منذ سنوات كتبت عن ماسبيرو وقبح واجهاته الأربع بمنافذها المغبرة وقد خرجت منها نتوءات صدئة تفضي إلي زئير مزعج بزعم أنه التكييف. لكن شاء العليم أن تكون لي مصلحة اقتضت الذهاب إليه, ولا ادري لماذا تذكرت فيلم صغيرة علي الحب فالذاكرة مازالت تحفظ بهاء وروعة لكيان كانت تتباهي به مصر كلها أمام أقرانها الذين لم يكونوا قد عرفوا التليفزيون بعد. وعندما اقتربت لفت نظري سيارات فارهة وقد تراصت بعناية أمام وزارة الإعلام ويقال والعهدة علي الراوي أن وراء مدخلها أبهة ما بعدها أبهة ولكنها من ميراث العهد البائد. وما أن دلفت داخل المبني الضخم بدت لي أركان تقترب من فنادق ذات خمس نجوم, وأخري وهي الأكثر تشعرك وكأنك في عشوائيات الهجانة, دون أي مبالغة, بدءا من البهو بسقوفه العارية والتي تدلت منها أشباه مصابيح, في ظني أنها موضوعه لمهمات ليست الإضاءة من بينها, لكن عزاءك في هذا المشهد القاتم هو بشاشة مستقبلينك, وأمام المصاعد وقفت الحشود بانتظام, وما أن جاء دورها انحشرت في العلب يحبسون أنفاسهم يتوجهون للمولي عز وجل بالدعاء ألا يجعل نهايتهم فيها, وفي الطابق العاشر بدا الطريق عذابا مستطيرا, دورات مياه تنبعث منها روائح لا يمكن أن توصف وكأنها مراحيض عمومية والغريب أن هذا الدور ينتهي بمطعم ومحال لصناعة الحلوي, وما أن تصل مقصدك وهي صالة واسعة وضعت فيها مكاتب متهالكة مكتظة بأوراق وملفات لا وجود لما يسمي بالتقنية الحديثة, أما حسابات الأخبار في الخامس لم تكن أفضل حالا اللهم وجود جهاز كمبيوتر يقينا يعود إنتاجه لسنوات ماضية. لكن السمة المشتركة بين المكانين أن الجميع نساء ورجال محجبات وكاشفات الرأس رغم أنهم محشورون حشرا فهم يعملون وبجدية وبإخلاص يسهلون ولا يعطلون يمنحون ولا يأخذون جميعهم لا ينقصهم الإيمان فقلوبهم عامرة به ليسوا في حاجة لمن يفقههم في دينهم أنهم في حاجة إلي الحد الأدني من مستلزمات العمل, وأماكن آدمية تصلح لبشر لأنهم ببساطة يستحقونها وأكثر, ويا كادحي ماسبيرو حتما الفرج قريب. لمزيد من مقالات سيد عبد المجبد