انتهي الصراع والجدل بين المرشحين علي المقعد الفردي في الدائرة الثالثة بمدينة نصر لصالح الدكتور مصطفي النجار مرشح حزب العدل بعد سلسلة من الاتهامات المتبادلة بينه وبين الدكتور محمد يسري المحسوب علي التيارات الاسلامية. التقينا الدكتور محمد يسري لمعرفة أسباب إخفاقه ولماذا تحولت هذه المنافسة الي معركة ساخنة وتطورت لدرجة أنها خرجت عن اطارها الشريف وتحولت إلي اتهامات بالتكفير وبتلقي دعم من جهات أجنبية وشراء لأصوات الناخبين. هل كنت مدعوما من حزب النور السلفي أم من حزب الحرية والعدالة للإخوان المسلمين؟ والي أيهما تنتمي؟ لا أنتمي الي أي من الحزبين وإنما تربطني صلات وعلاقات طيبة بكل من الدعوة السلفية وبالإخوان المسلمين, وأري نفسي في موقع متوسط بين هذه الأحزاب والقوي الإسلامية, ولكن حزب الحرية والعدالة قد دعمني أكثر من حزب النور السلفي وذلك لأسباب تتعلق بقدرة الإخوان علي الحشد في المنطقة التي ترشحت بها, وان كان حزب النور السلفي أيضا قد قام معي ببعض الجهود المشكورة, وبالمناسبة فإن قراري خوض الانتخابات كان هدفه الأكبر أن يكون لي دور فاعل في التنسيق بين التيارات الإسلامية الموجودة تحت قبة البرلمان حتي تقوم برسالتها ولا تتعارض مواقفها, خاصة وأنني الأمين العام للهيئة الشرعية للحقوق والاصلاح هيئة علمية إسلامية وسطية مستقلة وذلك مكنني من التواصل مع مختلف التيارات الاسلامية واستطعت إيجاد توافق ووحدة مواقف في القضايا الكبري والمسائل العامة. هل قمت حقا بتكفير الدكتور مصطفي النجار؟ وهل تقدمت ببيان اعتذار له عن ذلك؟ في الحقيقة لم أكتب بيان اعتذار لأن الانسان يعتذر عن خطأ ارتكبه أو دعا إليه أو وقع بعلمه أو وافق علي ارتكابه, وكل كلام قيل عن أنني اعتذرت هو محض كذب وقد كذبت هذا الكلام في الاعلام مرارا, وأنا لم أظن في المنافس سوءا وعلي كل حال الدكتور مصطفي النجار مازال يزعم كذبا أنني كفرته وهو في الحقيقة سجل هذا علي نفسه في قناة الحياة مؤخرا بأوضح العبارة حينما قال: هذا وهؤلاء يتاجرون باسم الدين وليسوا من الدين في شئ والدين منهم براء, وهذه المقولة لو شئت أن أقاضيه بها لقاضيته ولأدنته, ثم جاء زاعما أنه يسامح عن هذه الأخطاء رغم أنه لايملك عليها دليلا واحدا, ولو حوكم عليها لأدين ولوقع تحت طائلة القانون, وقد حاول هو من خلال الألاعيب السياسية أن يقدم بلاغات لكنها حفظت جميعا لعدم وجود أدلة عليها وبعدها أراد أن يتجمل فجاء ليقول أني قد سامحته والحقيقة ان شيئا من ذلك لم يثبت وأنه جاء بكذب مختلق وإفك مفتري. إذن ستستمر المعارك القانونية بينك وبين الدكتور مصطفي النجار؟ الكثيرون يطالبونني بتحريك القضايا, وخاصة بعد أن تم رفض وحفظ جميع بلاغاته وبقيت اتهاماته ماثلة للناس ومسجلة عليه في الفضائيات ولو أردت أن استرد حقي منه عبر القضاء لفعلت ولكن الي الآن أحاول كبح جماح الغضب وتسكين ثائرتي وأن أعفو عنه فإذا مكنني الله من مغالبة نفسي فالحمد لله واذا لم أستطع مسامحته فسأنتصر بالحق. وماسبب إخفاقك في جولة الإعادة؟ الاخفاق يرجع الي أمور ثلاثة, السبب الرئيسي هو آلة الاعلام المغرضة التي عملت علي تشويه صورة الاسلاميين بعد اكتساحهم للجولة الاولي من الانتخابات فهناك60% من المقاعد ذهبت للتيار الاسلامي الذي كان لايمثل في العهود السابقة بأكثر من25% ومن طائفة واحدة فلما رفع غطاء القهر والاستبداد انطلق الناس علي سجيتهم واختاروا بإرادة حرة أهل الاسلام والدعوة الي الله الذين يثقون بهم, ومال الناس الي عقيدتهم ومنهجهم, ولكن هذه القنوات الاعلامية عملت بكل قوتها علي التشكيك والتخويف للناس من هذه التيارات واتهامها بأنها تيارات مأجورة, وخصوا من الناس بهذا السلاح المرأة, وهذا هو السبب الثاني أن كثيرا من النساء تخوفن من مجيئ المرشح الاسلامي الذي سيعمل علي تغطية وجوههن وسوف يمنعهن من المدارس والجامعات ومن ممارسة أعمالهن وسوف يردهن لعصر الحريم, ومن هنا توجهت جموع الناخبات المصريات الي كفة الدكتور مصطفي النجار, وعمل علي مساندته في ذلك من أعلن دعمه له ائتلافه معه مثل عمرو حمزاوي وحمدين صباحي والكتلة المصرية, وليس سرا أن جموع الناخبين من الاقباط قد أعطوا صوتهم للدكتور النجار. معني ذلك أنك تميل الي وجود قوائم قامت الكنيسة بإعدادها وتوزيعها؟ مسألة حرية التصويت غير قابلة للألزام الكنسي أو الديني وبعض المسيحيين قد انضووا تحت راية حزب الحرية والعدالة وبعضهم تحت راية حزب النور السلفي, فكلا الحزبين فيهما من جموع الناخبين المسيحيين عدد ليس بالقليل, وهناك من المسيحيين من تضامنوا معي وهذا يدل علي أن الممارسة السياسية ليست ممارسة طائفية إنما هي ممارسة وطنية تخدم الأهداف الوطنية بالدرجة الاولي. بماذا تفسر وجود هذا الصدام بين اثنين كلاهما محسوب علي التيار الاسلامي؟ السبب في ذلك هو حداثة التجربة السياسية بالنسبة لهذه الاطراف فجميعهم يمارس السياسة لأول مرة سواء حزب النور السلفي أو حزب العدل او حتي حزب الحرية والعدالة, وهذه الحداثة قد ولدت نوعا من السخونة الانتخابية التي قد تنشأ عنها سلبيات يتم رصدها وربما يعطيها البعض أكبر من حجمها. ولو قارنا بين السلبيات بما كان يحدث في زمن الحزب الوطني من قتل وأعمال بلطجة لاعتبرنا أن هذه الانتخابات مرت في سلاسة ويسر وبشكل حضاري ولهذا لاينبغي التركيز علي هذه الاحداث والسلبيات فما وجدت هذه الاحزاب الاسلامية الا لتتنافس, وهذا التنافس قد ينشأ عنه بعض السلبيات, ولكن في النهاية المحصلة تكون إيجابية. هل تتوقع صداما في المجلس المقبل بين الإسلاميين والليبراليين؟ أنا أنظر إليها من زاوية أخري, وهي أن الآراء والتوجهات المتعددة لا تمثل صداما بقدر ما تمثل إثراء للحياة البرلمانية, ونأمل أن يعمل من دخل البرلمان بروح وطنية صادقة لمصلحة البلاد. لماذا لم نر ائتلافا بين هذه القوي والأحزاب الإسلامية؟ إن كل كيان من هذه الكيانات الإسلامية في حد ذاته يعتبر كيانا قويا, والتعددية فيها من الفوائد ما يجعل الأحزاب تسعي للتجويد, ولا نريد أن ننتهي إلي تجربة الحزب الواحد التي كانت موجودة من قبل, فوجود الأحزاب الإسلامية المتعددة ظاهرة صحية, وليس فيها ما يوجب الاتحاد, لكن قد يحتاج الأمر لبعض التنسيق بين هذه الأطراف. وبرغم وجود ائتلافات كثيرة لم يحصد أي منها في المرحلة الأولي نسبة أكبر من التي حصدها الإخوان والسلفيين كل منهما علي حدة. أغلب التيارات الإسلامية كانت ضد الخروج علي الحاكم, وكانت عازفة عن المشاركة السياسية, وفوجئنا بعد الثورة بانقلاب الحال وظهور الصراع علي السلطة؟ أغلب التيارات الإسلامية لم تعتبر الثورة هي خروج علي الحاكم, وقد أصدرنا من خلال الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح أربعة بيانات قبل سقوط الرئيس المخلوع أوضحنا فيها أن ما يجري علي أرض مصر من مطالبة بالحقوق لا يعد مخالفة شرعية ولا خروجا علي الحاكم, وكان لهذه البيانات أثر كبير في حشد الناس. أما العزوف عن المشاركة السياسية فكان بسبب عدم جدوي هذه المشاركة, ووقوع المشارك فيها في مفاسد أكبر من المصالح. بحكم اشتغالك بالدعوة الإسلامية, هل يمكن أن يحدث توازن بين العمل الدعوي والعمل السياسي, وهل تؤمن بفصل الدين عن السياسة؟ ما من شك أن رعاية التخصصات أمر مطلوب, لكن لا يصلح أن ينعزل أهل الإسلام عن مجريات الأمور وعن صناعة الأحداث, وأن يبقي الدعاة في زاوية من زوايا المسجد بعيدين عن الحياة. وإذا كان عدد الكفاءات في مجال الدعوة قليلا فإن عدد الكفاءات في الممارسة السياسية أقل من القليل, ولهذا نحتاج للتوازن بين الدعوة والسياسة. كما أنبه لخطأ القول بأن السياسة تنفصل عن الدين والدعوة, فالخلفاء الراشدون كأبي بكر الصديق وعمر كانوا يؤمون الناس ويخطبون الجمعة, وكانوا أيضا يعقدون المؤتمرات السياسية الكبري, ويستشيرون الناس, ويقودون الجيوش في ساحات الجهاد, فكانوا أئمة للصلاة, وفي الوقت نفسه كانوا يديرون شئون البلاد, فالسياسة لا تنفصل عن الحياة والدين. وكيف يطمئن الناس للتيارات الإسلامية, وهي تهددهم بفتاوي كهدم الآثار ومنع السياحة وبأفكار مقيدة للحريات؟ المشكلة في الخطاب الإعلامي الذي يحاول أن ينفر الناس من الإسلاميين, ويركز علي توجيه خطاب منفر للمرأة المصرية, خلاصته أن هؤلاء الإسلاميين سيعملون علي منع المرأة من حقوقها كلها, ويرجعون بها إلي عصر الحريم, ويوجه خطابا آخر للمسيحيين في مصر مفاده أن هؤلاء الإسلاميين سيفرضون عليكم الجزية, وينتقصون حقوقكم, وسيعملون علي التفرقة العنصرية بينكم وبين المسلمين ويلزمون المسيحيين في مصر بالشريعة الإسلامية, وسيقيمون عليكم الحدود فيقطعون الأيدي والأرجل, ويحيلون الحياة إلي الدمار, وبالتالي فإما أن تفكروا في إبعاد هؤلاء الإسلاميين, أو أن ترحلوا من مصر, فصار هذا الحشد والاحتقان, وهذه مصيدة خبيثة بثها الإعلام المغرض في الفترة الماضية, والذي يحاول استدراج الإسلاميين للخوض في هذه المسائل التي أري أن إثارتها الآن ليس مطلوبا وليس هو الهم الأكبر للإسلاميين. وماذا تقول في المخالفات الدينية التي وقع فيها بعض الإسلاميين مثل رشوة الناخبين وشراء الأصوات مقابل أموال أو مواد غذائية؟ توزيع المال والمواد الغذائية هو من المخالفات الانتخابية والشرعية, فلا يصلح أن تشتري أصوات الناخبين بهذه الطريقة الرخيصة التي كانت متفشية في عهود الظلم والفساد والاستبداد, ومثل هذه الممارسات ستؤول للانحسار, والممارسة الانتخابية الصحيحة سوف تفضي إلي تصحيح هذه الأخطاء مستقبلا, وهذه المخالفات سوف تسجل علي هذه التيارات سواء كانت إسلامية أو غيرها, لكني أقول أن المحصلة كانت إيجابية لكل من شارك في العملية الانتخابية. برغم إخفاقك في الانتخابات.. هل تري استفادة من هذه التجربة؟ الحقيقة لقد خرجت بأكثر من عشرين فائدة, منها أهمية العمل الجماعي فالانتخابات عمل جماعي تجتمع فيه أعمال سياسية واجتماعية وإدارية وإعلامية ومالية فهي صورة مصغرة لمشاركة عملية في إدارة العملية السياسية, أيضا وقفت علي أهمية الإعلام أنه سلاح ذو حدين, وقد رأيت النتيجة الباهرة للممارسة الإعلامية من خلال المناظرة التي جرت بيني وبين الدكتور مصطفي النجار, والتي ارتفعت بسببها أسهمي كثيرا فيما انخفضت أسهمه أمام جموع الناخبين في الدائرة. كما استفدت من التواصل الشعبي والالتحام بالجماهير, لذا أنوي استمرار حملتي التي أنشأتها لدعم ترشحي, ولكن للعمل العام والتطوعي الذي يهتم بالمناطق الفقيرة والعشوائيات, والتي اكتشفتها في أماكن في الدائرة لم أكن أعرفها. هل ستتعاون مع الدكتور مصطفي النجار بعد نجاحه لخدمة أهالي دائرتك؟ أنا أنوي التعاون مع الجميع, سواء الدكتور مصطفي النجار أو غيره من الأعضاء, فهناك ثلاثة أعضاء من حزب العدالة وواحد من حزب النور السلفي, وهناك المستقلون وآخر من حزب الوسط, وجميعهم نواب عن هذه الدائرة وسأتعاون معهم جميعا مستقلين أو منتمين للأحزاب لمصلحة هذا البلد. هل سينجح الإسلاميون في تغيير حياة المصريين إذا ما حصلوا علي أغلبية المجلس؟ تغيير حياة المصريين أمر لن يتأتي دفعة واحدة, فلابد فيه من التدرج, كما أن الخلل الذي تطرق لحياتنا ضخم وكبير وواسع, والمعالجة ستحتاج إلي سنين متتابعة, هذا إذا سارت الأمور بشكل طبيعي, أما إذا حدثت تعقيدات فإن التغيير سيكون بعيد المنال, لكن نأمل بمشاركة الجميع إسلاميين وغيرهم أن نصل بهذه البلاد لحالة من الاستقرار والهدوء.