لقد سقط الأمس بكل ما فيه من مرارة, فلا تعيدي حسابه, فالعمر حين تسقط أوراقه لاتعود مرة أخري,ولكن ترقبي أيامك المقبلة التي سوف تحمل لك ربيعا جديدا ينبت أوراقا أخري, فانظري إليها,ولا تلتفتي إلي ما وقع علي الأرض من أوراق تمثل الماضي. أدهشتني رسالة.. صراخ من الأعماق للشاب الذي يؤنب نفسه علي ما ارتكبه في حق فتاته لمجرد أنه وعدها بالزواج ثم ماطل في إتمام ارتباطه بها حتي تزوجت من شاب آخر, فلقد وجدتني أعيش موقفا أصعب من موقف فتاته, وبرغم ذلك لم يهتز ضمير من ارتبطت به, وعشت معه لحظة الفرح ثم لحظة الانكسار, وإليك قصتي منذ البداية, فأنا فتاة اقتربت من سن الثلاثين, أعيش مع أسرتي في إحدي المدن الساحلية, وأعمل في شركة خاصة منذ أربع سنوات, وقبل عامين تقريبا التحق بالشركة موظف جديد, وسرعان ما تألف قلبانا, وفاتحني في مسألة الارتباط, وبالفعل حددنا معا موعدا لكي تتقابل فيه والدتي ووالدته, وحدث اللقاء, واطمأننت إلي أن الأمور تسير بشكل طبيعي, بعد أن اتفقنا علي أن يتقدم أهله رسميا, ونقرأ الفاتحة, ولكنه بعد بضعة أيام قال إنهم سوف يؤجلون زيارتنا إلي أن يقبض الجمعية التي كونها مع مجموعة من أصدقائه, فعرضت عليه أن أقرضه مبلغا يشتري به شبكة بسيطة عبارة عن دبلة ومحبس وخاتم فقط, وكان كل همي ألا تظن أسرتي أنه غير جاد خصوصا أنني توسمت فيه خيرا وتدينا, حيث يفخر بانتمائه إلي الدعوة السلفية فقبل المبلغ واشتري الشبكة, وتقدم مع أهله طالبا يدي, وقرأنا الفاتحة, ومضت ستة أشهر كاملة, لم تحدث بيننا فيها أي خلافات سوي المناوشات الكلامية التي سرعان ما تتلاشي آثارها, وتصفو الأمور.. وخلال هذه الفترة انتقل إلي عمل آخر, وبني الشقة التي سوف نسكن فيها بمنزل العائلة, وأعطاني جزءا من المبلغ الذي أقرضته إياه, وطلب من والدي أن نعقد القران لكنه رفض, بل ورفضت كل عائلتي خوفا من أن تحدث مشكلات بيننا يصعب التغلب عليها, فغضب بشدة وقال لي: لقد ظلموني بسوء ظنهم في وأمام إلحاحه علي ضغطت علي أسرتي لكي توافق علي عقد القران, ثم نشبت مشاحنات علي مؤخر الصداق, وقائمة المنقولات التي رفضوها تماما, بل واعتبروا أن مجرد كلامنا فيها عيب, وكادت الزيجة تفشل بسبب القائمة, ولم يحل هذا الموقف إلا موافقة أهله علي تأجيل الحديث فيها إلي حين الزفاف, وعقدنا القران في أجواء لم تكن مناسبة لكن حبي له أعماني عن كل شيء, وحاولت أن أظهر أمام الجميع أنه أهداني شبكة كبيرة, وقدمت لهم الذهب الذي كان بحوزتي علي أنه هو الذي أشتراه لي. وبعد عقد القران مددت يدي إليه لمساعدته في تشطيب الشقة, وأخذ كل منا سلفة من عمله بضمان مرتبه, وقدمت له والدتي مبلغا يعادل مجموع ما حصلنا عليه من السلفتين علي سبيل القرض, وحررنا إيصال أمانة به ضمانا لحقها, وتحقيقا لما جاء في كتاب الله.. إذا تداينتم بدين إلي أجل مسمي فاكتبوه وليس تخوينا له.. واشترينا الأجهزة الكهربائية, وأتممنا