تقوم الدول بتطبيق عدد من السياسات الاقتصادية في سبيل تحقيق أهدافها الاقتصادية العامة وأهم تلك السياسات السياسة المالية والسياسة النقدية والسياسات الخاصة بامتلاك الدولة لوسائل الإنتاج والعمالة والاستثمار ويتعين أن تعمل كلها كمنظومة متكاملة ومتناغمة لتكمل بعضها بعضا لتحقيق الأهداف الاقتصادية العامة ولكن ما يحدث في مصر هو عكس ذلك تماما. تتمحورالأهداف الاقتصادية العامة للدولة عامة حول الوصول بالناتج المحلي الإجمالي إلي أقصي معدل ممكن وخفض البطالة والتضخم إلي أدني نسبة ممكنة مع تحقيق أكبر قدر ممكن من العدالة الاجتماعية ولكن السياسات الاقتصادية المطبقة بمصر منذ النظام السابق وحتي الآن تتعارض بحيث تفشل إحدي السياسات ما تهدف إليه سياسة أخري أو تجعل مهمتها أكثر صعوبة حيث تؤدي سياسة ما إلي مشكلات تثير الحاجة للتدخل من سياسة اقتصادية أخري لحل تلك المشكلات أو علي الأقل تخفيف آثارها وفي بعض الحالات يوجد تعارض بين وسائل ذات السياسة, فعلي سبيل المثال تتحقق زيادة الناتج المحلي الإجمالي من خلال الاستثمار العام والخاص لكن المال العام اللازم لتمويل الاستثمار متاح بقدر ضئيل جدا بسبب السياسة المالية التي تزداد فيها المصروفات الجارية وحدها علي إجمالي الإيرادات العامة فالحساب الختامي للسنة المالية الماضية يظهر أن حجم المصروفات بلغ471 مليار جنيه بزيادة قدرها167 مليار جنيه علي الإيرادات وهو ما لا يترك أموالا كافية لتمويل الاستثمار الذي بلغ36 مليار جنيه فقط أي8% فقط من إجمالي المصروفات, أما المال الخاص اللازم للاستثمار فيوجد أساسا في صورة ودائع بالجهاز المصرفي يستخدم حوالي55% منها في أذون وسندات الخزانة التي تمول عجز الموازنة فتحد بدرجة كبيرة من القدرة علي تمويل الاستثمار ويوجد جزء آخر بسوق رأس المال( البورصة) يستخدم أساسا في السوق الثانوية أي في شراء أوراق مالية لمشروعات قائمة بالفعل وليس في إصدارات جديدة تمول الاستثمار. ويمثل خفض التضخم إلي أدني حد ممكن الهدف الأسمي للسياسة النقدية التي تعمل علي تحقيقه بواسطة عدة وسائل أهمها التدخل لضبط مستوي السيولة بالاقتصاد باستخدام عدة أدوات كسعر الإقراض والإيداع ونسبة الاحتياطي وعمليات السوق المفتوحة مع أن السبب الأساسي لزيادة السيولة المحلية( وسائل الدفع الجارية وأشباه النقود) المسببة للتضخم هو السياسة المالية التي تزيدها بنسب تفوق كثيرا الزيادة في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي فقد بلغت الزيادة بالسيولة المحلية خلال العام المالي الماضي85 مليار جنيه بنسبة4 و8% سببها الأساسي هو زيادة الائتمان المحلي بنحو180 مليار جنيه بنسبة24% منها141 مليار جنيه زيادة في الائتمان المقدم للحكومة معظمها من البنك المركزي لتغطية العجز, وحيث ان حوالي92% من إنفاق الحكومة هو إنفاق جار فإن ذلك يعني أن اقتراض الحكومة يذهب لتمويل ذلك الإنفاق الجاري وبالتالي تضخ بالاقتصاد أموالا لا يقابلها إنتاج وبالتالي ترتفع الأسعار, أي أن السياسة المالية تؤدي إلي التضخم فيما تعمل السياسة النقدية علي مكافحته. ويعتبر تحقيق العدالة الاجتماعية أحد أهم أهداف السياسات الاقتصادية والدعم هو أهم الأدوات المستخدمة لذلك ولكن تطبيقه يناقض الهدف المخصص من أجله بطريقين مباشر وغير مباشر ويتمثل المباشر في أن دعم المواد البترولية والبالغ بالموازنة الماضية خمسة وتسعين مليار جنيه والذي ينتج عنه أكثر من نصف عجز الموازنة يذهب معظمه للمصانع كثيفة الاستهلاك للطاقة كالحديد والأسمنت والأسمدة ومنها مصانع مملوكة بالكامل أو بنسبة غالبة للأجانب وكذلك لمحطات توليد الكهرباء التي يذهب معظم إنتاجها للمستهلكين من شرائح الاستخدام العليا أي أن الجزء الأكبر من الدعم يذهب لشرائح الدخل العليا, وأما الطريق غير المباشر فهو عجز الموازنة العامة الناتج في جانب كبير منه عن دعم الطاقة ويمول إما بالعجز المؤدي للتضخم الذي يقع عبئه الأكبر علي شرائح الدخل الدنيا وأصحاب الدخول الثابتة وإما بمدخرات حقيقية مما يستنزف سيولة بذات القدر من الجهاز المصرفي فتحد من قدرة ذلك الجهاز علي تمويل مشروعات تزيد من العمالة والدخل القومي. ومن الأهداف الاقتصادية أيضا تقليل نسبة البطالة إلي أدني حد ممكن لكن إحدي الوسائل التي اتبعتها الحكومات وما زالت هي تعيين العاطلين بوظائف لا حاجة لها بها بالجهاز الإداري للدولة مما يزيد المهايا والأجور المدفوعة الأمر الذي يمثل عبئا علي الموازنة العامة فيزداد العجز وتقل بالتالي قدرة الحكومة علي الاستثمار الذي يمكنه استيعاب العاطلين في وظائف حقيقية ومنتجة, كما يؤدي ذلك التعيين إلي تقليل كفاءة جهاز الدولة الإداري وهي كفاءة متدنية أصلا حيث يقل الإنتاج مع كل عامل جديد يعين. وهكذا تكمن عوامل الفشل داخل السياسات الاقتصادية المتبعة وعلي وجه الخصوص السياسة المالية التي تكاد تكون القاسم المشترك لكثير من مشكلات الاقتصاد المصري مما يستلزم وجود حد أدني من التنسيق بين الجهات القائمة بتنفيذ تلك السياسات وهو الأمر المفتقد منذ سنوات وزاد عليه أخيرا افتقاد الفهم والرؤية الصحيحة لمشكلات الاقتصاد.