تحل هذه الأيام الذكري ال43 لزيارة الرئيس الراحل أنور السادات التاريخية للقدس, وأذكر أنني سألت الكاتب الكبير أنيس منصور عن شعوره لحظة أن وطئت قدماه أرض مطار بن جوريون في تل أبيب ضمن الوفد المرافق للرئيس الراحل. من خلال ابتسامته المعهودة قال الحقيقة كانت مجموعة من المشاعر المتناقضة بين الرعب والذهول والفرحة والدهشة, وتعمد الاسرائيليون أن يفاجئوننا لحظة نزولنا من الطائرة بأنوار مبهرة جدا كأن ضوء الشمس مسلط علي ابصارنا حتي نفقد التوازن, ونبدو في حالة عدم اتزان أمام كاميرات تليفزيونات العالم... لكن السادات كان معلم فطن بذكائه الفطري إلي الفخ المنصوب له, فتجنب النظر في اتجاه الانوار وراح يداعب القادة الاسرائيليين جولدا مائير وموشي ديان ومناحم بيجين, وتحدث معهم بكبرياء المنتصر وشجاعة الفرسان. في منتصف ليلة وصولنا تل أبيب طلبني الرئيس السادات, وعندما ذهبت إليه في غرفته وجدته يجلس غارقا في التفكير... سألني ايه رأيك يا أنيس في اللي حصل النهاردة.. قلت.. أنا حتي الآن غير مصدق ما حدث وأننا الآن في تل أبيب.. أشعر أنني في فيلم سينما.. قال لي السادات... تفتكر هننجح؟ رديت بسرعة... لدي إحساس كبير أن المهمة سوف تكلل بالنجاح بدليل اهتمام العالم كله بهذه الزيارة التاريخية... قاطعني السادات قائلا.. لو كنت أخذت بالك ونحن في طريقنا من المطار إلي الفندق ورأيت هذه الجموع الغفيرة التي خرجت من بيوتها وتركت أعمالها واصطفت علي جانبي الطريق, وفوق أسطح المنازل, وفي الشرفات... هذا المشهد يؤكد لي أن الشعب الإسرائيلي يحلم بالسلام لذلك سوف أجري بعض التعديلات علي الخطاب الذي سألقيه غدا أمام الكنيسيت, وأركز علي الجانب الإنساني بدلا من الجانب السياسي, وأقول إنني جئت اليوم أمد يدي بالسلام حقنا للدماء, وحتي لا تترمل أي زوجة أو ييتم أي ابن, وبالفعل عندما ألقي السادات بهذه الكلمات في الكنيسيت اهتزت القاعة بالتصفيق, ولمحنا دموع الفرحة في عيون الإسرائيليين. كم كنت عظيما أيها القائد الزعيم الخالد. المزيد من مقالات هشام الشامي