عندما نشرت مجلة النيوزويك الأمريكية الأسبوع الماضي قائمتها لأكثر النساء تأثيرا حول العالم, كانت الحياة بالنسبة للناشطة المصرية دينا فريد والمخرجة جيهان نوجيم تسير علي وتيرتها العادية, دينا تعتني بابنتها الصغيرة وتفكر في الوقفة الاحتجاجية المقبلة, وجيهان تحاول الانتهاء من فيلمها الأخير.. وبين يوم وليلة إنهالت الاتصالات الهاتفية عليهما, فقد أصبحتا من أكثر النساء تأثيرا في العالم. المجلة الأمريكية منحت لدينا المركز ال45 من أصل125 شخصية مؤثرة حول العالم, وذلك لدورها الرائد في مجال مواجهة ظاهرة التحرش بالشارع المصري, ولجيهان المركز ال88 بعدما نجحت من خلال فيلمها الوثائقي عن الثورة المصرية بعنوان الميدان في تقديم صورة مقربة من ميدان التحرير وردود الأفعال عقب تنحي الرئيس السابق.. جيهان لم تكن تعلم شيئا عن قائمة النيوزويك لولا اتصالات الأصدقاء, وبالنسبة لها كان ذلك مفاجأة سارة لأنه يعني أن فكرتها وصلت وأن ما أرادت أن تقوله من خلال الفيلم وصل.. دينا حملت كاميرتها وعاشت في ميدان التحرير لأسابيع طويلة ترصد كل دقيقة في الميدان من اللحظة الأولي للثورة حتي النهاية, الفيلم حمل إسم الميدان, وكان وصفا دقيقا لما حدث خلال الأيام الأولي للثورة بكل الحب والعنف والأمل واليأس, مشاعر متبانية متفاوتة حتي اللحظات الأخيرة. تعرضت أكثر من مرة للاعتداء والاعتقال وتكسير الكاميرات لكنها صممت حتي وصلت إلي ما تريد. الميدان لم يكن العمل الأول لجيهان التي تعيش حاليا في الولاياتالمتحدة, فقد قدمت من قبل عدة أفلام وثائقية عن المرأة المصرية وعن العشوائيات وفيلم وثائقي نال شهرة كبيرة بعنوان غرفة التحكم وكان يدور في كواليس قناة الجزيرة الفضائية. بالنسبة لدينا.. قد لا يعني اللقب شيئا في حد ذاته لكنه جاء في وقته ومكانه بعدما اقتربت من حافة الاكتئاب واليأس, فلا شئ يؤثر في ثقافة التحرش في مصر. دينا درست علم النفس في كندا والإعلام في مصر, قبل25 يناير لم تكن تهتم بالسياسة ولا يشغلها شئ سوي ابنتها الصغيرة وبيتها, حتي جاءت تلك اللحظة المشهودة عندما تعرت ست البنات أمام الكاميرات.. عندها صرخت دينا بنات مصر خط أحمر, انضم إليها كثيرون. كان من الممكن أن تتحول المبادرة إلي مجرد صرخة تضيع في الفضاء الالكتروني لولا أن حماسها حولها إلي مبادرة علي الأرض, تنظم الوقفات الاحتجاجية ترفع السكاكين في وجه المتحرشين, تنزل إلي الجامعات والميادين وفوق الكباري وعلي الكورنيش, تتحدث مع المتحرشين, تحاول مساعدة الفتيات تشرح لهن حقوقهن القانونية والإنسانية. ربما كان الدافع الأول هو التحرش لكن المبادرة هي جزء من كفاح المرأة المصرية ووقوفها ضد الهجمة الكاسحة للنيل من حقوقها وضد التحرش الممنهج, تحرش سياسي- كما تصفه دينا- لإقصاء المرأة, إنه هو السلاح الذي يحاربوننا به. تسعة أشهر هي عمر بنات مصر خط أحمر, قد لا يبدو زمنا طويلا لكنه كافيا بالنسبة لدينا وأعضاء مبادرتها لتكوين فكرة واضحة عما يحدث علي الأرض, التحرش في بلادنا لا يحتاج إلي قوانين رادعة هو ثقافة عامة, لا أحد يعرف ما هو التحرش رغم أن وسائل الإعلام تتحدث عنه ليل نهار, حتي البنات لا يفهمن معني التحرش!.. تقول دينا في أحد المرات وأمام جامعة القاهرة أنقذنا فتاة من حالة تحرش جماعي, ووقفنا نتحدث إلي الشباب المتحرش ففوجئنا بالفتاة تأتي ساخرة طب ينفع إحنا نتحرش بيهم؟ مرة ثانية علي كورنيش النيل فتاة أخري خلصناها من فرقة متحرشين فوجئنا بها تقف في نفس المكان.. تقول دينا كثير من البنات لايفرقن بين المعاكسة والتحرش. ويعتبرن أن المعاكسة حاجة كويسة في حين أن التحرش يبدأ من مد اليد, الناس تتسامح جدا مع المتحرش علي اعتبار أن الكلام محرمش والمعاكسة مش بتلزق, لا أحد يهتم بقضايا احترام الخصوصية, والبحلقة والنظرات القذرة بالنسبة لكثيرين عادي مادامت من بعيد لبعيد.. بالنسبة لبعض المتحرشين هي متعة بصرية مشروعة. المشكلة ليست في القانون كما تقول دينا.. المنظمات النسوية أضاعت السنين في الهباء لأنها تطالب بقوانين فقط لم يفكر أحد في النزول إلي الشارع وفهم نفسية المتحرشين..الناس تتعاطف مع المتحرش لماذا, تجيب دينا, لأنه بالفعل يستحق العطف, وتحكي: في أحد المرات تعرضت لتحرش وكان معي زوجي وعدد من أعضاء المبادرة وبعد أن أمسكنا بالصبي الذي لم يكن عمره يزيد عن14 عاما ورغم أنني أدعو البنات للإبلاغ إلا أنه صعب عليا هو طفل صغير لو أبلغت عنه سيضيع مستقبله.. كان معي الشهود وكانت قضيتي مضمونة لكن أنا لا أضمن ماسيحل بالصبي بعدها لا يمكن أن أتخيل ما قد يحدث له في قسم البوليس.. لو أني أضمن أنه سيدخل دار تأهيل جيدة لكنت أبلغت عنه بكل راحة لكني خشيت أن يضيع مستقبلة ويتحول من متحرش إلي مجرم, وتلك هي المشكلة كما تقول دينا الناس تعلم أن الإبلاغ عن المتحرش سيضيع مستقبله إذن لماذا لا تكون لدينا دور رعاية وإعادة تأهيل وعقوبة إصلاحية وليست انتقامية؟.. لماذا لا نستبدل القوانين والحبس بغرامات فورية تدفع في حينه بالتأكيد سيختلف الأمر.. خاصة وأن القانون الحالي يلزم الفتاة بأن تصطحب معها اثنين من الشهود وهو ما لا يتيسر للفتيات فالناس لا ترغب أبدا في الذهاب إلي قسم الشرطة, لا أحد يريد أن يخوض غمار هذه التجربة.. القانون لابد أن يسهل عملية الإبلاغ ويساعد الفتاة في حفظ حقها.. أغلب البنات تخاف من المرمطة وتفضل أن تترك المتحرش لحالة. بنات مصر خط احمر تتبع عدة محاور في العمل أولا النزول للشارع والتعامل المباشر مع المتحرشين والتحاور معهم وثانيا التوعية من خلال الاعلام والندوات. وثالثا البحث عن تشريع جديد أو إجراءات قانونية تناسب ثقافة المصريين.. ما أسهل أن نضع القوانين ونفرض العقوبات وما أصعب أن نطبقها. وبرغم الشهور التسعة التي قضتها دينا وسط المتحرشين إلا أنها إلي اليوم لا تفهم ما هو التحرش الجماعي وكيف يحدث ولا تقتنع بفكرة العقل الجمعي وسطوة الحشد, مازالت غير مقتنعة وتعتقد أن الأمر بحاجة إلي مزيد من البحث.