يلفت النظر في كتاب محاكمة العولمة وضوح الإشارة المبكرة إلي جملة الأخطاء الكبيرة التي ستترتب علي سياسات العولمة كإفرازات تحمل تهديدا مباشرا لاستقلال الدول والانتقاص من سيادتها ويتمثل هذا التهديد خاصة في تنامي النزعة الاستعمارية الجديدة ممثلة بصندوق النقد الدولي وبالبنك الدولي وبمنظمة التجارة العالمية.. فهذه المؤسسات الثلاث تفرض علي البلدان الفقيرة بالذات قواعد للسلوك وترغمها علي اتخاذ بعض الإجراءات تبعا لحسابات تصب بمصلحة المؤسسات نفسها أو بمصلحة القوي الكبري الأكثر هيمنة عليها وبعيدا عن إعطاء أي قيمة حقيقية للعقبات التي تعترض طريق التطور في البلدان الناشئة وما يفرضه ذلك من مستلزمات ينبغي عدم إهمالها في أي مشروع تنموي. وفي سياق الحديث عن محركات العولمة في صياغتها الراهنة وتماشيها مع واقع العودة إلي ممارسات قديمة تعود إلي الحقبة الاستعمارية الأولي يتحدث إدوارد جولد سميث عما سماه بالشباب الثاني للوكالات الأجنبية التجارية أي عن الفترة التي أقامت فيها القوي البحرية الأوروبية الأولي منذ القرن السادس عشر مراكز تجارية علي الشواطيء التي وصلتها أساطيلها وذلك بغرض تجميع العبيد لنقلهم إلي القارة الأمريكية العالم الجديد وبيعهم لأصحاب المزارع الأمريكيين. ومن الظواهر الأخري التي ترتبت علي العولمة ذلك الاتجاه المخطط له من أجل تسخير التكنولوجيا لخدمة العولمة واقتصاد السوق وهناك أيضا هيمنة الشركات متعددة الجنسيات بحيث أنها أصبحت بمثابة صاحبة القرار الاقتصادي وبالتالي أصبحت إلي حد كبير هي صاحبة السيادة علي المستوي العالمي اليوم. وفي إطار البحث عن آثار العولمة فإن مساهمات هذا الكتاب تؤكد مسألة أساسية هي زيادة التفاوت بين الدول الغنية والدول الفقيرة في ظل حرية تبادل تلعب في واقع الأمر دورا تخريبيا وهناك عدة مؤشرات علي الخلل الكبير القائم حاليا من بينها الدور الاستغلالي الذي تلعبه المناطق الحرة في الاقتصاد العالمي وتوحيد نمطية الثقافة الكونية فضلا عن الدور الذي تلعبه منظمة التجارة العالمية التي استطاعت خلال خمس سنوات فقط من عمرها أن تصبح مركز قرار في عملية تنظيم التبادل التجاري والجمركي وتنظيم الزراعة في العالم الثالث وتنظيم وإدارة عمليات التحكيم في الخلافات التجارية بين الدول. وغدا نواصل القراءة خير الكلام: ليس هناك دواء لعلاج الغضب أفضل من الصمت! [email protected] المزيد من أعمدة مرسى عطا الله