بالرغم من المحاولات البائسة لأعداء الوطن بالداخل والخارج, الذين سلكوا دروبا شتي للوقيعة بين الشعب والجيش, تارة وبين الشعب والشرطة أخري, وبين الشعب والشعب ثالثة, ثم ما لبثوا أن تجرأوا علي الجيش وأخذوا يشككون في إخلاصه وإدارته للبلاد.. رغم كل تلك المحاولات لإلغاء الانتخابات أو تأجيلها علي أقل تقدير, إلا أن المجلس العسكري خيب آمال جميع المغرضين, وأبي أن يثبت للجميع زيف ادعاءاتهم واتهاماتهم الباطة..وقرر عقد الانتخابات في موعدها دون تأجيل أو تسويف. وإذا كان الأمل قد بدا يلوح في الأفق بعبور مصر مرحلة التحول الديمقراطي, فها هي انتخابات الشعب ثم الشوري ثم الرئاسة..فإننا بحاجة إلي أن يتحول هذا الأمل إلي واقع وحقيقة, لاسيما أن تحديات وعقبات شتي تنتظر تلك المرحلة, أولها أولئك المغرضون المتربصون من بقايا الفلول وأنصارهم, ثم البلطجية والخارجون علي القانون في ظل حالة الانفلات الأمني التي تشهدها البلاد, وتبقي ثالثا ثقافة الناخب نفسه التي دأبت عبر عقود طويلة علي أن صوته لا قيمة له, وأن الانتخابات تحصيل حاصل, والنتيجة تكون معدة سلفا من قبل النظام. لعبور هذه التحديات وتحقيق الديمقراطية في مصر دعا علماء الإسلام جميع المواطنين إلي المشاركة الإيجابية, وقالوا إن ذلك واجب وطني وشرعي لا ينبغي التخلف عنه, وهو بمثابة شهادة أمام الله تعالي يأثم من يكتمها, وحذروا من التهاون في ذلك الواجب, ووضعوا معايير واضحة للمرشح الذي ينبغي اختياره, وآلية عملية للحفاظ علي العملية الانتخابية من العبث بها, مؤكدين أن فشل الانتخابات ليس في مصلحة أي فصيل أو تيار بل ليس في مصلحة مصر كلها. فرض عين وليس كفاية في البداية يوضح الدكتور محمد أبو زيد الفقي العميد الأسبق لكلية الدراسات العربية والإسلامية بطنطا, وأحد المرشحين لرئاسة الجمهورية أن الانتخابات البرلمانية التي تمر بها مصر حاليا ليست مجرد دورة برلمانية عادية لتوصيل بعض المرشحين لمجلس الشعب أو مجلس الشوري, ولكننا بصدد الحفاظ علي دين والحفاظ علي وطن معا.لذا فهذه المرحلة من تاريخ مصر مرحلة دقيقة وخطيرة وسوف تأخذ قوتها من ذكاء المواطن المصري, ومن ثم فإنه يجب علي جميع المصريين الخروج للانتخابات دون تقاعس او تخاذل, مشيرا إلي أن الخروج للانتخابات فريضة الوقت الآن, والمسلم الذي يتخلف عنها دون عذر يأثم شرعا, لأنه يعتبر منكرا للشهادة كاتما لها, والله تعالي يقول ومن يكتم الشهادة فإنه آثم قلبه, هذا بالإضافة إلي أن من يتخلف عن الإدلاء بصوته يعطي الفرصة لضعاف النفوس لسرقة هذا الصوت ونسبته إلي مرشح آخر قد لا ينجح لو لم يحصل علي هذا الصوت. وشدد الفقي قائلا: الخروج للانتخابات فرض عين علي كل قادر وليس فرض كفاية..فيجب علي كل المواطنين أن يكونوا إيجابيين في هذا اليوم, كل يختار ما يستريح إليه ضميره, ويراه كفئا, سواء كان مسلما أو مسيحيا. وقال د. الفقي: يجب أن تكون الانتخابات تعبيرا صادقا عن رأي أغلبية الشعب المصري, وإذا كان العالم كله قد أشاد بالثورة المصرية, فلا ينبغي أن نضيع ما أنجزناه بانتخابات ملطخة بالدماء, وليست مصر بلد الأزهر الشريف والحضارة العريقة بأقل من تونس التي اجرت انتخاباتها دون قتيل او جريح واحد. دور الدعاة الدكتور حسني أبو حبيب مدير إدارة الإرشاد الديني بوزارة الأوقاف يوضح أنه يجب علي