أرجو ألا يكون القرار بتعيين هيئة استشارية للرئيس محمد مرسي تمثل المصريين في الخارج, مجرد قرار عابر أو طائش يحفظ لهذه الفئة في أدراج القرارات اللحظية التي تتجاوزها الأحداث وينساها الوطن في خضم المشاكل وتعقيدات الأزمات. كما أرجو أن يكون هناك تفكير أكثر من جدي وحاسم في اجراء عاجل يخص المصريين في الخارج أكبر من مجرد تعيين هيئة استشارية, لأكثر من سبب: أولها: أنه يثبت يوما بعد يوم أن موضوع المستشارين الرئاسيين أصبح جزءا كبيرا من مشكلة الرئيس مع منتقديه, ولايساهم في تخفيف الاحتقان بقدر مايساهم في تعميق الهوة في الخلاف السياسي الذي بدأ يلبس ثوبا طائفيا مخيفا في الأحداث الأخيرة. وبات علي الرئيس أن يعيد النظر كليا في الفريق وأسلوب عمله الذي يكاد يعزل الرئيس مرسي عن المؤسسات, ويبدو الفريق الاستشاري كمن يسبح بعيدا في فضاء منفرد لايستشعر معني المسئولية السياسية والفصل بين السلطات ودور المؤسسات, بل كأنه لايستشعر مشكلات الشارع الحقيقية وأزمات الحكومة الجسام ومواطن عجزها وقصورها.( مامعني أن تعمل الدكتورة باكينام الشرقاوي وتتصرف حتي ولو علي مستوي شكلي أو بروتوكولي, كأنها مسئول عن الشئون الخارجية, بمعزل عن المؤسسة الدبلوماسية أي وزارة الخارجية؟. وما معني أن يصدر السيد عصام الحداد, وهو بالمناسبة أيضا مستشار الشئون الخارجية, قراءة أمنية وقانونية في أسباب أحداث الكاتدرائية والخصوص, بدلا من أن يعلن في سطر واحد أن الرئيس ينتظر تحقيقات النيابة حتي يطمئن الي اعمال سيف القانون علي من تثبت ادانتهم في تفجير هذا الموقف الخطير)؟ وثانيها: أن الموقف الرسمي للدولة المصرية من المصريين في الخارج, يتمثل فقط في انتظار تحويلات العملة الصعبة التي تخدم الاحتياطي النقدي للاقتصاد, وتعوض النقص في موارد السياحة والاستثمارات الأجنبية. وللاسف الشديد أن الرئيس مرسي استخدم في حواراته مع الجاليات المصرية في البلدان التي زارها نفس المنهج, وكأنه فقط ينتظر منهم تغذية البنك المركزي بالدولار واليورو, والدرهم والريال.. وأذكر أن احدي حكومات الرئيس السابق حسني مبارك فرضت علي العاملين بالخارج ضريبة علي دخولهم في البلدان التي يعملون فيها, ورأيت كيف قرر عدد من المغتربين تأجيل زيارة مصر في تلك السنة حتي تفصل المحكمة الدستورية العليا في قرار انتهك قوانين منع الازدواج الضريبي وقوانين تحصيل الدولة ضرائب من المقيمين علي أراضيها. وكاد الأمر يتطور الي فضيحة قانونية للنظام بالخارج, لولا أن أصدرت المحكمة الدستورية العليا حكما ببطلان القرار الحكومي وألزمت الدولة برد المبالغ التي حصلتها بأسلوب أقرب الي الاتاوة علي المصري الزائر. وثالثها وهو الأهم: أنه لا سبيل لنهوض حقيقي وانتفاضة لمصر من عثراتها, لا أقول تخلفها, علي المستويات التنموية المختلفة من أمن وتعليم وصحة واقتصاد وادارة, والاستعانة بأفكار ابداعية وفق مناهج علمية من أجل نقل واع لتجارب الآخرين في البناء والتغيير والتطور في كل المجالات, الا باحتضان جاد للعقول المهاجرة والتعامل بجدية معها علي أنها استثمار أغني للوطن وأبقي بكثير من خطاب الالحاح علي تحويلاتهم وتبرعاتهم المالية العينية للاقتصاد. هذا توسل معيب ولايليق بخطاب دولة قامت فيها ثورة كانت مصدر فخر واعتزاز لكل المصريين بالخارج, وليس فقط لأحمد زويل وفاروق الباز ومجدي يعقوب, مع كل الإعزاز والاحترام لقدرهم وحبهم للوطن والرغبة في تقديم خبراتهم. فثمة صفوف ثانية وثالثة أبدعت في مجالات مختلفة بدول الغرب خصوصا,ان اعتبرنا الثلاثة الكبار وغيرهم من المشاهير صفا أول. علي الرئاسة والدولة في محنتها الراهنة, أن تتصرف مع هذا الملف بأسلوب مختلف, ومنهج علمي لتحقيق الاستفادة المثلي من العقول المهاجرة. وأتساءل: لماذا لا يكون ثمة مشروع قومي لمؤتمر سنوي جاد للعقول المهاجرة, تستضيفه مصر ويحل فيه مائة أو مائتان من المتخصصين في مجالات مختلفة, بعمل تشارك فيه السفارات والقنصليات مع الوزارات المختلفة, وتعرض في هذا المؤتمر دراسات وأبحاث من نتاج الدراسات والخبرات التي تقدمها تلك العقول في البلدان التي تعمل فيها, ويتم الخروج سنويا بتبني خمسة الي عشرة أفكار جديدة ومتطورة وقابلة للتطبيق, بقلوب مفتوحة وعقول واعية تفتح مجالات أوسع للشباب للاضطلاع بها. وأذكر أن أحد المثقفين ذكر لي أننا كدنا ننفذ الفكرة منذ ثلاثة عقود لولا أن وثب عليها بعض الانتهازيين بالداخل.! مازلنا بحاجة الي تطبيق ثورة حقيقية علي مفاهيم عششت عقودا تجاه العقول المهاجرة, بأنها خرجت بحثا عن المال والحياة الرغدة, وحق الوطن عليها فقط حفنة تحويلات نقدية, ناهيك عن محاربة مايعرف بحزب أعداء النجاح لكل من عاد مبادرا الي خدمة الوطن. المصريون في الخارج يتحرقون شوقا لنداء الوطن الي بنك الأفكار والابداع قبل بنك العملة الصعبة, ويكابدون في اللحظة الراهنة آلاما مضاعفة لمحنة البعد عن وطن في محنة, بسبب براكين الفتن التي تتفجر هنا وهناك في تزامنات مذهلة تستعصي علي الفهم, وتجعل اللبيب حيرانا لايدري من أين تأتي الفتنة المقبلة! جاءتني رسائل عبر الفيس بوك ومكالمات هاتفية من شرق وغرب لأصدقاء عرفتهم عبر سنوات الغربة وتبدلت بنا البلدان, بسؤال واحد ودعاء وحيد: ماذا يحدث في مصر؟ ننام الليل كمدا علي الوطن. ربنا معانا ومعاكم! لمزيد من مقالات خليل على فهمى