تلقيت بامتنان كبير رسالة من السيد اللواء محمد صالح مكرم, يعلق فيها علي مقالي السابق( لا عبط ولا اعتباط في حب البنات للضباط) وافاني فيه ب64 اسما لشهداء أبرار عاصرهم وارتبط بهم في حروب مصر السابقة من أجل القضايا العربية العادلة في حروب84 و65 و76 و37, الذين ضحوا بحياتهم وفاءا لانتمائهم الوطني والقومي والإنساني. حقا يجب ألا تغيب هذه الرموز الوطنية عن الأذهان, ليعرف أبناؤنا أن الحرية والأمن اللاتي يستهزئون بهما الآن أن هناك أبطالا ضحوا بحياتهم من أجلهما, وهم في ريعان الشباب, من أجل الحفاظ لهم علي حرية تحديد هويتهم ومصالحهم وطبيعة مستقبلهم, فكانوا تجسيدا لمعني إنساني رفيع لا تكتمل الإنسانية السعيدة إلا به وهو الانتماء. فالإنسان الكائن الوحيد الذي لاتكتمل سعادته إلا بتحقيق ذاته من خلال الانتماء إلي أسرته ومجتمعه ووطنه وعقيدته وعندها يعطي بلا مقابل, إلا سعادته وقوة توازنه النفسي, والجندية أعلي اختبار لقوة الانتماء, فهي ليست بوظيفة يتقاضي عنها أجرا, ولكنها رسالة إنسانية كبري لايجسدها لفهم أبعادها إلا أسطورة إغريقية قديمة عن سارق النار( بروميثيوس)! و(بروميثيوس) من آلهة الإغريق الذي تمرد علي كبير الآلهة( زيوس) الذي أراد أن يمحو البشر من علي وجه الأرض, ليفسح مجالا لمخلوقات جديدة فاضلة, وأكثر لطفا وإيمانا به, فرفض( بروميثيوس) قسوة فناء البشر لعدم كمالهم, فسرق النار ووهبها للإنسان رمزا للمعرفة ليشعلها, ويعرف بها فنون الحياة, وعلمه أيضا الزراعة والتجارة والطب.. فعذبه( زيوس) عقابا شديدا لانتمائه لقضية الإنسان بشد وثاقه في صخرة, ويأتي نسر جارح لينهش كبده كل يوم, ويعود سليما, ليتكرر نفس العذاب في اليوم التالي, وكان رد بروميثيوس علي هذا العذاب بقوله: لن أرتضي الرق لهذا العقاب بديلا, فالكرب خير عندي من أن أعيش ذليلا. لذا عندما تردد اللفظ( الموكوس) علي ألسنة بعض المراهقين سنيا وسياسيا وأخلاقيا وهو( العسكر), كان نوعا من الانتحار الجماعي, المفروض علي هذه الأمة, بأن تهين حاميها وتوقر حراميها, ويعد نوعا من انهيار معني الانتماء, والشعور بالغربة والتيه في العصر الحديث, فلا نحن نلحق به, ولا نشفي من نوستالجيا الأيام الخوالي, في ظل الانتماء الضائع الممزق الذي يغذيه آلهة الشر! رغم سخافة الفكرة وفشلها من إهانة المؤسسة العسكرية, درع الوطن وحامية شرفه, لم تتوقف المراهقة السياسية والاجتماعية, ونجدها تمتد في تطاول بعض الصبية في الجامعات علي أساتذتهم في وقائع لم تشهدها مصر من قبل, لتصل إلي هذا الدرك من الفوضي الأخلاقية والتربوية, والعذر الوحيد أن قوي الشر والتلاعب هي من تحييها وتغذيها, وأستار التضليل تهتك تباعا يوما بعد يوم, وأتمني أن الرمزين الموقرين اللذين نالهما الأذي, جراء الحرب الخفية وهما العالمان الجليلان( د. أحمد الطيب) شيخ الأزهر و(د. حسين عيسي) رئيس جامعة عين شمس, ألا ينال منهما شيء, فمكانتهما العلمية غنية عن أي تعريف, وأخلاقهما الرفيعة يشهد لها الخصم قبل الصديق, ولكن الظروف التي تمر بها بلادنا, تحتم عليهما أن يقوما بدور جهادي, بالصبر علي بعض الحمقي, في سبيل الحفاظ علي مصالح الغالبية العظمي, التي تعترف بفضلهما علي التعليم, وأيضا بمكارم الأخلاق التي تجسدت في صبرهما الجميل.. وعاقبة الصبر الجميل جميلة.. وأفضل أخلاق الرجال التفضل. بلادنا الآن تحتاج لرجالها المخلصين في كل موقع, لترميم الانتماء في نفوس شباب تتمزق, بين الانتماء للوطن أو القومية أو الدين, ولن ينصلح الحال إلا بالتوفيق بينهم فعن الانتماء الضائع.. إسألوني.. إنه يحتاج لبروميثيوس العصر الحديث! (بروميثيوس) العصر الحديث هم النخبة العالمة المحترمة التي تفهم التاريخ الطويل وتستوعب العصر السريع, فسرعة التطور مربكة للجميع فيسقطون الماضي علي الحاضر, وشتان بينهما, فسرعة التطور أفقدت القدرة علي القياس بين الحاضر والماضي, وأولو العلم والخبرة من النخبة العالمة, من أمثال الرمزين الكبيرين( د. أحمد الطيب) و(د. حسين عيسي), وأقرانهما من خيرة أبناء مصر, هم فقط القادرون علي قيادة البلاد في المراحل الخطرة, وإذا كانت مصر خاضت حروبا للدفاع عن هويتها ومصالحها, وتقدم أبناؤها الشجعان للتضحية بأرواحهم من أجل الحفاظ علي مصر الفكرة الحضارية, التي تمتد عبر التاريخ, فالآن دور النخبة العالمة أن تدافع عن مصر كفكرة مثالية, تمتد عبر التاريخ ويحفظها شعبها الكبير, الذي علم العالم معني الماعت من آلاف السنين, وهي رمز الحق الخير والعدل والنظام, خاصة في زمن لم يعد ممكنا أن يشقي ذو العقل في النعيم بعقله, أو ينعم أخو الجهالة في الشقاوة براحته! والنخبة العاقلة هي من تمسك بميزان الماعت فتكفينا الشر المستطير للتهوين والتهويل, فإن هزمت انكسر ميزان الماعت لاقدر الله! لمزيد من مقالات وفاء محمود