لاحظت من واقع مطالعتي للصحف ومتابعتي للبرامج الإعلامية محلية كانت أو إقليمية أو حتي دولية في الفترة الاخيرةوما لاحقها من أحداث لا أعرف ما اسمها( بلطجة, فلول نظام قديم, فتنة طائفية أو عنف غير مبرر) بل أفضل تسميتها خراب مصري مصري( حرب الكل ضد الكل) تناقضا واضحا في التحليل حول ما يقال محليا وغير محلي. وتأكدت أن ما يقوله ابن البلاد الوطني الأصيل من كلمة تخالف هوي بعض أصحاب الصحف والقنوات التليفزيونية وبعض التيارات السياسية, فيرمون بما اعتادوا أن يرموا به مخالفيهم ويقول الآخر الكلمة نفسها بالتمام في وقت يناسبهم, فيعدها كلمة ذهبية وينسون أنها كانت بالأمس نحاسه أو أقل, فما السر في هذا؟ إن الأماني في المسألة المصرية ليست بسيطة يمكن تحقيقها حالا والكل يعرف ذلك, وأنه من العبث الاستنجاد بالمعونات الخارجية غربية كانت أم شرقية, وان نتصور أنها حل لكل المشكلات الاقتصادية او السياسية او حتي الاجتماعية منها, والحقيقة أنهلا شيء أنفع للمصريين من اعتمادهم علي أنفسهم لتحصيل الكفاءة بالمجموع,( أي العمل والإنتاج)فقيام البعض الخارجي يتخرصون في شأننا ويرموننا ويظنون أن هذا يحزننا أو يحرجنا, كلا إنما يحزننا أمران: أولهما أن يضيع الرأي العام في ضوضاء هذه الأهواء, وثانيهما أن تكون المناقشة داخلنا فوضي إلي درجة أن أحدنا يذم منا الشيء ويمدحه من غيرنا, وأن الشواهد لهذا كثيرة! ويعلم القراء أنه حينما يقول صاحب المقام العالي في بلاد الأحلام والديمقراطية من جانب, إن الواجب علي الشعوب كلها أن تمارس الضغوط علي الدول الآخذة في النمو أمثال مصر بتطبيق الديمقراطية وممارسة الحريات واحترام حقوق الإنسان وعدم التعدي علي الأقليات وعدم المساس بمقدساتهم, حتي ننال الرضا ونأخذ المنحة أو القرض, أو حينما يقول علي الجانب الآخر من المعمورة في بلاد الفرس, إن الواجب علينا أن نكون نموذجا مثلهم أو نحذو حذوهم, وليس علي الله بكثير أن نكون يوما ما إحدي أكبر ولاياتهم, لكي نأخذ البترول او الغاز, والحقيقة أن السعي إلي هذا الغرض الشريف ظاهريا من الفريقين, يجعل بعض مفكرينا يقول سمعا وطاعة! ولكن لا يسعنا كتمان ما في تحقيق هذه الأماني المغرضة من صعوبات, فإن من الحمق اعتبار المسألة بهذه البساطة, ويمكن تحقيقها, فإن التركيبة السكانية المصرية والنسيج الوطني والمعتقدات الدينية راسخة ومتينة ومتماسكة, ولها تاريخ يصعب اختراقه من أي جهة خارجية فنحن أمة واحدة من الألف إلي الياء, نزرع ونحصد معا ومصيرنا واحد مهما يطل الزمان, كما أنه من العبث التغرير بالمصريين بمثل هذه الأماني والصدقات المخلوطة بالاهداف الخفية في ظل المعطيات الواقعية وخروج المارد من قمقمه بعد25 يناير, فإلي من يوجهون هذا الخطابالساذج يا تري؟! فالواجب علينا في هذا الموضوع هو إنشاء روح وطنية قومية مصرية واحدة لا روح عناد واضطراب وفتنة طائفية واستخدام شعارات منفردة مثل عنصري الأمة أو الهلال مع الصليب... الخ, بل الواجب أن يحترمبعضنا بعضاوأننفعل سيادة القانون علي كل من يحاول المساس بما حققناه من ثورة بيضاء لا حمراء ولا سوداء, بل إن أسهل سبل الإقناع وأكدها في الوصول إلي الغرض هو سبيل المحاسنة التي لا تجر إلي ترك حق أو تزيين باطل, فما كان من البعض إلا إعدام هذا القيد وتسمية المحاسنة التي تكلمنا عنها محاسنة مطلقة. وبنيت علي ذلك سؤالا طويلا لا يرد في مثله جواب, لم يكن من لزومه لإعادة هذا الماضي, لولا ما أحزننا من هذه الفوضي في المناقشات والمعاملات والحوار الفكري والدعاوي, وما آلمنا أكثر من ذلك نفوذ بعض التكتلات ذات الصبغات المختلفة في كل شيء حتي حياتنا اليومية وأمورنا الشخصية التي يفترض أن تكون حرة. إن الاستقلال الذاتي القومي بعد الثورة هو جملة أمانينا, فكم يألم أحدنا إذا لم يجد لهذا الاستقلال أثرا حين يري قادة الأفكار من هذا الجانب أو من الجانب الآخر منا يستحسنون ويستهجنون أقوالا واحدة بعينها بالنظر لقائليها حسب انتماءاتهم, لا بالنظر إليها نفسها! نحن لا ندعي علما كعلمهم ولا مقاما في الوجود كمقامهم, في فهم السياسة الداخلية او الخارجية, ولكن يحزننا أن يتسم الفرق بيننا وبينهم إلي درجة تناحر في تأويل وذم قولنا ومدح قولهم, وهما سواء, إن الاستقلال الذاتي فوق كل شيء, فيؤسفنا أن نراه مقضيا عليه إلي هذا الحد, وعسي أن نراه يوما حيا يتجلي فتعرف به الأشياء كما هي علي حقيقتها العارية, ولا ينظر لأحد بعين ولآخر بعين غيرها. وأتصور في النهاية أن هذا هو أحد أسباب قيام ثورة يناير, بل أؤكد أن هذا الهدف كان علي رأس أولوياتها وهو المساواة, ولعل الوقت لم ينقض بعد حتي نحقق كما تمنينا عيشا, حرية, كرامة انسانية, عدالة الاجتماعية, لكل المصريين, بدون تمييز بين مصري ومصري من خلال خانة الديانة في هوية التعريف. فالحق واجب والحق أننا كلنا نعبر عن مصر, ولايوجد عندنا مواطن من الدرجة الأولي وآخر من الدرجة الثانية مثل بعض البلاد الأخري التي تقدم لنا النصح والإرشاد باسمحماية الحريات و حفظ حقوق الأقليات. لمزيد من مقالات د. أيمن رفعت المحجوب