الدعاة وأئمة المساجد خلال فترة الانتخابات في خطب الجمعة ودروسهم اليومية ان يركزوا علي حث المواطنين علي الإيجابية وضرورة الخروج للانتخابات وآلية الاختيار الصحيحة حتي لا يبطل صوت الناخب, وتوعيتهم بأهمية الانتخابات وقيمة صوت الناخب الواحد وأن يبرز الداعية الصفات التي يجب توافرها في المرشح الذي ينبغي علي المسلم أن يختاره ليمثله في البرلمان بشكل عام دون التطرق أو الانحياز إلي حزب معين ولا إلي أسماء بعينها, وأن يبين في الوقت نفسه قيمة اختيار العضو المناسب وخطورة أن يتحدث باسمنا من ليس كفئا لهذه المهمة. وأشار إلي أنه علي الناخب ان يحدد من الآن من يعطيه صوته ومن يستحق هذا الصوت, لا ان يترك نفسه لأصحاب الدعاية والإعلانات البراقة يتجاذبونه علي أبواب اللجان. ويلفت د.حسني أبو حبيب إلي أن الانتخابات هذه المرة, تحظي بخصوصية معينة, حيث إنها ليست مجرد مرحلة نيابية عادية تمر بها مصر ولكنها مرحلة تأسيسية لبناء دولة من جديد, ومن ثم فإن الدستور سيكون منهجا إما للأمام وإما للخلف..كما أنه ينبغي أن يدرك كل مواطن أنه مشارك حقيقي في هذا البناء باختياره من يمثله في البرلمان أولا ثم في رئاسة الجمهورية.وإذا كان البعض يعزف عن المشاركة في الدورات السابقة استنادا إلي أن رأيه هو مجرد تحصيل حاصل وما يريده النظام سيكون رغم أنف الجميع, فإن ثورة25 يناير قضت علي هذا الأمر نهائيا, ولن يمثل الشعب إلا من يختاره أبناؤه طواعية دون إكراه أو تزييف لإرادتهم. وحذر الشيخ حسني الدعاة من أن يوجهوا الناس من خلال المسجد لمصلحة مرشح أو حزب معين حتي لو كان صالحا, لأن الداعية ينبغي أن يكون داعية للجميع كما قال ابن تيمية كن إمام عامة, أي أن يكون الإمام والداعية صوت الجميع, وليس موجها لخدمة شخص أو حزب علي حساب آخر, فقط يجب عليه توضيح قواعد عامة فيمن ينبغي انتخابه, وأخري فيمن لا يصلح للتمثيل علي المطلق دون تحديد أسماء أو أشخاص بعينهم, فلا يجوز استغلال المنابر في الدعاية لبعض المرشحين, ولا يجوز استغلالها كذلك للإساءة أو النيل من مرشحين آخرين حتي لو كانوا غير صالحين للتمثيل. كما دعا إلي تحذير الناس من الانسياق وراء المال أو القرابة أو المصلحة الشخصية في الاختيار, وأن يكون المحك والفيصل هو الكفاءة للدور الذي سيقوم به المرشح, وأن يذكر الناس دائما بأنه إذا ظهر الرجل الكفء وتم العزوف عنه لأي سبب من الأسباب فإن ذلك يعد خيانة لله وللرسول وللمؤمنين لقوله صلي الله عليه وسلم من ولي أمرءا علي عصابة( أي جماعة) وهو يعلم أن فيهم من هو أرضي لله منه( أي أكفأ منه) فقد خان الله ورسوله والمؤمنين.. هذا بالإضافة إلي أن ذلك يعد تضييعا للأمانة وإيذانا بقيام الساعة, لقوله صلي الله عليه وسلم إذا ضيعت الأمانة فانتظروا الساعة, قيل: وكيف إضاعتها يا رسول الله؟ قال صلي الله عليه وسلم: إذا وسد الأمر إلي غير أهله... 4 صفات للمرشح الكفء ولخص أبو حبيب الصفات المطلوبة فيمن يتولي امرا من أمور المسلمين والتي تدل علي كفاءة المرشح, في أربعة خصال, هي: الحفظ, العلم, القوة, الأمانة..