في كل يوم تحدث مشادات ومشاحنات ويتراشق الناس بأقذع الألفاظ وأسوأ السلوكيات والتي تصل أحيانا إلي رفع السلاح وإلقاء قنابل المولوتوف بل القتل! وربما لا تكون بينهم معرفة سابقة. وقد تكون هناك أسباب لا تستلزم التشاجر, وقد يتدخل المحيطون بطرفي المشاحنة لإشعال النار وليس لتهدئة الموقف.. كل هذا غريب علي المجتمع المصري ولا يمت للمصريين الذين يضرب بهم المثل في التسامح وعفة اللسان وحسن السير والسلوك والعفو عند المقدرة.. فما الذي حدث حتي يتغيروا؟ وكيف نستعيد أخلاقنا وشهامتنا وطيبة شعبنا؟ ماذا يقول علماء الاجتماع والدين وما هو العلاج الذي يقترحونه؟ وما دور الشرطة؟ وينبه اللواء حسام سويلم الخبير الاستراتيجي الي أن الانفلات السلوكي ناتج عن الانفلات الأمني, فقوة الشرطة قادرة علي أن تمنع الجريمة قبل وقوعها وتقبض علي مرتكبي الجريمة وتعاقبه وتردع من يفر في مثل هذه الجرائم. وبعد أن سقطت الشرطة وضاعت هيبتها, نجد أن القوة المجزية الآن تعمل علي الاحتكاك بالجيش لكسر هيبته هو الآخر, فلا توجد سلطة رئاسية أو برلمانية, فلا نتعجب حين تظهر تلك القاذورات علي السطح ومؤكد انه ستزال كلها مرة واحدة مثلما حدث مع الفاسدين في النظام السابق. ظروف خاصة ويؤكد الدكتور أحمد زايد استاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة القاهرة, أن هذه الظواهر كانت موجودة ولكنها كانت أقل في معدل حدوثها بسبب وجود قدر من الأمن والانضباط, ولكن مجتمع ما بعد الثورة وبرغم فرحتنا بها, الا أن الثورات دائما تفرض ظروفا خاصة في فترة التحول نحو بناء النظام الجديد.. في هذه الظروف تكون الدولة هشة وضعيفة والأمن غير موجود بالشكل الكافي والقانون غير مفروض بصورة واضحة والأفراد كل يحاول أن يحقق أهدافه بطريقته الخاصة, والكثير منهم يستغلون هذه الظروف للاتيان بأفعال لم يكن بمقدورهم أن ينفذوها لو كان الأمن مستتبا والدولة قوية. ويضيف الدكتور أحمد زايد أن درجة الالتزام الداخلي أصبحت غير موجودة, فالسلوك له نوعان من الضوابط, احداهما خارجي وهو أن يقهرني أحد علي الالتزام والثاني هو الداخلي ويعني الالتزام من النفس من خلال قناعتي بقيمة معينة أو قاعدة أخلاقية معينة أما في حالة غياب الضابطين تتضح ظاهرة الانفلات. فعل المجتمعات له شفرة أخلاقية بمعني أنه في كل موقف عام نتفاعل مع الناس يجب أن تكون هناك قاعدة سلوكية معروفة لدي المجتمع ويلتزم بهاه كل الناس. ويؤكد زايد أن ما حدث في الأنظمة السابقة ترك المجتمع بدون ضوابط فظهرت العشوائيات والانفجار السكاني والهجرة من الريف الي الحضر, وكل هذا حدث بدون وجود نظام تعليمي مؤثر يرتقي بالأخلاق والقيم, ولم يتم خلال بناء الدولة في مصر بناء الدولة علي أساس خلق الفرد الملتزم الحر وفي المقابل كان المواطن مقهورا مكبوتا, فالسلوك العدواني ما هو إلا ليعبروا عن آرائهم بطريقتهم الخاصة. ويري الدكتور أحمد زايد لكي يستعيد المجتمع سلوكه السوي لن يكون ذلك الا في حالة بناء مؤسسات الدولة واستعادة الأمن لقوته وفعاليته واستعادة القانون لسادته واستعادة العدالة مجراها لتتحقق العدالة والمساواة بين الجميع وتكون هناك منظومة قيم أخلاقية تنظم الحياة في كل المواقف والتفاعلات العامة فلا توجد مجتمعات حرة تترك كل فرد يفعل ما يشاء ولكن يجب أن يلزم بقواعد أخلاقية في كل موقف وأن تكون هذه القواعد معلنة ومعروفة في كل موقع, وعلي أن يكون أساس تكوينها هو الالتزام الاخلاقي وبدايتها من التزام الدولة باحترام المواطنين والاعتراف بحقوقهم وعدم استغلال النفوذ ولا يهان بقيمة العدل وسينعكس ذلك علي سلوك الأفراد. سقوط دولة ويذكر الدكتور جمال شكري وكيل كلية الخدمة الاجتماعية بجامعة حلوان, بعد التغييرات السياسية التي حدثت علي الرغم من وجود مقدمات لها لكنها