مثلت ثورة25 يناير لحظة استثنائية في تاريخ الأحزاب والحركات السياسية المصرية ذات المرجعية الإسلامية, فبعد استبعاد وإقصاء من الحياة السياسية طال أغلب الأحزاب والتيارات الدينية من المشاركة السياسية خلال حكم الرئيس السابق حسني مبارك, وبعدما قضي الكثير من أعضاء هذه التيارات أغلب فترات عمرهم داخل السجون, أزالت ثورة25 يناير الحواجز التي فرضت أمام ممارسة هذه التيارات للعمل السياسي, بما أفضي إلي ظهور عدد كبير من الأحزاب والقوي السياسية ذات المرجعيات الدينية فيما يمكن أن نطلق عليه الموجة الثانية من الأحزاب الإسلامية في مصر. هذه الموجة ارتبطت علي نحو مباشر بما باتت تحظي به هذه الجماعات من حرية كاملة, سواء علي مستوي الحركة الميدانية أو علي مستوي القدرة علي السعي إلي تحقيق برنامجها السياسي, وذلك بعدما تحولت من حركات محظورة إلي تيارات سياسية مشروعة تمارس نشاطها بحرية وفاعلية وتستقبل وفودا رسمية وصلت إلي مستوي رؤساء الدول ووزراء الخارجية والسفراء. وقد سعت هذه الأحزاب لاستخدام كافة الوسائل المشروعة للترويج لنفسها من أجل تحقيق غايتها الأساسية وهي الوصول للحكم. ومن هذه الوسائل توظيف النموذج الذي يقدمه حزب العدالة والتنمية التركي, من خلال التشبه به علي مستوي اسم الحزب, حيث أعلن بعد الثورة عن تأسيس حزب العدالة والتنمية, وحزب البناء والتنمية, وحزب التغير والتنمية, وحزب الإصلاح والتنمية, وحزب السلام والتنمية, وحزب الفضيلة, وحزب العدالة والمساواة. كما تأسس حزب الحرية والعدالة الذي يمثل الذراع السياسية لحركة الإخوان المسلمين, وهو ما دفع رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان لمطالبة حركة الإخوان أثناء لقائه ببعض قادتها خلال زيارته الأخيرة لمصر بدفع حق الملكية الفكرية لتشاركهم مع حزبه نفس الاسم, لصالح مواطني الصومال. وفيما يتعلق بمستوي الخطاب السياسي لهذه الأحزاب فقد حاولت مختلف القوي السياسية الجديدة ذات المرجعية الدينية الترويج إلي أنها تتطلع لأن تكرر تجربة حزب العدالة والتنمية التركي في مصر, من خلال تحقيق نهضة شاملة في مختلف قطاعات الدولة, سواء علي المستوي السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي, وأوضحت كذلك أنها تسعي لتشكيل أحزابا تفتح أبوابها لمختلف التيارات السياسية. وعلي الرغم من أن قانون الأحزاب السياسية رقم12 لسنة2011, الذي أصدره المجلس الأعلي للقوات المسلحة المصرية في سبتمبر الماضي, يمنع ظهور الأحزاب علي أساس ديني, فإن بعض هذه الأحزاب لجأ إلي المحكمة الإدارية العليا بمقتضي المادة الثانية من الإعلان الدستوري والتي تشير إلي أن الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع, وذلك من أجل الحصول علي تصريح رسمي بتأسيس الحزب. وقد أدي ذلك علي سبيل المثال لا الحصر إلي ظهور حزب البناء والتنمية الذي يضم أغلب أعضاء حركة الجهاد والحركة الإسلامية المسئولتين عن الكثير من عمليات العنف التي حدثت في مصر خلال العقود الماضية, علي رأسها عملية اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات عام.1981 وعلي الرغم من أن هذه الأحزاب قد تحصل علي نسبة مرتفعة من مقاعد البرلمان لأنها أكثر التصاقا بالمواطنين وأكثر تنظيما وقدرة علي الحشد والتعبئة بفضل تركيزها علي الجوانب الخدمية, فإن هذه الأحزاب باتت تواجه من ناحية أخري مأزقا سياسيا حول مشروعية أهدافها, لاسيما بعدما اتضح حجم الاختلاف بينها وبين الحزب الحاكم في تركيا, وهو الأمر الذي كشفت عنه الحملة الإعلامية الضخمة علي رئيس الوزراء التركي حينما طالب بتطبيق العلمانية في مصر, حيث أظهر ذلك ضيق رؤيتها السياسية وضعف استيعابها لمفهوم العلمانية التي تقتضي أن تقف الدولة علي مسافة واحدة بين جميع الأديان كما قال أردوغان خلال لقائه مع الأحزاب والتيارات المصرية. إن هذا المأزق قد يدفع المواطنين إلي الاعتقاد أن هذه الأحزاب قد تجعل مصر أقرب إلي إيران وليس إلي تركيا, بما من شأنه أن يشكل فرصة مناسبة لصالح الأحزاب والتيارات الإسلامية الأكثر اعتدالا, وفي مقدمتها حزب الوسط الذي خرج من رحم حركة الإخوان المسلمين نفسها, باعتبار أنه كان يمثل الجناح الأكثر اعتدالا داخل جماعة الإخوان, ويري فيه الكثيرون أنه بات يمثل الحالة الأقرب لحزب العدالة والتنمية التركي. قد يكون ذلك السبب الرئيسي الذي دفع حزب الحرية والعدالة التابع لحركة الإخوان إلي التأكيد علي أهمية الحفاظ علي مدنية الدولة المصرية, وذلك بعد الانتقادات المكثفة التي وجهت للحزب من النخب الليبرالية, فضلا عن الضغوط الكبيرة التي مارسها تيار الشباب المعتدل داخل الحزب, والذي انفصل عدد كبير منه ليشكل حزب ليبرالي هو حزب التيار المصري. هذه العوامل قد تؤكد أن الأحزاب الإسلامية التي تنظر لنموذج حزب العدالة والتنمية التركي, باعتباره يمثل الإسلام السياسي, وتأخذ منه الشكل لا المضمون, باتت تواجه إشكاليات حقيقية تضاف إلي اختلاف أجندتها وعدم قدرتها علي التحالف لخوض الانتخابات بقائمة واحدة, وذلك في مواجهة قوي إسلامية أخري أكثر اعتدالا باتت تتكتل مع بعضها البعض من ناحية, ومع بعض الأحزاب الليبرالية من ناحية أخري, وذلك بعدما تنامي الإدراك لديها بأن الاقتداء بنموذج الحزب الحاكم في تركيا يقتضي تشكيل حزب محافظ ولكنه يحافظ علي نظام سياسي ديمقراطي ومدني في نفس الوقت.