وذلك لقوله تعالي علي لسان يوسف عليه السلاماجعلني علي خزائن الأرض إني حفيظ عليم, أي نختار الذي يحفظ الأمانة ويصونها كما أراد الله, وكذلك العليم بدوره وتخصصه والمهمة الملقاة علي عاتقه. أما عن القوة والأمانة, فقد عبر عنهما القرآن الكريم علي لسان ابنة الرجل الصالح شعيب يا ابت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين, لأن الحق يحتاج قوة تحميه, والقوة تحتاج إلي أمين يصونها ويوجهها التوجيه الصحيح. تكاتف الإعلام وطالب أبو حبيب الإعلام بالتكاتف للقيام بهذا الدور المهم مع الدعاة, لأن الإعلام قادر علي توجيه الناس, فيجب أن يكون أمينا فلا يخدع الناس في أي من المرشحين لقاء مصالح شخصية أو تصفية حسابات, بل ينبغي ان يلعب الإعلام دورا إيجابيا في دفع الناس للانتخاب, وإعطاء كل من المرشحين فرصته بشكل متكافئ, وبحيادية تامة لا تعرف التعصب والانحياز. إعلاء مصلحة الوطن المستشار الدكتور البيومي محمد البيومي نائب رئيس مجلس الدولة أستاذ السياسة الشرعية بالجامعات الإسلامية يطالب الناخبين والمرشحين والقضاة بالالتزام بقانون الانتخابات وإعلاء مصلحة الوطن فوق كل مصلحة, فلابد من إعلاء مصلحة مصر الوطنية والقومية, وتفويت الفرصة علي الحاقدين الطامعين في بلادنا بالداخل والخارج, وأن يرفع جميع المصريين مسلمين ومسيحيين شعار لا للتزوير..لا للخيانة.. لا للفوضي..لا للعصبية..لا للسلبية..لا للأنانية والعنصرية..لا لإفساد الانتخابات وإفشالها..لا لسرقة الثورة وتبديدهاب.. تجرد القضاة وناشد المستشار البيومي القضاة التجرد من كل هوي والالتزام التام بالنزاهة والحيادية والأمانة, وعدم السماح بضياع هذا الوطن أو تزييف إرادة شعبه الذي ضحي بأرواح أبنائه من اجل الوصول إلي تلك المرحلة من التحول الديمقراطي..وعلي الجميع أن يعلم أن مصر بعد الثورة تختلف كثيرا عما قبل الثورة, وما كنا نشكو منه ونعانيه في العهد السابق من تزوير وتزييف ينبغي ألا يكون له أي وجود بعد سقوط رموز ذلك العهد. لذلك فيجب علي مشرفي الانتخابات القيام بدورهم علي اكمل وجه, والإبلاغ فورا عن أي مخالفة للقانون أو أي محاولة لإفساد الانتخابات, كما يجب علي الدولة في الوقت نفسه أن تحسن تأمين القضاة تأمينا جيدا حتي يستطيعوا القيام بدورهم دون التعرض لأي أذي, هذا فضلا عن تأمين الدوائر الانتخابية تأمينا يتناسب مع أهمية وخطورة هذا الحدث والمتربصين به. العبث بالانتخابات يضر الجميع وحذر د. البيومي من محاولة إفساد الانتخابات وقال إن فشل الانتخابات ليس من مصلحة أي مصري مهما كان حزبه أو تياره, وليس في مصلحة مصر ذاتها, فمن مصلحتنا جميعا أن تمر الانتخابات البرلمانية بسلام, ونستعد للانتخابات الرئاسية. ودعا الدكتور مبروك عطية الأستاذ بجامعة الأزهر الناخب إلي ان يعطي صوته لمن يستحقه أمانة ووفاء بالعهد وقدرة علي القيام بمهمته والدور الذي يمثله تحت قبة البرلمان, أن يعطي الصوت لمن ينظر لتلك المهمة علي انها تكليف وليست تشريفا, بحيث لا يكون هذا المرشح فيما بعد ضد مصلحة ناخبيه, كأن يوافق علي قانون ضد مصلحة الشعب, أو أن ينام نوما عميقا أثناء مناقشة كبري الموضوعات, أو أن ينحصر دوره في التصفيق والموافقة العمياء لحشد اصوات الأغلبية وتحصيل المقابل المادي للجلسات. الكفاءة قبل التدين ويوضح د.