بعيدا عن المشهد السياسي المرتبك لايزال ملف القضايا الاجتماعية مفتوحا باعتبارها لاتقل أهمية عن القضايا السياسية المطروحة الآن خاصة ونحن نستعد للاحتفال بعيد الأم.. فلم نرغب في إغلاق الملف دون التطرق لواحدة من أخطر القضايا وهي زواج القاصرات أمهات الغد الصغيرات خاصة مع وجود اتجاه مسبق إلي خفض سن زواج الفتيات, والذي كان قد أثير في بعض جلسات مجلس الشعب المنحل.. ولتكن قضية الأسبوع قراءة متأنية في هذا الملف الذي قد يري البعض أنه لا يتعدي مرحلة الاقتراح.. إلا أننا نري ان مجرد طرح مثل هذه الرؤي انتكاسة حقيقية لكل مكتسبات المرأة المصرية, التي انتزعتها عبر سنوات طويلة, لذلك لم نتردد في فتح هذا الملف الشائك المسكوت عنه, والذي يمثل ظاهرة كان المفروض ان نعمل علي مكافحتها والتصدي لها لا أن نمنحها الشرعية, ومن أجل رصدها قمنا بالمعايشة الكاملة لحفل عرس إحدي القاصرات في واحدة من قري مصر, واستعرضنا رأي المركز المصري لحقوق المرأة من الناحية القانونية, وأبعاد الخطورة التي تتعرض لها القاصرات من الناحية الطبية والنفسية, كما قمنا باستطلاع رأي الدين كمرجعية أساسية في هذه القضية. طبل ومزمار و مدعوون و أضواء... جميعها مظاهر تعلن إقامة الأفراح فهذا هو العريس قوي البنية يافع الشباب وقف علي مدخل المنزل لاستقبال المدعوين والأهل والأسرة مستبشرين بالزواج السعيد ولكن الغريب انك تجد البحث عن العروس أصعب ما يكون فهي ليست تلك الشابة التي تستند للحائط كما توقعت فهي امرأة وأبناؤها في مراحل التعليم وهل ننتظر لتصل لهذا العمر بلا زواج... ليوقف رحلة بحثي والد العروس مصطحبا في يده طفلة لا تتجاوز الحادية عشرة من عمرها معلنا انها العروس. وقد اخفت ملامح براءتها تلك السيدة بما وضعته علي وجهها من الوان و طبعا الصغيرة فرحة بما يفعلون فكل هذة الزينة من اجلها و لا تدري انه حفل اغتيال لبراءتها وهي في عمر الزهور لدرجة انها لم تبلغ بعد فكل المسالة بالنسبة لها هي الليلة.. لواكدت لي تلك الصغيرة انها ليست كما اظن انها صغيرة علي الزواج فابناء اخوالها جميعا تزوجوا قبل هذا العمر بعام علي الاقل و هي موافقة علي هذا الزواج لان عريسها يشتري لها ملابس وحلوي و' حاجة ساقعة' علاوة علي انها تجيد نظافة المنزل بكل اشكالها اما بالنسبة للطهي فستتعلم كل شئ من ماما ام العريس. الغريب و الصادم هو تلك الثقافة فتلك الفتاة التي تبلغ من العمر خمسة عشر عاما علي حد قولها استندت الي النخلة الموجودة في صحن هذا المنزل الريفي البسيط المقام فيه الافراح وحدها حزينة علي حظها العاثر والذي اخرها الي هذا الحد لدرجة ان ابنة عمها الاصغر منها تزوجت قبلها اما امها فتحتضنها في حزن و مواساة مرددة ان شاء الله دورك القادم ولا تقلقي وكانها وصلت الي سن الثلاثين مثلا. وفجأة تعالت الزغاريد والصيحات معلنة وصول' موفق الرءوس في الحلال' او ماذون القرية جلست الي جواره لأتأكد انه ماذون شرعي معتمد وفعلا اخرج لي ما يثبت ذلك من اوراق- طبعا بشكل ودي- واكد ان الزواج يتم علي الاوراق الرسمية التي نقوم بتوثيقها بعد ذلك عندما تكمل العروس السن