جاءت النتائج فى المرحلة الأولى للانتخابات المصرية.. منطقية إلى حد كبير، حيث احتل الجناح السياسي للإخوان المسلمين تحت اسم "الحرية والعدالة" صدارة المشهد الانتخابى المصرى الآن يليه "حزب النور" الجناح السياسي للحركة السلفية فى مصر.. ثم يأتى بعد ذلك بالتساوى تقريبا كل القوى الوطنية المصرية ممثلة فى الكتلة المصرية بمقعد لحزب المصريين الأحرار ومقعد لحزب الوفد.. ومقعد لحزب العدل.. ومقعد لحزب التجمع وذهبت ثلاثة مقاعد للأحزاب الذى أسسها رجال الوطنى السابقون. وبعيدا عن اتفاقنا أو اختلافنا مع حزب الحرية العدالة التابع لجماعة الإخوان المسلمين.. نجد أن هذه الجماعة التى تأسست عام 1928.. عانت كثيرا منذ تأسيسها فى معترك السياسة المصرية.. رجالها دفعوا الكثير من أجل معارضة حقيقية حتى لو كانت بلا أنياب إلا أنها كانت بعبعا أو ماردا داخل الصندوق كشفت عنه هذه النتائج فى المرحلة الأولى للانتخابات المصرية. حتى لو لنا بعض التحفظات على المناورات السياسية التى كانت تقوم بها الجماعة من تحالفات مع الوطنى أحيانا يقابلها تحالفات مع أحزاب أخرى فى ذلك الزمان.. وعدم ظهور على المسرح حين كنا نحتاجهم وعدم المشاركة فى الاعتراض على سياسات الدولة فى مواقف أخرى.. إلا أنهم يبقون فى النهاية أكبر المعارضين. كانت جماعة الإخوان المسلمين أكثر من دفع فاتورة معارضته للأنظمة السابقة بداية من اغتيالات واعتقالات والتضييق على أبرز رموزه فى مجال السياسة وحتى بمجالات الحياة الخاصة كالمشروعات التجارية وما إلى ذلك. ولم تكن الجماعة فى المجمل جماعة هامشية أو منظرا لتحسين شكل ديكور المسرح السياسي المصرى وكانت تقدم خدماتها على الأرض للمواطنين منذ انطلاقها.. لذلك فقد استحقت أن تتصدر واجهة المشهد السياسي المصري الآن فى الجولة الأولى للانتخابات. وإذا انتقلنا إلى حزب النور المنبثق عن الجماعات السلفية بمصر وحصوله على النسبة الأكبر والأهم بعد حزب الحرية والعدالة.. ففى اعتقادى أن حزب النور قد اكتسب هذه النسبة نتيجة أمرين: أولهما أن الحزب مدعوم من مشايخ سلفية يحبها ويقدرها ويحترمها الكثير من المصريين.. هؤلاء المشايخ السلفيون كانوا يدعون المواطنين باستمرار إلى أن التغيير لن يكون إلا عندما نتغير نحن أنفسنا.. وفقا للقاعدة الفقهية "لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".. هذه القاعدة غيرت كثيرًا من فكر المهندسين والدكاترة والفلاحين والعمال فى معظم أرض المحروسة.. جعلتهم أكثر فعالية فى المجتمع المصرى.. وقدمت خدمات على الأرض للمواطنين البسطاء.. كزواج القاصرات وغير القادرات ورعاية الأيتام وما إلى ذلك.. لم يكن يقدمها وفى اعتقاده أنه سيأتى يوم من الأيام وتكون هذه الخدمات داعما رئيسيا لجناح سياسى له فى انتخابات حرة مصرية.. كانت سياسة التغيير فى النفس أولا.. وضع رائع على الأرض بعيدا عن تعقيدات سياسية كان مشايخ السلفية بعيدين كل البعد عنها.. ولم يكن فى مخيلتهم ولا مخيلة المصريين ما حدث. والأمر الثانى.. هو ضعف حزب الوفد.. فكان المفروض على حزب الوفد أن يكون هو التالى بعد جماعة الإخوان المسلمين ولكنهم تراجعوا فأعطوا الطريق للسلفيين ولحزبهم. ولأن حزب الوفد ليس هو الوفد القديم أضف إلى ذلك ما قام به رئيس الحزب السيد البدوى من إضافة فلول (أعضاء الوطنى السابقين) إلى قوائم الانتخابات الخاصة به على معظم دوائر المحافظات التى يترشح فيها لم يحقق النتائج المتماشية مع اسمه البراق.. خذ عندك مثلا عندي فى دائرة (الزقازيق منيا القمح مشتول السوق بلبيس العاشر من رمضان).. وضع الحزب مرشحًا يدعى مصطفى لطفى عبدالله نجح دورتين بمجلس الشعب عن الحزب الوطنى، إحداهما كان مرشحا مستقلا ثم انضم للوطنى فى مشهد أشبه بالفجور السياسي حيث كنا نذهب لننتخب المرشح المستقل وندعمه كيدا ونكاية فى مرشح الحزب الوطنى ثم ينضم هذا المرشح بكل سهولة للوطنى.. هذا المشهد تكرر باستمرار مع المرشحين المستقلين وفى أكثر من دائرة انتخابية فى سابقة تزيفية لا تحدث فى أى دولة بالعالم حتى فى الدول الديكتاتورية الكبرى.. ومنطقيا وعقليا لم يقدم أية خدمات للمواطنين فى الدورتين. هذه الخطيئة فى حق حزب الوفد جعلت الكثيرين يبتعدون عن حزب الوفد فى أى اختيار للقوائم فى المرحلة الأولى وستجعل غيرهم لا يختارون الحزب كقائمة فى المرحلتين الثانية والثالثة.. ولولا وجود نظام فردى لما نجح أى فرد منبثق عن حزب الوفد حتى لو كان ذا شعبية واسعة. كذلك لم يقدم حزب الوفد نفس التضحيات السياسية التى قدمتها جماعة الإخوان المسلمين.. ولم يقدم أية خدمات كما قدمها شيوخ السلفية.. وكان بالفعل حزبا كارتونيا رائعا.. ذا منظر هلامي براق كلما اقتربنا منه نجده ضعيفا على مستوى السياسة المصرية. أما تجربة الأحزاب الأخرى والوليدة كالمصريين الأحرار والعدل بقيادة مصطفى النجار والوسط بقيادة أبوالعلا ماضى فهي حتى الآن لم تحقق انتشارا على الأرض بالنسبة للمواطن العادى البسيط وأعتقد أنه مستقبلا لن تهتم إلا بالنخب المثقفة فى الدوائر المميزة والمناطق الراقية.. وأتمنى ألا تكون واجهة جميلة كارتونية فى عهد ما بعد الثورة.. أى يظل الحزب مشهورا فى شخص مؤسسة فقط ومقصورا عليه.. لكنها أحزاب مازالت وليدة ولا يمكن الحكم عليها الآن. وأخيرا: أفضل ما حدث فى الانتخابات هو إقصاء فلول الوطنى دون الحاجة إلى تفعيل قانو العزل السياسي. [email protected] المزيد من مقالات أحمد سعيد طنطاوى