قرر فأدمع كان هذا هو حال العالم النمساوي بول اهرنفست 34 سنة, استاذ الفيزياء النظرية بجامعة ليدن بهولندا وهو متجه إلي بروكسل عاصمة بلجيكا. لحضور مؤتمر سولفاي الخامس في الفترة من 24 إلي 29 اكتوبر عام 1927 مع نخبة من العلماء الذين كانوا مسئولين عن الثورة العلمية التي حدثت في الفيزياء المعاصرة ابتداء من عام 1900 وكانت الغاية من تجمعهم في ذلك المؤتمر البحث عن مغزي هذه الثورة التي تدور حول نظرية الكوانتم القائلة بأن للطاقة كوانتم اي للطاقة كمية, وقيل وقتها ان اهرنفست قرر فأدمع. والسؤال اذن: ماذا قرر؟ ولماذا ادمع؟ قرر أن يخبر صديقه اينشتين انه سينحاز إلي الآراء الغريبة للعالم الدنماركي نيلز بور, وادمع بسبب هذا الانحياز لان اينشتين لم يكن علي وفاق مع بور, ومع بداية المؤتمر ارسل اهرنفست ورقة إلي اينشتين مكتوبا فيها بخط غير منمق:لاتضحك فلدينا جلسة خاصة سيتطهر فيها اساتذة نظرية الكوانتم لانهم سيستمعون لمدة عشر ساعات يوميا عن الفيزياء الكلاسيكية, اي الفيزياء قبل ثورة الكوانتم, وارسل اينشتين بدوره ورقة إلي صديقه اهرنفست جاء فيها انا اضحك فقط بسبب سذاجة علماء الفيزياء الكلاسيكية, المهم معرفة من الذي سيضحك في النهاية. كان من بين المشاركين في ذلك المؤتمر سبعة عشر من الحائزين علي جائزة نوبل, ولهذا قيل عن هذا المؤتمر انه مؤتمر اجتماع العقول ولكن قيل عنه ايضا انه نهاية العصر الذهبي للفيزياء النووية, هو عصر ذهبي لانه عصر ملئ بابداعات تفوق ابداعات نيوتن وجاليليو في القرن السابع عشر, وهو نهاية العصر الذهي اثر انتهاء مؤتمر سولفاي الخامس في عام 1927 بسبب ماحدث من توتر في العلاقة العلمية بين نيلز بور واينشتين اذا قيل انه عندما عاد بور إلي بلده كوبنهاجن كان منكس الرأس لانه اخفق في اقناع اينشتين والسؤال اذن: اقناعة بماذا؟ اقناعة بان ثمة عالمين: عالم كبير وعالم دقيق الصغر, العالم الأول هو العالم الذي نعيش فيه والذي يخضع لمبدأ العلية الذي يعني ان لكل عله معلول, والمعلول في هذه الحالة حتمي الحدوث وليس احتمال الحدوث, اي ليس ثمة احتمال في ان يكون المعلول علي خلاف ما هو عليه, أما العالم دقيق الصغر فهو عالم الكوانتم, وهذا الكوانتم, في تحركه, لايخضع لمبدأ العلية, اذ انت لاتستطيع ان تتنبأ بموضعه الجديد, اي لاتستطيع ان تتنبأ بانه سيكون هنا أو هناك, ومن هنا قال العالم الفيزيائي الالماني فرنرهيزنبرج ان عالم الكوانتم انما يخضع لمبدأ غير مبدأ العلية وهو مبدأ اللاتعين اي انك لاتستطيع ان تحدد بالضبط الموضع الذي سيكون عنده الكوانتم عندما يتحرك أو بالادق عندما يقفز وقد تبني بور هذا المبدأ مع هيزنبرج ونخبة من العلماء واطلقوا عليه تأويل كوبنهاجن نسبة إلي المدينة التي كان يعيش فيها بور, ولم يقتنع اينشتين بهذا الذي يسمي تأويل كوبنهاجن وقال عبارته المشهورة ان الله لايلعب النرد اي ان الله لايلعب الطاولة التي تعتمد علي الحظ في رمي الزهر, ومعني هذه العبارة انه مع نفي مبدأ العلية ليس امامنا سوي الفوضي, ومن هنا قيل ان تأويل كوبنهاجن قد احدث زلزالا مدمرا, لانه اذا كانت الفوضي هي ثمرة هذا التأويل فنحن اذن امام زلزال مدمر للموروث والسؤال اذن: هل ثمة رد فعل ضد الزلزال المدمر للموروث؟ الجواب في المقال المقبل المزيد من مقالات مراد وهبة