القانونية ويكتب فيها المؤخر وكل شئ علي اعتبار اننا بصدد توثيقها انشاء الله اضافة الي ورقة زواج عرفي وايصالين امانة يوقع عليهما العريس ووالد العروس علي بياض ويستردانه بعد ذلك عندما يتم توثيق العقد كما يوقع العريس علي قائمة منقولات العروس وتلك الورقة تكون في حيازة والد العروس ضمانا لحقوقها في المنقولات مؤكدا ان زواج القاصرات لا يمثل مخالفة للدين او الشرع لان الزواج ايجاب وقبول واشهار والرسول عليه السلام زوج بناته في اعمار اقل من ذلك. اما الام فهي سعيدة وترفض تماما الحديث عن مخاطر قد تصيب ابنتها من جراء هذا الزواج المبكر فهي تزوجت اصغر منها ولم تبلغ الا بعد زواجها بعام ونصف وهذا الزواج حتي تري احفادها مبكرا قبل ان تكبر وتلعب معها اما عن فارق السن بين العروس والعريس والذي يزيد بفارق ضعف عمرها واكثر فاجابت الام بان الرجل لايعيبه الا جيبه. ليقاطع كل ذلك صوت الصغيرة مطالبة امها بورد احمر مثل شيماء صديقتها التي تزوجت الاسبوع الماضي وإلا لن تتزوج حينها تأكدت من جديد انه حفل اغتيال براءة طفلة يشترك فيه الجميع. اما الاب فكان سعيدا لاتمام هذا الزواج لان ابنته وابن صديقه مخطوبان منذ ولادتها و هذا الزواج سيوثق علاقتيهما وحتي تفسح لغيرها فمادام' فارت' البنت علي حد تعبيره فبيت زوجها اولي بها مؤكدا ان الجميع في القرية كبر علي ذلك فهو مثلا اكبر اخوته وامه اكبر منه بحوالي11 سنة ووالده اكبر من والدته ب15 سنة وهذا الزواج حتي نطمئن علي بناتنا في بيوتهن قبل ان يحين الاجل. وهنا حان وقت الزفة ودخل العريس ليصطحب عروسه الي منزل الزوجية حاملا اياها كما يحمل الاب ابنته علي كتفه وهنا غاب عني الموكب لابيت ليلتي في تلك القرية وا ستيقظ علي اصوات لعب الفتيات الصغار لألاحظ احداهن وقد اختنق اصبعها بدبلة خطوبة مؤكدة ان خطيبها من قرية مجاورة ولن ياتي اليوم لذلك هي تلعب لانه يغضب عندما يراها تلعب في الشارع وهي لا تعرف سبب غضبه وهنا قررت ان اصطحبها لمنزلها ولم تنس الصغيرة ان تحجز دورها في السبع طوبات حتي لا يفوتها الدور. فالقرية المحدودة المنازل والذي يبدو معظمها مبنيا من الطوب اللبن تحتضن منازل متشابهة تقريبا منها هذاالمنزل البسيط للغاية الذي يفتح علي آخر بممر مفتوح للسماء ملكا لشقيقين والجميع يمر علي بعضه دون اذن او استئذان ولكل منهما حجرتين وحمام ولم اكن محتاجة للسؤال عن المستوي الاجتماعي فهو واضح تماما اما الام فاكدت ان زواج الصغيرة سيحدث اما اجلا او عاجلا وهو سنة الحياة وحتي نوفر فما, فالابناء كثيرون والدخل محدود ومع ذلك فنحن لم نلق بها لابن عمها الفلاح بل اعطيناها لصنايعي و'كسيب' لنضمن لها حياة كريمة. اما التعليم فاكد الاب انه لا داعي له فالبنت مصيرها الزواج والمهم هو تعليم الولد و البنت تخرج للعمل عندما تستطيع ان تقف علي قدميها ولكن نخاف عليها من كل شئ لذلك نزوجها حتي نطمئن عليها. خرجت من تلك القرية حزينة علي بنات مصر فهن اطفال بلا طفولة وامهات بلا مقومات امومة فكيف تستطيع تلك الطفلة ان تكون اما تنصح بلا تعليم او ثقافة او تدين وكيف تعطي ما لم تستقبله. ؟