مبروك عطية أنه رغم ان هذه الانتخابات تحظي بترشح عدد كبير ممن يسمون بالإسلاميين علي خلاف غيرها من الدورات, إلا أنه ليس شرطا ان يختار الناخب أيا من هؤلاء لمجرد انه إسلامي أو مسلم ملتزم ومتدين فقط, فهذا فهم خاطئ, لأن المعيار في تولي الناصب القيادية أو الإدارية والتنفيذية لا يحتكم فيه إلي الدين فحسب, بل العبرة في ذلك بالخبرة والكفاءة أولا, وليس بالتدين, أو الحزب أو الانتماء.. ورب متدين اقرب الناس إلي الله ليس خبيرا بما يقوم به من عمل, ومثل هذا يؤخر الأمة ولا يصلح, لذا فلا مانع من أن أعطي صوتي لغير متدين أو حتي لغير مسلم, مادامت تتوافر فيه الكفاءة والخبرة السياسية, فالإسلام لا يمنعني من أن أذهب لطبيب ماهر ولو كان يعبد الحجارة, والنبي صلي الله عليه وسلم أمر بالتداوي عند الحارث بن كلدة رغم أنه لم يكن مسلما, ولكنه كان خبيرا في الطب, كما اتخذ صلي الله عليه وسلم لهجرته عبد الله بن أريقط اليهودي لأنه كان خبيرا بالطرق. لذلك نجد القرآن الكريم عندما يتحدث عن هذا المعني يقول فاسأل به خبيرا ولم يقل مثلا- فاسأل به متدينا! كما ان من الاقوال المأثورة عن العرباعط القوس باريها أي الماهر بها الذي يجيد الرمي. ويضيف: ومع ذلك فإنه إذا وجد المرشح الخبير الكفء وفي الوقت نفسه المتدين, فما أجمل الدين والدنيا إذا اجتمعا, وحينئذ يكون هذا المتدين الكفء أولي من ذي الكفاءة فقط, لأنه إذا كان متدينا تدينا حقيقيا فإنه سيقدر معني المسئولية ويتقي الله فيمن ائتمنوه علي أنفسهم وجعلوه يتحدث باسمهم, كما ان المسلم الملتزم الذي يفهم دينه جيدا سوف يحافظ علي إخوانه المسلمين ويرعي حقوق الأقلية غير المسلمة التي تشاركه نفس الوطن. لجان شعبية وأضاف د.مبروك عطية أن أمن البلاد أهم من الانتخابات ومن البرلمان ومن الناخب نفسه, ونحن أصحاب مآس في الانتخابات وبلادنا لا تتحمل أي فوضي أو بلطجة أو شغب, لذا فيجب علي العقلاء أن يفوتوا الفرصة علي التدخل بالنار والعار من قبل عصابات مأجورة غير مسئولة, تزهق الأرواح وتشوه الأبدان, وتزج بأطفال أبرياء لا ذنب لهم, فتختلط صناديق الاقتراع بدماء الناخبين والضحايا وتكون الخطوة الأولي في بناء الوطن هي هدم الوطن؟! وقال إن تأمين الانتخابات ليس بعسير إن خلصت النوايا وتكاتفت الجهود, فالذين يحمون الانتخابات ويؤمنونها هم أنفسهم الذين أنقذ الله بهم مصر من ضياع محقق في بداية ثورة25 يناير.. أولئك الذين واصلوا الليل بالنهار وقوفا بالشارع للتصدي للبلطجية واللصوص والخارجين علي القانون.. وهذا دور اللجان الشعبية التي يشارك فيها جميع المواطنين خلال فترة الانتخابات وأن تستعيد ذلك الدور البطولي الذي لعبته في يناير الماضي حتي تمر الانتخابات في بلادنا بأمن وسلام, وذلك استجابة لقوله تعالي وتعاونوا علي البر والتقوي, وقول النبي صلي الله عليه وسلم كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته, فالرعاية في الدين عامة وليست مقصورة علي أمر معين دون آخر. كما أن الشر مهما عظم فإنه إذا وجد كثرة كان كالذئب, والذئب كما هو معروف يخاف من طفلين اثنين لمجرد أنهما اثنان, ولا يخاف من رجل فتي واحد مهما كان شجاعا, فلو هب الجميع علي نية صحيحة فسيندحر البلطجية والخونة والمغرضون, ولن تكون هناك مأساة كما هو متوقع في الانتخابات. لذلك فلا ينبغي ان نوكل أمر التأمين للجيش والشرطة وحدهم ونحن نعلم ما عليهم من أعباء ثقال. ومن ثم فإن اللجان الشعبية تعد صمام الأمان لمنع الفوضي والشغب والتزوير, شريطة ان يكون ذلك بالتنسيق مع الجيش والشرطة حتي لا يستغل ذلك في احداث سلبية أخري.