تأثيث الشقة, وأقترب موعد تحقيق الحلم الذي أصبح حقيقة واقعة علي يدي, وبفضل مجهودي وإخلاصي له. وطلبت منه والدتي تحديد موعد الزفاف وحجز القاعة التي سنقيم بها الحفل فماطل في البداية, ثم صمم علي اقامته في قاعة بعينها مع أن إيجارها لا يقل كثيرا عن قاعات أخري أفضل منها, وعرضنا عليه أن ندفع الفرق, فرفض, وحدثت مشادة كلامية بيننا خلعت علي إثرها الدبلة من يدي وقلت له: إنك لا تريدني وتفتعل أي مشكلة لكي تنهي علاقتنا, وبكيت بشدة, فلم يلن له جانب, وانصرف من عندنا وهو علي موقفه, وادركت أنني بخلعي الدبلة قد أخطأت في حقه, فأخذت والدتي, وذهبنا إليه في الساعة نفسها, واعتذرت له عما فعلته وتصالحنا. ومضت أيام وخرجنا ذات مرة للنزهة في أحد الأماكن العامة وجاءته رسالة علي هاتفه المحمول بأن تليفون فلانة متاح الآن, فسألته عنها فأخبرني بأنها أخت زميلته, ولما لم تكن هناك أناث بعمله فقد بحثت الأمر وعرفت أنها أخت زميلة له من أيام الدراسة, وكان يريد الزواج منها, ولكنها رفضته لضعف إمكاناته المادية وقتها, وأنه مازال يحبها.. وعبثا حاولت أن أفهم ما الذي دفعه إلي محاولة الاتصال باختها, ومن أين أتي برقم هاتفها, وهل مازالت له علاقة بها حتي الآن؟ وسألته: لو أنني أعرف شخصا غيره.. هل كان يرضي بذلك؟ ولم أسمع منه إجابة سوي قوله أنا حر, لا تتدخلي في خصوصياتي, ولم أصل معه إلي نتيجة, وكتمت أحزاني وغيظي, من أجل ألا تحدث مشكلة كبري تعوق زفافنا. وبعد شهر تقريبا حدث ما لم يكن في الحسبان, وبدا لي الأمر وكأنني أعيش قصة خيالية, وليس واقعا مؤلما, فلقد أبلغني بأنه أحس ببعض التعب, فذهب إلي الطبيب, فأجري له فحوصا أثبتت أنه مريض بالقلب, وأن الطبيب ينصحه بعدم الزواج, وأنه لا بديل أمامه عن الانفصال.. قال هذا الكلام أمام والدتي, فصدقناه, بل وبكينا خوفا عليه, وقلت له: إنني لن أرضي بغيره زوجا لي, وأنني سأظل بجانبه مهما حدث, وعرضت عليه أن نزور طبيبا شهيرا في أمراض القلب لكي نطمئن علي صحته, لكنه رفض, وطلبت من والدته أن تقنعه بذلك, فلم ترد, ومع إلحاحي عليه, فاجأني بقوله سواء أنا مريض أو سليم, فإننا لا نصلح لبعض!! وهنا أدركت أنها حيلة جديدة للخلاص مني, ولم يجد والدي ووالدتي مفرا من الذهاب إلي عمه للوقوف علي أبعاد مشكلاته المتكررة, حيث إن والده متوفي, وعرضا عليه ما كان من أمر فتاي, فطلب منهما أن ينصحاني بعدم الالتفات لتصرفاته التافهة, وأن أكبر دماغي علي حد تعبيره.. ولم أجد بدا من أن أنفذ هذه النصيحة خوفا من الطلاق الذي يعني النهاية بالنسبة لي.. ولم تمر أيام حتي قال لي عبر الهاتف أنه لم يعد يحبني, وأنه يحتاج إلي فرصة أخري للتفكير... ورحت أضرب أخماسا في أسداس من جديد, ففيم يفكر, ونحن معقود قراننا؟... وهل وصل به الاستهتار إلي هذه الدرجة؟... ثم قابلني, ولم يفتح هذا الموضوع, وعاملني بشكل غريب لم أعهده فيه من قبل إذ لم يكترث لما