يبدو أن القارة الشمالية هذه الأيام علي موعد مع العمليات الإرهابية, فلم تكد احداث بوسطن الدامية التي خلفت3 قتلي وعددا من الجرحي تغيب عن الأذهان حتي جاء حادث آخر كان سيخلف المزيد من القتلي والجرحي لولا تدخل الحكومة الكندية التي إستطاعت القبض علي العقل المدبر لهذه العملية الإرهابية. شهاب الصغير ورائد جاسر.. اسمان تصدرا عناوين الصحف ووسائل الإعلام, الأول يحمل الجنسية التونسية وكان يقيم في مونتريال, أما الثاني فلسطيني الأصل وجهت اليهما اتهامات بالتآمر والتخطيط للقيام بعمل ارهابي وهو محاولة اخراج القطار الذي يربط بين مدينتي مونتريال الكندية ونيويورك الأمريكية عن مساره بناء علي التعليمات التي تلقياها من القاعدة الأمر الذي استطاعت الحكومة الكندية إثباته وذلك عقب مراقبتهما منذ أغسطس الماضي, لتنجح بذلك في إحباط واحدة من أخطر العمليات التي كان من الممكن أن تصيب البلاد بالذعر. وما إن تم القبض علي الشابين حتي انتشر الخبر كالنار في الهشيم, فقد غطت الصحف ووسائل الإعلام جميع الجوانب وأتت بأدق التفاصيل عنهما في محاولة لمعرفة من هؤلاء وما كانا يدبرانه وما علاقتهما بالقاعدة إزاء أراء ورغم أن مظهرهما الخارجي لا يختلف كثيرا عن بعضهما البعض حيث اللحية الطويلة واللباس المتزمت الا ان لكل منهما تفاصيله الخاصة فقد ولد شهاب الصغير(30 عاما) في تونس وتخرج في كلية الهندسة وحصل علي درجة الماجستير في التكنولوجيا الصناعية من المعهد الوطني للعلوم والتكنولوجيا ثم ذهب للدراسة في كندا في جامعة شيربروك عام2008, بعدها التحق بالمعهد الوطني للأبحاث العلمية في فارين( كيبيك) للحصول علي الدكتوراه في عام2010, وركزت رسالته علي كيفية استخدام النانو تكنولوجي الأجسام متناهية الصغر في اكتشاف السرطان وأمراض أخري وطبقا لما ذكرتة جريدة مونتريال فإن الصغير قد أسهم في إعداد عدد من الأبحاث العلمية وكان من ضمنها أبحاث عن الأدوية المضادة للفيروسات ومنها فيروس نقص المناعة المكتسبة الايدز كما شارك في العديد من المؤتمرات العلمية. وعلي الصعيد الإنساني وحسب روايات بعض من يعرفون الصغير فإنه صاحب سلوك تخريبي وأسلوب حاد وآراء دينية صارمة كانت السبب في نفور عدد كبير ممن حوله, بل إنه في إحدي المرات حدث خلاف بينه وبين إدارة المعهد بسبب قيامه بتمزيق ملصقات تابعة لجمعية يونايتد واي الخيرية التي تحمل صورا لرجال ونساء بدون ملابس تحت شعار كلنا سواسية من الداخل تلك الواقعة كانت ستتسبب في فصله نهائيا من المعهد, بالإضافة لمطالبته الإدارة بإنشاء غرفة خاصة للصلاة. أما بالنسبة لإمام الجامع الذي كان يتردد عليه الصغير فقد أبدي اندهاشه بآراء الشاب المتطرفة, فقد كان الصغير دائم النصح له بعدم دفع الضرائب لأن ذلك يعني مساعدة الكنديين فقط. أما أقاربه في تونس فقد كان لهم رأي مخالف فقد ذكروا أن الصغير لم تظهر عليه علامات الالتزام الديني حينما كان مقيما في تونس, وأن التغيرات التي طرأت علي سلوكه بدأت تظهر منذ إقامته في كندا, حيث بات أكثر تشددا حتي أن حسابه الخاص في شبكة لينكدين المهنية كان يحمل راية السلفيين الجهاديين وهي عبارة عن علم أسود مكتوب عليه لا إله إلا الله محمد رسول الله. وبعد ترحيله للمثول أمام المحكمة القضائية لمحاكمته رفض الصغير كل الاتهامات التي وجهت له بحجة أنه ليست هناك أي أدلة أو براهين علي شروعه في ارتكاب هذه الجريمة كما أنه لا يرغب في أن يحاكم وفق القانون الجنائي الكندي لأنه حسب قوله قانون وضعه بشر لا يتسمون بالكمال, فالكمال لله وحده!. أما المتهم الثاني وهو الإماراتي الفلسطيني الأصل رائد جاسر(35 عاما) فقد أتي لكندا هو وأسرته عام1993 هربا من ألمانيا التي ظلوا بها لمدة عامين منذ1991 بعد أن تعرضوا للأذي وأعمال عنف علي يد جماعات النازيين الجدد التي تحارب وجود المهاجرين هناك ومن أساليب هذه المحاربة إلقاء زجاجات المولوتوف علي منزل عائلة جاسر, الأمر الذي دفعهم للذهاب إلي كندا. ورغم أن والدي رائد فلسطينيا الأصل إلا أنه في ظل الظروف القاسية التي تعرضوا لها علي يد القوات الاسرائيلية اضطروا للسفر للإمارات عام1966 حيث ولد رائد فيها عام1977 واستقروا هناك حتي اندلاع حرب الخليج, وهي الحرب التي قلبت حياة العائلة رأسا علي عقب, وقتها كان ينظر للفلسطينيين علي أنهم أعداء لدعمهم العراق وبالتالي كان لابد أن ترحل العائلة من هناك بعد24 عاما لتنتقل إلي ألمانيا ثم كندا التي دخلوها بجوازات سفر فرنسية مزورة وذلك طبقا لوثائق لجنة الهجرة واللجوء, وعقب وصولهم طلبوا حق اللجوء ولكن رفض الطلب في العام التالي, وفي1998 سمحت لجنة الاستئناف لهم بالبقاء في كندا حتي عام2002 حيث أمرت بترحيل رائد جاسر بسبب الملاحقات القضائية بعد إن وجهت له خمس تهم بالنصب والاحتيال والتزوير والاستهزاء بهيئة المحكمة وتوجيه تهديدات ولكن لم يتم ترحيله وذلك لأنه خلال جلسة الاستماع بشأن ترحيله لكونه فلسطينيا أي لا جنسية له فقد اضطرت الحكومة تعليق قرار ترحليه. وفي2004 تقدم بطلب رسمي للحصول علي عفو عن الجنح التي ارتكبها وقد حصل علي هذا العفو, كما حصل علي إذن إقامة دائمة في كندا ولكن في الوقت ذاته صدر أمر بمراقبته. وفي النهاية وبعد أن أحبطت السلطات الكندية الجريمة التي كان يدبر لها الشابان فإنه مما لا شك فيه أن موضوع فرض قيود علي المهاجرين إلي البلاد سيتصدر جدول أعمال المسئولين هناك, نظرا لأن كندا من أكثر البلاد استقبالا للاجئين الهاربين من أعمال العنف في بلادهم, وهو الأمر الذي قد يدخل كندا في دائرة عنف مستمر بل وسيؤثر أيضا علي جارتها الأمريكية.