لم تكن حتما تؤدي الي النتيجة التي حدثت فجأة فسقوط النظام ورغبة البعض في سقوط الدولة وليس النظام جعل هناك تضارب في المصالح ونتج عنه ما يسمي بالتفسخ الاجتماعي وانهيار منظومة القيم الراسخة أوجد سلوكا بديلا لهذه القيم مع غياب الانضباط الذاتي والذي كان مرتبطا بردع القانون والأمن فتجرأ بعض الخارجين علي القانون علي المنظومة الأمنية, ومع إحساس القائمين علي الأمن بأنهم ظلموا وأن انهيارهم كان بسبب بعض القيادات غير المسئولة منهم وبعض التصرفات التي ارتبطت بفجائية الموقف, والخوف من الحساب المجتمعي في حالة رغبتهم في ضبط الشارع المصري مرة أخري, أدي الي تعاظم فكرة العنف وتزامن معه بالضرورة العنف المضاد. وبينهما القانون غائب ومن ينفذ القانون عاجز, وأصبح كلا يخشي من عنف لا يستطيع أن يرده مع ظهور الأسلحة المهربة ومع تطور أفكار العنف التي لم تعد إيذاء باللفظ ولكن تعد لايذاء البدن بمختلف الوسائل المتاحة وانتشرت الأسلحة البيضاء والسيوف والسنج واستخدام كرات النار والبنزين وغير ذلك. ويضيف الدكتور جمال شكري ومع الردع الأمني المختل أصبحت القيم هي القيمة للأعنف والأقوي ومع أن هناك من يري في هذا نظرية المؤامرة والتي فيها شئ من الصحة لكنها مؤامرة علي وطن ودولة. غياب الدين والأخلاق ويؤكد الدكتور نصر فريد واصل مفتي الجمهورية الأسبق, ن ما يحدث نتيجة غياب الدين والاخلاق في التربية الدينية والخلقية تمثل النواة الأولي في حياة الإنسان والتي يجب أن يتعلمها في مراحل حياته الأولي, فالله سبحانه وتعالي خلق الحواس ليتأثر بها فالعلم أثبت أن الجنين في بطن أمه يشعر بكل ما يمكن أن يحس به الانسان ويؤثر عليه بعد ولادته, فالانسان من الميلاد الي اللحد يجب أن يتعلم خصوصا تعليمه من الدين والعقيدة والاخلاق, ولكي يكون الانسان صالحا وسويا في المجتمع يجب أن يتعلم حقوقه الشخصية والاجتماعية وحقوق الإنسان مع ربه ومع العباد فكلها أمور ضرورية لان المجتمع كله يتكون من خلال أفكار بداية من الاسرة ونهاية بالمجتمع ككل. فعملية التعارف والتواصل بين البشر هي أساس التعارف, والمشكلة التي نعاني منها الآن نتيجة فصل الدين عن الدولة, وهو ما أدي الي هذا الفساد, فالدين منهج حياة فهو الذي يعلم الانسان كيف يحيي ويتعايش ويحافظ علي حقوقه وحقوق غيره في كل مناحي الحياة. فإذا أغفل الدين في الحياة وأغفل تعليمه منذ الصغر فلن تقيم لنا قائمة, فنحن لم نتعلم الدين بصحيحه ولا دنيانا بصحيحها, ومن يفصل الدين عن الدنيا لا يحقق أي هدف وليس معني ذلك أن ننادي للتطرف فمن كفروا الناس باسم الدين لم يتعلموا الدين علي صحيحه فيجب أن نتعلم الدين عقيدة وشريعة وحياة ودنيا ولكي نخرج من تلك الكبوة يجب أن نعلم الناس دينهم وأخلاقهم كما يجب أن نهتم بتعليم النشء في المدارس التربية الدينية بطريقة صحيحة ويكون هناك حافز للطلاب علي دراستها بأن تضاف الي المجموع. أدوات الجريمة ويصف الدكتور رشاد عبداللطيف نائب رئيس جامعة حلوان السابق وأستاذ تنظيم المجتمع بكلية الخدمة الاجتماعية الانفلات السلوكي له أسباب, منها أنه لا يوجد ردع كاف من القضاء والمجلس العسكري وتوافر أدوات الجريمة بكثرة وبأسعار رخيصة, وغياب الأمن وعدم فاعليتهم مع أفراد المجتمع وعدم وجود رقابة من الأسرة أو المؤسسات التعليمية فالأسر لا تعلم ماذا يفعل أبناؤهم ولا توجد رقابة مباشرة علي الأبناء الذين يمارسون سلوك منحرفا. ويضيف دكتور رشاد عبداللطيف, أن كل هذه الأشياء أدت الي الانفلات السلوكي المتعدد الجوانب سواء كان أخلاقي أو تدميري للمجتمع. ولكي نواجه تلك الظاهرة, لابد من وجود قناعة شخصية لكل أفراد المجتمع بأن مصر بلدهم وليست دولة أجنبية, بالاضافة الي ضرورة وجود العدالة الناجزة بتوقيع العقاب علي كل المجرمين ومرتكبي أي سلوك مخل.