أقوله, أو حتي يسمعني, وأنا أتحدث معه. .. ولازمني إحساس بأنه سوف يغدر بي في أي لحظة بعد أن ذهب الأمان الذي ملأ قلبي تجاهه, فكل فترة يهددني بالطلاق, ولا أدري أين هو من أخلاف السلف الذين يسيرون علي منهج رسول الله وقد كان صلي الله عليه وسلم يصون المعروف, ولا يغدر حتي بأعدائه.. ثم حدث موقفان غريبان أنذراني بقرب النهاية التي كان يجب علي أن أدركها منذ البداية.. الأول عندما عزمني علي تناول الغداء في بيتهم, وعندما دخلت البيت خرجت والدته.. ووجدتني في موقف محرج إذ كيف تتركنا بمفردنا, وتخرج في الوقت الذي عزموني فيه, وسألته عما فعلته والدته, فأبدي أسفه, واعتبرت ما حدث كأن لم يكن.. والثاني: عندما ذهبنا معا لشراء بعض مستلزمات الشقة, وعندما عدنا صعدت معه إلي شقتهم, فألقيت السلام علي والدته, ووضعت الأشياء التي اشتريناها, وخرجت لكنها افتعلت مشكلة لأنني لم أسلم عليها باليد, ولما عرفت منه ذلك اتصلت بها واعتذرت لها, فلم يخطر ببالي ذلك أبدا, وجاء موعد شراء المطبخ, فابلغني أنه يريده بشكل معين, وبمبلغ خيالي يفوق امكاناتنا... وهنا عرضت عليه أن يشتري هو المطبخ, ونشتري نحن أي غرفة أخري فقال اشتروا غرفة النوم!!.. وهكذا ظل يماطل, ويحاول أن يبحث عن أي مشكلة معنا.. فقلت له إن هذه الطريقة لا تصلح لإقامة بيت ناجح, وأنت بهذه الطريقة تبحث عن أي سبب للانفصال, فرد علي بأنه يريد بالفعل أن يذهب كل منا إلي حاله, ولم يقبل بعدها أي تفاهم, وكان حريصا هذه المرة كل الحرص علي إنهاء علاقتنا.. وهكذا بعد سنة وأربعة أشهر جاء موعد موتي.. نعم موتي فطلاقي, وأنا مازلت بكرا هو الموت بعينه... موت إحساسي بالأمان... موت ثقتي فيمن ارتبطت به... إنه ظلمني واستهتر بي وبمشاعري.. ظلمني بأنانيته وتفكيره في نفسه فقط, فلقد وقفت بجانبه حتي أتم شقة الزوجية بأثاثها, وأنا التي وافقت عليه حينما لم يكن معه شيء, ورفضته من كان يحبها لهذا السبب أليس ظلما أن يذهب كل ما فعلته لغيري؟. إنني لن أنسي أبدا أنه كسرني وخذلني وخذل أهلي, وعرضني لكلام الناس بلا ذنب ارتكبته.. وأنني واثقة من انتقام ربنا منه لأنه سبحانه وتعالي العدل, وعدله فوق كل شيء, ولن أسامحه أبدا, فدموعي لم تجف بعد, وأقول في كل صلاة, وأنا ساجدة حسبي الله ونعم الوكيل.. وأدعوه عز وجل أن يخفف عني ما أنا فيه... وأني أسألك: ألا يدرك من هم أمثال من وثقت فيه وغدر بي أن الله مطلع عليهم, وأن الإنسان كما يدين يدان؟ وهل يغيب عنهم أنه إذا انخدع الناس بتدينهم الظاهري فإن الله يعلم ما يسرون.. وإن غدا لناظره قريب؟. ولكاتبة هذه الرسالة أقول: كان من المهم أن تحسبي موضع خطوتك الأخيرة فتتوقفي قبلها, ولكنك ضغطت علي أهلك لعقد القران برغم تردده في اتمام الارتباط بك, ووجود أدلة واضحة أمامك بأنه ليس جادا في الزواج, وافتعاله المشكلات لأسباب تافهة. والحقيقة أن عدم اتمام زواجك منه لايعني أنه نهاية المطاف. بل