كثيرة هي المشاحنات اليوم في المواصلات العامة، وفي المرافق العامة أيضًا، تجد الناس ضاقت أخلاقهم، ولا يطيقون بعضهم بعضًا، تجد خناقات ومصدامات هنا وهناك وتسمع ألفاظا بذيئة وسبًّا وشتمًا من الصغار للكبار ومن الكبار للصغار، والكل يلقي اللوم على الثورة؟! وهذه عادة سيئة أن نخطئ ونبحث لخطئنا عن حجة نتحجج بها. فالمسلم لا بد له أن يتحلى بالأخلاق الكريمة التي بُعث بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث قال: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، فالمسلم لا بد أن يلتزم الأخلاق الكريمة من حلم وعفو وصفح وإعراض عن الجاهلين، ولذا يقول المولى جل وعلا: {وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [فصلت:34-36]. نعم هناك مواقف صعبة، قد تدفع بالإنسان إلى نزاع أو شجار أو قتال، ولكن بالحِلْم والرفق والسماحة والعفو وحسن الخلق، نخرج من تلك المواقف وصدق سيد البشر حيث قال: "ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب"، وقال: "من كظم غيظًا وهو قادر على أن ينفذه يأتي الله عز وجل به على رءوس الخلاق يوم القيامة حتى يخيره من الحور العين ما شاء"، فالمؤمن يسمع الأقوال السيئة، لكنه يقابلها بالعفو والحلم وضبط النفس، متصديًّا لها بعقلانية وطمأنينة وحلم، ولا تستفزه مثل هذه الأمور ولا تزعجه، ولنذكر قول الله تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاَمًا} [الفرقان:63]، ومن صفات المتقين: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:134]، و{وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ} [الشورى:37]. فإذا ما علاك الغضب وضعفت نفسك عن كظمه فقم فتوضأ وصل لله ركعتين، أو اجلس لو كنت واقفًا أو قم لو كنت جالسًا أو غير مكان مجلسك، واستعن بالله ولا تعجز. ورحم الله من قال: لعمرك ما ضاقت بلادٌ بأهلها *** ولكنَّ أخلاق الرجال تضيقُ لمزيد من مقالات جمال عبد الناصر