شتان الفارق بين الليلة والبارحة.. بين تلك اللحظات التى نزل فيها الجيش منحازاً إلى شعبه وثورته ليقف معهم وإلى جانب إرادتهم.. يحتمون به ويتعلقون بدباباته.. ويلتقطون الصور التذكارية مع جنوده وضباطه حتى تصبح معهم فى ألبوم ذكرياتهم ودليلهم على مشاركتهم معه تلك اللحظات التاريخية. وفى مارس خرجت أغلبية هذا الشعب لتقول "نعم" فى استفتاء التعديلات الدستورية الذى لم يكن مجرد استفتاءاً على التعديلات بقدر ما كان تأييداً ودعماً لشرعية المجلس العسكرى لقيادة البلاد فى فترتها الانتقالية وموافقة منها على خارطة الطريق التى طرحها المجلس لهذه الفترة ثقة فيه بأنه الأجدر من غيره على إدارة تلك المرحلة رغم اختلاف قطاع آخر مع هذه الخارطة. وبعد أن منحت الأغلبية المجلس تلك الشرعية فى إدارة أمور البلاد.. ثقةً فى وطنيته وقدرته ونزاهته ذهبت تلك الأغلبية إلى عملها وتركت الميادين وكلها أمل فى بدء عهد جديد انتظرت الأغلبية من المجلس أن يكفل لها فترة إنتقالية هادئة تمر بسلام وبإدارة ناجحة تتيح لمصر الوقوف على بداية طريقها الصحيح للنهوض من كبوة الماضى البغيض وتجاوز موبقاته. لقد ذهبت الأغلبية إلى بيوتها ومنحت المجلس العسكرى "شيكاً على بياض" ثقة فيه وفى وطنية الجيش الذى يمثله رغم تحسبات الثائرين طوال وقتهم.. ورغم دعوات أصحاب المصالح السياسية التى سعت كثيرا لزعزعة الثقة المتبادلة بين الأغلبية والمجلس.. ولكن تلك الأغلبية لم تسمع إليهم ولا لإعلامهم وبقت على إصرارها بالنظر إليهم بعين الشك والثقة المفرطة فى مجلس الجيش. وانتظرت الأغلبية ثمار تلك الثقة.. بقت شهورا ً على أملها فى أن تجنى ثمارها. ولكن ماجرى طوال هذه الشهور جاء للأسف بعيداً عن سقف "الأمانى" البسيطة التى كان يمكنها أن ترتضى بها مؤقتاً بعودة الأمن واستمرار الحصول على قوت اليوم فهذه الأغلبية وفئات عريضة من الشعب عانت من أعمال البلطجة التى غزت طرقنا وشوارعنا وأحياءنا دون رادع ليصبح أمن كل فرد فى مهب الريح. لم تشهد الأغلبية أثراً لبدايات عدالة اجتماعية قادمة أو حتى تظهر فى الأفق فالاقتصاد يتهاوى, والأسعار تتصاعد, والرقابة غائبة, والبطالة تتسع والتظاهرات لا تتوقف ولا أحد يستطيع استيعابها بحلول سياسية أو بتقديم رؤية واضحة للمستقبل القريب والبعيد لحال وأحوال الناس. والأغلبية لم تفلح أيضاً طوال هذه الشهور فى فهم إستمرار هذه الاضطرابات وتلك الحرائق التى امتدت من البالون إلى ماسبيرو منها إلى محمد محمود ومجلس الوزراء وغيرها من الأحداث التى وصلت بنا الى حرق المجمع العلمى بقيمته التى لا يعوضها شئ .. نفس الأغلبية هى حائرة حتى الآن لا تصدق أن المجلس الذى منحته كل هذه الثقة وبكل إمكانات وأدوات الحكم التى يمتلكها لم يفلح فى مواجهة ما تلاقيه البلاد سواء بالعقل أو السياسة.. بالدهاء أو المعلومات.. بل أنها شهدته ينجرف الى الوقوع فى المحظور الذى يريد أن يتلقفه كارهيه وهو الظهور بمظهر "ساحل البنات" وطالق الرصاص على الثوار. واستمر اللجوء الى القالب الجاهز الدائم للرد على ما تشاهده البلاد بوجود مؤامرة خارجية وداخلية تحاك بمصر وأن هناك تمويلاً لتحقيقها.. الكل يعرف أن هذه حقيقة لكن دليلاً واحداً لم يخرج على تلك الأغلبية حتى "يبل ريقها" ويؤكد لهم أن شكوكهم حقيقة وأن كلام المجلس واقع وأن هناك عدواً لنا ان كنا نعرفه لابد أن نحدده حتى نقتص منه ونطهر أنفسنا من وجوده بيننا أو أمامنا. خلال تلك الشهور تحملت هذه الأغلبية الكثير فهى ترى إعلاماً يسكب البنزين فوق النار لكنها لا تستطيع أن تبعد عن حقائق ضرب الفتيات وسحلهم وتعريتهم.. بينما لم نفلح فى حفظ هيبة الدولة ولا مؤسساتها ومنشآتها أمام بلطجية وأبناء شوارع حرقوا الملايين من صفحات تاريخ مصر والعالم. وسط كل هذا أصبح الحديث عن مستقبلنا فى الاقتصاد أو التعليم أو الصحة أو البطالة, ضرباً من ضروب الخيال وسط فوضى وغياب لكل الرؤى..! لقد بقت تلك الأغلبية من الشعب الى الآن ورغم كل ما حدث من أخطاء على عهدها بجيشها وقيادته على أنه الأكثر وطنية والجدير بالثقة لكنها عندما تقف مكتوفة الأيدى وهى ترى مجلسه فى أوقات كثيرة خاسراً لقضيته بسوء الإدارة والمعالجة للأزمات أمام أطراف أخرى تريد سقوطه لأهدافها فإن اليأس والاحباط والألم يعتصر أرواح تلك الأغلبية التى أصبحت ممزقة الأركان بين من وثقت فيه بعقلها وقلبها – ولازالت - وبين ما تتشكك فيه لأن الأول لم ينصفها رغم الامكانات والمكانة التى منحتها له أما الثانى فهو الأعلى حُجة وصوتاً وقدرة على فرض إرادته - حتى الآن - يالها من خيبة فوق رؤوس أصحاب تلك الأغلبية..! المزيد من مقالات حسين الزناتى