لا أبالغ إذا قلت لك إن انفصالك عنه نعمة كبري سوف تدركينها فيما بعد.. فهذه الزيجة كان محكوما عليها بالفشل, خصوصا بعد أن تبين لك أن الحياة ربما تكون قد عادت إلي مجاريها مع فتاته السابقة. إننا ما أسرع أن نتكيف مع واقعنا, وما أعجب أن نتأقلم علي أوضاعنا وحياتنا.. هكذا تعلمنا تجارب الحياة, ولذلك فإنني علي يقين من انك سوف تنبذين هذه الذكري الأليمة من حياتك لأنه لايستحق مجرد التفكير فيه, وهو الذي عمل طوال الوقت في الاتجاه المعاكس لك.. وأعتقد أن سعيه الحثيث لعقد قرانه عليك كان لاستخدامه كورقة ضغط دائمة ضدك, فيضمن رضوخك التام له مهما فعل بك, وارتكب من حماقات معك. فلما وجدك مستسلمة له ومسلوبة الارادة أمامه, ادعي المرض ونسي أنه بكذبه وادعائه ما ليس فيه قد يتحول ما يدعيه إلي واقع أليم فيجد نفسه أسيرا للمرض نفسه, فربك يمهل ولا يهمل.. والحقيقة انني لا أتوقع له استقرارا وهو علي هذه الحال ولابديل أمامه سوي أن يخلص التوبة إلي الله, وأن يندم علي ما فعل, ويرجو عفو الله ورضاه, وعليه أن يعلم أن ورقة عقد القران التي ظل يتلاعب بها مستندا إليها, هي ورقة خاسرة وسوف تنقلب عليه ولو بعد حين, وأن يدرك أن الغدر من الكبائر, فالغادر مذموم وسوف يفضحه الله علي رءوس الخلائق يوم القيادمة, فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: لكل غادر لواء يوم القيامة يرفع له بقدر غدره. أما أنت فعليك أن تتعاملي مع الأمر الواقع, وأن تحمدي الله أن نجاك من هذا الشخص, فمن المؤكد انك لو أتممت زواجك منه كنت حتما ستنفصلين عنه.. وعليك أن تنظري أيهما أفضل لك: ما أنت عليه الآن, أم ما كنت ستصبحين عليه بعد أن تقع الفأس في الرأس كما يقولون, وربما بعد إنجاب أطفال أبرياء لا ذنب لهم ولا جريرة في أهواء أبيهم؟. أما مسألة التدين فلا تكون بالكلام الظاهري, وإنما هي بالأفعال فدعك ممن يتخذون الدين ستارا, وهم أبعد ما يكونون عنه, وعليك الأخذ بما تكشفه لك العشرة مع التوقف أمام كل صغيرة وكبيرة لدراستها جيدا, فما ترينه صغيرا قبل الزواج قد يتحول إلي شيء كبير بعده, ويصعب التخلص منه. ولقد سقط الأمس بكل ما فيه من مرارة, فلا تعيدي حسابه, فالعمر حين تسقط أوراقه لاتعود مرة أخري, ولكن ترقبي أيامك المقبلة التي سوف تحمل لك ربيعا جديدا ينبت أوراقا أخري, فانظري إليها, ولا تلتفتي إلي ما وقع علي الأرض من أوراق تمثل الماضي في هذه التجربة الفاشلة التي أحسب جيدا أنك كنت تدركينها. ومع ذلك انسقت وراء كلمات الحب التي رددها علي مسامعك فتاك غير الأمين, والذي يتخفي وراء التدين الظاهري, وما أكثر أمثاله من المخادعين الذين قد يكسبون عرضا زائلا من الدنيا, لكن حسابهم عند الله سيكون عسيرا. فلا تأسفي علي ما فات, واحلمي بشمس مضيئة في غد جميل, وهو آتيك بصدق سريرتك, وإخلاصك ومعدنك الطيب, فلا تتركي قلبك ومشاعرك أسيرة لمن لا يستحقها, وفقك الله وسدد خطاك.