مع بدء الجولة الثانية من الانتخابات البرلمانية المصرية, ذكرت مجلة فورين أفيرز الأمريكية في عددها الأخير أن أيا كان الفائز في السباق البرلماني, فإنه من المؤكد أنه يدفع في اتجاه تغيير السياسة الخارجية المصرية بشكل كامل مشيرة إلي أن القادة الجدد سيهدفون إلي خلع عباءة نظام مبارك تحقيقا لرغبة الناخبين. وفيما ركزت فورين أفيرز الأمريكية علي البعد الخارجي, تحدثت مجلة أتلانتك الأمريكية علي البعد الاقتصادي, حيث أكدت أن الأزمة الاقتصادية في مصر تعقد التحول السياسي, خاصة مع التدهور الذي يشهده المشهد الاقتصادي والارتباك المستمر علي الصعيد السياسي. فسياسيا, أكدت فورين أفيرز أن السياسة الخارجية المصرية ستتغير أيا كان الفائز في الانتخابات البرلمانية, مضيفة في تقريرها الذي جاء تحت عنوان السياسة الخارجية المصرية بعد الانتخابات أنه بالرغم من أن واشنطن تعتقد علي ما يبدو أن انتصار العلمانيين في الانتخابات سيكون في مصلحتها, فإن الحقيقة تشير إلي أن مصر الجديدة ستكون أقل توافقا مع المطالب الأمريكية, وأكثر قربا لإيران بغض النظر عن الحزب الذي سيفوز في الانتخابات. وأوضح جنيف عبده كاتب التقرير- وهو زميل في مؤسسة القرن الأمريكية للدراسات السياسية والأمنية ومؤلف كتاب لا إله إلا الله: مصر وانتصار الإسلام- أن خبراء ومرشحين من مختلف ألوان الطيف السياسي ممن أجريت معهم مقابلات مؤخرا وافقوا علي ضرورة أن يكون لمصر علاقات ودية أكثر مع إيران وحلفائها من أجل بناء تأثير في المنطقة.وأضاف الكاتب: لقد صب المصريين الثائرون في25 يناير غضبهم علي نظام الرئيس السابق حسني مبارك بسبب سياساته المحلية الفاشلة وما نتج عنها من فساد ومعدلات بطالة مرتفعة, ولكن الأمر لم يقتصر علي الصعيد المحلي فقط, حيث كان يشعر الكثير من المصريين بالغضب من سياساته الخارجية أيضا ومن إصراره علي الحفاظ علي علاقات جيدة مع الولاياتالمتحدة وإسرائيل, خاصة بعد أن كشف موقع ويكيليكس الشهير عن أن نظامه وافق علي الحرب التي شنتها اسرائيل ضد قطاع غزة عام2008. وأوضحت فورين أفيرز أن الخطوط الرئيسية لسياسة مصر الجديدة الخارجية لم تتضح ملامحها بعد, ولكن أحد خطوطها الرئيسية ستكون السعي للحفاظ علي روابط جيدة مع السعودية والولاياتالمتحدة دون أن يكون ذلك علي حساب النظام الإيراني, حيث نقلت عن مصطفي اللباد مدير مركز الدراسات الإقليمية والاستراتيجية في الشرق الأوسط قوله إنه لا يوجد سبب للعداوة بين مصر وإيران علي الرغم من الاختلافات الكبيرة بينهما. وخلص عبده في نهاية تقريره الموسع إلي أن جوهر التغيير الذي سيسعي قادة مصر الجدد أيا كانت هوياتهم السياسية لتحقيقه إرضاء للشعب هو إعادة مصر مرة أخري لمكانتها السابقة كمركز للعالم العربي, والتخلص من عباءة مبارك القديمة وفلوله, وذلك عن طريق مد يد الصداقة إلي من وصفهم مبارك بالأعداء, ووضع نظام سياسي جديد للشرق الأوسط. ومن السياسة إلي الاقتصاد, حيث أكدت مجلة أتلانتك الأمريكية في تقرير نشرته أمس تحت عنوان لماذا الاقتصاد المصري مهم؟ أن الاعتقاد الذي تبناه العديد من المحللين في حديثهم عن الشأن المصري حول أن عدم اليقين السياسي الذي تشهده مصر حاليا يؤثر سلبا في اقتصادها هو اعتقاد خاطئ, مشددة علي أن الأزمة لا تكون في عدم اليقين السياسي وإنما في ضعف العجلة الاقتصادية.وأوضحت المجلة في تقريرها الذي كتبه بن هيرمان الباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية والسياسية أن الأزمة الاقتصادية التي تواجهها مصر وما ينطوي عليها من تراجع الاحتياطي النقدي وظهور بوادر أزمة تلوح في الأفق تتعلق بالعملة من شأنها أن تعقد مرحلة التحول السياسي التي تعاني بالفعل من الهشاشة. وخلص الكاتب في نهاية تقريره إلي طرح مجموعة من الاسئلة قائلا: إنه في هذه الفترة الانتقالية, وبعد الأداء القوي للإخوان المسلمين في الانتخابات, لم يعد معروفا كيف ستحل القوي المتصارعة هذه القضايا؟العلمانيون مقابل الدينيين, والعسكر مقابل المدنيين, والمسلمون مقابل المسيحيين, والإخوان مقابل السلفيين, والفقراء والعاطلون مقابل النخب, وكبار السن مقابل الشباب. من جانب آخر, كشفت مجلة فورين بوليسي الامريكية عن وجه آخر من أوجه نفاق الغرب في التعامل مع الربيع العربي, حيث اكدت أن الادارة الامريكية تناقض نفسها عندما تصدر تصريحات تعبر فيها عن دعمها للثورات العربية في وقت لم تتخذ فيه اجراءات لوقف شركات التكنولوجيا من مساعدة الانظمة القمعية العربية كي تواصل قمعها للمتظاهرين, وعوضا عن ذلك التزمت بالصمت. وأكدت فورين بوليسي في تقرير جاء تحت عنوان اختراق الثورات أن مصر حصلت علي تكنولوجيا التجسس الامريكية من شركة ناروس الامريكية, وهي احدي الشركات التابعة لعملاق صناعة الطيران الأمريكية بوينج, فيما حصلت سوريا علي نفس هذه التكنولوجيا من شركة إن.أي.تي. أي.بي الموجودة في سيلكون فالي مركز الصناعات التكنولوجية الأمريكية. وقد نفت كلتا الشركتين وجود أي علاقات تجارية مع مصر وسوريا. وأوضحت المجلة الرصينة أن الشركات الغربية زودت سلطات الأمن في مصر وسوريا والبحرين واليمن ببرامج وانظمة معلومات استخدمتها أنظمة هذه الدول لمراقبة الرسائل الاليكترونية والصوتية علي الهواتف المحمولة, ففي البحرين مثلا تم تعذيب المتظاهرين الذين تم اعتقالهم, حيث واجههم المحققون بأدلة قامت علي التنصت علي هواتفهم, وفقا لما كتبته المجلة في عددها الأخير. كما حصل النظام السوري علي تكنولوجيا برنامج سمارت فيلتر لمراقبة المواد المنشورة علي الانترنت وتصفية المعلومات غير المرغوب فيها من شركة بلو كوت ومقرها في ولاية كاليفورنيا, كل هذا علي الرغم من القانون الذي يحظر الشركات الامريكية اجراء صفقات مع سوريا. وأضافت أن جميع هذه الصفقات حدثت علي الرغم من تعهد الادارة الامريكية بدعم حرية تدفق المعلومات علي الانترنت ورصدها120 مليون دولار لدعم جهود الجمعيات المدنية لمواجهة الحظر علي الانترنت, منوهة إلي أن معظم هذه المبالغ تذهب لمساعدة المنظمات كي تتجنب قيود الانظمة القمعية وتتحايل عليها, أي أنها في جزء منها تحاول التحايل علي أنظمة مصنعة في اوروبا وأمريكا!