'أنا متقاعد شاب.. شاب ربما, متقاعد أكيد'.. ليست هذه كلمات موظف في إحدي الشركات أو مدير أو حتي وزير استطعم توجيه الأوامر والظهور في الأنشطة العامة,بل هو تصريح لرئيس دولة سابق بدأ يشعر بأنه في حاجة إلي عمل بعد أن فقد منصبه في الانتخابات الرئاسية الأخيرة لصالح منافسه الاشتراكي فرانسوا هولاند.. إنه نيكولا ساركوزي رئيس فرنسا السابق الذي قال في خطاب أمام مؤيديه بعد هزيمته الساحقة' لن تروني مجددا علي الساحة السياسية' ولم يكد يمرعام واحد حتي ضاق ذرعا بتحول الصحافة عنه وإبعاده عن دائرة اهتماماتها لتكتفي بخبر صغير عن ملاحقته قضائيا. ولأنه الرجل الذي يبحث عن مكان الضوء الساطع ولا يمكنه العيش بدونه, بدأ يلمح إلي إمكانية ترشحه للإنتخابات الفرنسية عام2017, خاصة بعد ظهور استطلاع للرأي أجرته مجلة' باري ماتش' والذي أكد أنه لو أن انتخابات الرئاسة الفرنسية كانت قد أجريت اليوم وليس العام الماضي, فإن ساركوزي كان سيحصل علي نسبة53% من اصوات الناخبين مقارنة بنسبة44% من الأصوات لفرانسوا هولاند, وتبعث هذه الأرقام علي الدهشة والذهول ولكن السؤال الذي يطرح نفسه علي الساحة الفرنسية الآن هو, هل من الممكن فعلا عودة ساركوزي؟ وهل يمكن لرجل وصلت شعبيته إلي أدني مستوي لها خلال فترة رئاسته أن ينال ثقة الناخب الفرنسي مرة أخري؟ تصريحات رشيدة داتي وزيرة العدل في عهد ساركوزي تجيب عن كل هذه التساؤلات, فقد قالت لصحيفة' الأوبزرفر' إن السياسية تجري في دم ساركوزي وأنه سيظل دائما راغبا في ممارستها, ولكن هزيمته في وقت كانت تحيطه فيه الفضائح, وفي وقت كان يعشق فيه المال ويشتري الساعات الثمينة ويتمتع بوسائل الترف في إجازاته وسط أزمة اقتصادية خانقة, يعني ببساطة انسدال الستار علي مستقبله السياسي للأبد, كما أن إبداء الرغبة في العودة من جديد' من أجل إنقاذ الأمة' ما هي إلا عبارة مستهلكة. ولكن ساركوزي(58 عاما) لا يفوت أي حديث صحفي دون أن يتحدث عن دافع الواجب الذي يحتم عليه العودة مجددا إلي الساحة السياسية, فهو يري في نفسه' مخلص فرنسا' الذي سينتشلها من أزمة البطالة والركود الإقتصادي التي تعاني منه بسبب فشل وإخفاقات الرئيس الاشتراكي الحالي فرانسوا هولاند والذي هبطت شعبيته ووصلت نسبة37%, الرئيس السابق أيضا استغل الانتقادات التي توجه لهولاند علي خلفية عملية مالي وتأثيرها علي فرنسا اقتصاديا وسياسيا وأمنيا وبدأ يراهن علي القلق الذي يسود فرنسا الآن من أن هولاند لم يرتق بعد للحدث, وأنه عديم الخبرة والقدرة علي قيادة فرنسا في تلك المرحلة, صحيح أن هولاند ليس الرئيس الفرنسي الأول الذي يواجه مثل هذا المعدل من البطالة, ولكن التعقيد يبدو في ركود النمو ومشكلات العجز المالي, الأمر الذي يجعل من مهمة الرئاسة أمرا ضخما وغاية في الصعوبة, ومن هنا يأتي ساركوزي, إذ أن الموقف يمكنه من القول إنه لو كان يدير شئون البلاد في الوقت الراهن لكان الوضع مختلف. وقد لا يكون الشعب الفرنسي بالضرورة مؤيدا لساركوزي ولكنه يشعر بالقلق البالغ مع هولاند. ويبدو أن حلم العودة إلي الإليزيه لا يداعب ساركوزي وحده وإنما أيضا زوجته المطربة كارلا بروني التي صرحت قبل ذلك أنها ليست لديها رغبة في أن يعود زوجها للإنغماس في حياة السلطة مرة أخري وأنها مستعدة لتحمل الرئيس الحالي هولاند عشر سنوات, إلا أن تصريحاتها تتناقض مع الألبوم الأخير لها والذي يتضمن أغنية تهاجم فيها هولاند وتصفه ب' عديم اللياقة والشخصية', ورغم نفيها أن يكون هولاند هو المقصود, إلا أن الكلمات تنطبق إلي حد كبير عليه, الأمر الذي جعل البعض يربط ذلك الهجوم برغبة كارلا في دخول الإليزيه مرة أخري. ولكن طريق عودة ساركوزي للرئاسة ليس مفروشا بالورود كما يري هو ومؤيدوه, حيث تعترضه سلسلة طويلة من الفضائح المالية والسياسية الكثيرة المتهم ساركوزي بالتورط فيها. أولا: هناك الأموال التي اتهم بتلقيها من الرئيس الليبي السابق معمر القذافي والتي تقدر بأكثر من50 مليون يورو خلال عامي2005 و2007, ورغم نفي ساركوزي لهذه التهمة بوصفها' غريبة' إلا أن القضية قد تصل إلي المحكمة قبل نهاية هذا العام مما سيسبب إحراجا له. ثانيا: وجد ساركوزي مذنبا في انتهاكه الحد الرسمي المسموح علي الإنفاق في الانتخابات الرئاسية الأخيرة له, وأنه استخدم أموال دافعي الضرائب لخوض حملته قبل أن يدخل السباق رسميا في فبراير العام الماضي. وأخيرا: هناك القضية المعروفة بإسم' بيتينكورت' التي يقال إنه تلقي أموالا نقدية غير مشروعة من وريثة مصانع لوريال السيدة ليليانس بيتينكورت أغني إمرأة في العالم, لدعمه في حملته الانتخابية وذلك مقابل منحها لاحقا خصومات وإعفاءات ضريبية, ورغم نفي ساركوزي العام الماضي حصوله علي150 ألف يورو لتمويل حملته الإنتخابية, إلا أن القضية عادت مجددا إلي الأضواء بعد توجيه تهمة الاستغلال الجنائي ل'ليليان بيتنكور'(90 عاما) التي وضعت تحت الوصاية القانونية عام2011 بعدما قال الأطباء إنها تعاني من الخرف.