نحو ما كان النظام المخلوع, الذي لم يمنعها من الانحياز لشعبها وانتفاضته الثورية في يناير2011, أن رأسه كان أحد أبرز قادة بل بناة القوات المسلحة. وكما لم تنجر القوات المسلحة لدعاوي الدم لانقاذ جنودنا في سيناء,فإنها لم تنجر لإغراءات النزول إلي الشارع بدعوي وجود ثورة ثانية ضد حكم الإخوان,أو انهيار لشرعية رئيسه, لتثبت عمق إدراك قيادتها لمعني الحالة الثورية,أو حالة إنهيار الشرعية التي قد تستدعي تدخلها, لقد لقن السيسي بعض القوي السياسية درسا قاسيا لحقيقة أن قواتنا المسلحة ليس من مهامها صناعة حالة ثورية شعبية, ولا خلق حالة انهيار دستوري. لقد أدي سوء فهم موقف القائد العام لمشاعر إحباط غير مبررة,حجبت أصابها عن إدراك حقيقة أن قواتنا المسلحة لن تتخلي أبدا عن واجبها في حماية الشعب, من خلال حماية ثورته إذا تجددت, وصيانة دولته ومؤسساته إذا سقطت شرعية نظامه السياسي أيا كان الفريق الحاكم في البلاد. علي القوي السياسية أن تستوعب الدرس المستفاد من مرحلة المجلس العسكري السابق, حيث كاد التناقض بين تحمل مسئولية إدارة الدولة, ومسئولية حماية وتحقيق أهداف الثورة, أن يوقع القوات المسلحة في تناقض مع الثوار, لولا مسارعة القوات المسلحة بمغادرة المشهد السياسي, مما مكن لشعبنا استعادة الوعي بحقيقة قواته المسلحة وحدود دورها الوطني, فلم يكتف بإسقاط الشعار الأحمق يسقط حكم العسكر بل تطرف في التعبير عن وعيه المسترد لدرجة إصدار توكيلات للفريق السيسي لتولي إدارة البلاد, ولانظن أن قواتنا المسلحة سوف تفرط أبدا في الإمساك بحالة الوعي الشعبي المسترد, إن التصريحات والمواقف السابقة تمثل إعادة اكتشاف للفريق السيسي, وتفتح آفاق الحلول الدستورية المناسبة لتجاوز الصراعات السياسية الحالية, بعيدا عن انتظار قد يطول لثورة قد لاتجئ, أو التمسك بحاكمية صندوق انتخاب ثبت محدودية تأثيره, أوالتعلق بتهويمات المجلس الرئاسي المستحيل, لكن الجيوش لا تسكت إذا أصابها الملل من تلكؤات وعجز السياسيين, وهو ما يؤكده التاريخ المعاصر لدول أوروبية مثل أسبانيا والبرتغال واليونان, ناهينا عن غيرها من الدول الآسيوية والإفريقية, وعلي رأسها تركيا لمن يعجبهم اردوغان وينسون تجربة أربكان. لمزيد من مقالات أحمد عبد الحفيظ