في مهرجان كان السينمائي الدولي السادس والستين...قدم المخرج الفرنسي. ارنود ديسبليشين. فيلما امريكيا خالصا رغم أن معظم أبطاله ليسوا من أمريكا لينافس به أمام عشرين فيلما من جنسيات مختلفة علي السعفة الذهبية خلال الاثني عشر يوما من عمر المهرجان. يعتمد فيلم التحليل النفسي للهندي جيمي علي قصة حقيقية وقعت بالولاياتالمتحدة بعد الحرب العالمية الثانية ونشرت عام1951 في كتاب تحت اسم الحقيقة والاحلام, ويحكي عن أحد أبناء الهنود الحمر جيمي بي الذي يعاني من أعراض لا يبدو أنها تندرج تحت تشخيص الشيزوفرانيا رغم أنه يعاني من كل أعراض هذا المرض, ولأن الأطباء تعاطفوا مع حالة شخص يصاب بعمي جزئي وفقدان للسمع وآلام حادة بالرأس بالإضافة إلي حالات الدوخة والاغماء, فقد استقدموا أحد الأطباء النفسيين الذين عملوا بمستعمرات الهنود الحمر حيث كان يتم حجزهم من قبل السلطات الأمريكية. والحقيقة إن العلاقة التي بدأت بشكل ناعم وقوي بين جيمي وطبيبه المجري الأصل جورجيس ديفرو هي في الأساس انعكاس للعلاقة التي بدأت مع التصوير في نفس المستعمرة الأمريكية في ولاية مونتانا بين الممثلين ديل تورو من بورتوريكو و الممثل الفرنسي الشهير ماتيو الماريك, فعلي الرغم من الاختلاف الواضح بين الممثلين إلا أن الكيمياء بينهما كانت منسجمة بدرجة كبيرة, فالتناقض الشديد بين حيوية الماريك وهدوء ديل تورو أصابا قلب الحقيقة في هذا الفيلم, أو هكذا رأي المخرج ديسبليشين. ويؤكد الماريك ان التحليل النفسي يبدو من أكثر الأشياء التي كانت تثير خوفه, خاصة وأنه مر بتجربة مماثلة لما حدث في الفيلم, فخوفه الشديد من التحليل النفسي جعله يرفضه لسنوات لأن ثقافتنا تؤكد إن الرجوله تعني عدم إظهار الضعف ولكي تكون رجلا بحق كما يقول أبي فلا داعي لإظهار ضعفك, ويبدو أن مثل هذه المقولات هي ما دفعت الماريك للعمل في أفلام مثل مغامرات جيمس بوند. أما الممثل ديل تورو والحاصل علي جائزة أحسن ممثل في مهرجان كان عام2008, فإن هدوءه واتزانه الشديدين كانا أداته ليعبر عن الألم والحزن المسيطرين علي حياة جيمي بطل الفيلم. ففي الحوارات التي امتلأ ت بها مشاهد الفيلم كان تورو وهو يتحدث عن المرأه في حياته خاصة امه واخته وما حدث له في الحرب, يعكس بشكل واضح الآلام العميقة بداخل جيمي والتي أضيف لها آلام الحرب لتصنع منه شخصية متهاوية تمثل النموذج الذي روجت له طويلا الإدارات الأمريكية في ذلك الوقت لتبرر ما تفعله بالسكان الأصليين للأمريكتين, ففي هذا الوقت كان الهنود الحمر يقدمون باعتبارهم الأقرب إلي المهوسين أو المجانين والمشعوذين. وعلي الرغم من آثارة العديد من الموضوعات الهامة مثل سياسة التفرقة العنصرية التي مازالت تعد وصمة عار في جبين الولاياتالمتحدةالامريكية وكذلك اسباب هجرة ديفرو من المجر باعتباره يهوديا تعرض للاضطهاد في هذه الفترة, إلا أن الفيلم يمر مرورا سريعا علي هذه الموضوعات ولا يحاول استغلالها في الحوارات التي تجري بين الرجلين. وهكذا يستطيع الطبيب ديفرو أن يعود بجيمي إلي ما قبل الحرب حيث كان يعيش في مستعمرات خاصة بهم' يجد فيها الانسان نفسه يدور في حلقات مفرغه لا يستطيع حتي أن يحلم فيها بالمستقبل,' كما تقول زوجه جيمي بي في الفيلم او الممثله ميستي يوفام وهي من الهنود الحمر الامريكيين. وتؤكد يوفام أن اهلها يؤمنون بالارواح والاشباح كما يؤمنون بالعلاجات الشعبية.. وما قد يراه البعض شعوذة نعتبره نحن شيئا طبيعيا.' ان هذا الفيلم يستعرض قصة رجلين يحاول كل منهما ان يهرب من ماضيه لكن علاقة الصداقة التي قامت بينهما جعلتهما يحاولان استعادة افضل ما في عالمهما, كل بمساعده الآخر في رؤية نفسه وعالمه حيث يعبر جيمي بي عن سعادته بهذا العلاج النفسي الذي جعله يستعيد سلامته النفسية وهو ما يؤكده طبيبه ايضا بقوله' إن اي انسان يستطيع ان يعيش في سلام مع نفسه سيكون قادرا علي ان يعيش في سلام مع الآخرين, ويؤكد المخرج ديسليشين انها قصة رجلين يحاول كل منهما ان يصبح أمريكيا دون أن يتخلي عن ماضيه. لكن ما جعل هذا الفيلم يقدم في كان باعتباره أحد المنافسين الأقوياء للحصول علي السعفة الذهبية هو قدرة المخرج الفرنسي علي تقديم الكثير من المشاهد الحوارية بشكل ناعم ورقيق علي الشاشة ليعبر من خلال الصورة علي ألم الروح أكثر من ألم الجسد, لكن الكثير من النقاد يرون أن الفيلم قد يحصل علي هذه الجائزة لأن فرنسا مازالت تعتبر التحليل النفسي ل فرويد هو الأصل في العلاج النفسي أكثر من كونه مجرد أداة لفهم اختلاف الثقافات.