في ذكري وفاة عملاق الفكر العربي عباس محمود العقاد, التي مرت منذ أيام, نقرأ هجوما ظالما لأحدهم يتهم فيه العقاد أكبر كاتب إسلامي بالتكفير!! ولصاحب هذا الهجوم غير المبرر أقول: إن العقاد من رواد الثقافة العربية القلائل كان مظلوما في حياته, كما هو مظلوم في مماته, وهو علي الدوام مستهدف بمثل هذا الهجوم غير المبرر, والاتهام الظالم, علي الرغم من أنه ككاتب ومفكر استطاع بدم القلب, ووهج الفكر, وصلابة الفولاذ أن يستوعب الكثير من الثقافات.. قديمها وحديثها, ومنها كتابات بعض المفكرين الأجانب, ومنها علي وجه التخصيص التأريخ لعظماء الإسلام, وما أثير حول هذه الكتابات من مناقشات ومساجلات, وأن يتخذ منها موقفا انتقاديا حيث رفض أكثرها, واتفق مع أقلها, وكان صادقا حين قال: لم أتأثر بأحد لأنني أردت أن أكون أنا نفسي, وقد تحقق ذلك القول بصورة إيجابية مثمرة فيما كتب من إسلاميات تفرعت إلي ثلاثة جوانب هي: العبقريات.. والشخصيات.. والدراسات والأبحاث. أقول لصاحب هذا الاتهام الظالم, الذي لا يحسن الإشارة إليه بأكثر من هذا القدر, حتي لا نحقق له شهرة يبتغيها علي حساب العقاد, أذكر رأيين لقطبين من أقطاب التفكير الإسلامي المستنير هما: الشيخ أحمد حسن الباقوري, والشيخ محمد الغزالي, حيث يقول الأستاذ الباقوري: الأستاذ العقاد مجاهد صادق, بعيد النظر, غيور علي الإسلام غيرة عاقلة, وهو بتخرجه علي ثقافة الأزهر وإن لم يكن أزهريا بتخرجه في الأزهر فقد كان بهذه الثقافة العربية الإسلامية الأصيلة إلي جانب ثقافته الأجنبية, خير لسان للعروبة والإسلام, بما كتب من مؤلفات, وأذاع من أحاديث تدفع عن العروبة أوهام المطلبين, وعن الإسلام شبهة المغرضين, وقد صدر عن مدرسته فضلاء كثيرون سوف تبرزهم الأيام لتنتفع بهم أمتنا العربية, والأمة الإسلامية أفضل الانتفاع. ويقول الأستاذ الغزالي: الأستاذ العقاد خير من كتب عن العقيدة والدين بوعي وإيمان, وإنه من بين أفراد جيله صاحب أكبر عدد من المؤلفات الإسلامية الجادة التي تزيد علي الثلاثين كتابا, قدمت حقائق الإسلام, وأدحضت أباطيل خصومه. هاتان شهادتان لهذين القطبين الكبيرين لا أظن أن بعدهما رأيا آخر يقول أو يشكك في عقيدة العقاد بعد كتابته وأعماله التي تدافع عن الإسلام والمسلمين وفق ثلاثة مناهج, فهو حين يكتب عن العبقريات يختلف حين يكتب عن الشخصيات, غيره حين يكتب الدراسات والأبحاث, إلا أن ما يربط بين هذه المناهج الثلاثة في جديلة محكمة البناء كونه أديبا مؤرخا, أدبه هو بعينه أدب الفكرة الواعية, وإذا ما حاولنا تأمل هذه المناهج الثلاثة نجد منهجه في كتابة العبقريات يهتم بالبحث عن مفتاح للشخصية به يستطيع فتح مغاليقها ومكوناتها وسماتها وجوانبها ليعرف مدي عظمتها وحدودها, وما يصدر عنها من أفعال وأعمال ومواقف, وقيمتها بالنسبة للإنسانية عامة, وبهذا المنهج كتب عن عبقريات محمد صلي الله عليه وسلم, ثم أبو بكر, وعمر, وعلي, وخالد بن الوليد رضي الله عنهم, أما منهجه في الكتابة عن الشخصيات الإسلامية فنراه يقول: إن سيرة هذه الشخصية أو غيرها لا تبرز لنا عبقرية مثل عبقريات النبي أو أبو بكر أو عمر, ولكن تبرز من هذه الشخصية جوانب الأريحية العربية الإسلامية صفحات لا تطوي, ولا يستطيع العقل الرشيد أن يرجع بها إلي باعث غير باعث العقيدة والإيمان, وبهذا المنهج الذي حدده العقاد في كتابته للشخصيات, كتب عن فاطمة الزهراء, والصديقة بنت الصديق, والحسين بن علي, وذي النورين عثمان بن عفان, ومعاوية بين أبي سفيان, وعمرو بن العاص, وبلال بن رباح وغيرهم, ويبقي منهجه في كتابة الدراسات والأبحاث, حيث قدم الإسلام كنظام متكامل الخطوط والسمات كنظام تطوير وعلاقته بالأنظمة الأخري في مختلف الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعقائدية بحيث يغلب عليها أمران, أولهما الدفاع عن الإسلام ضد أباطيل خصومه ومنتقديه, وثانيهما تقديم الصورة الحقيقية للإسلام, وبهذا المنهج كتب مؤلفات منها: حقائق الإسلام وأباطيل خصومه, والتفكير فريضة إسلامية, والديمقراطية في الإسلام, والفلسفة القرآنية, والإنسان في القرآن, والمرأة في القرآن, والإسلام في القرن العشرين.. وغيرها. وبهذه المناهج كتب العقاد أكثر من ثلاثين كتابا عن الإسلام, كانت خير معين لمن يريد معرفة حقائق هذا الدين, كما كانت أيضا خير دفاع عن الإسلام ضد منتقديه من المفكرين الأجانب.