أشرنا فيما سبق في مقالة حول المرحلة الانتقالية إلي أهم سماتها, نحن الآن أمام مرحلة انتقالية مر عليها قرابة التسعة أشهر منذ ثورة الشعب المصري في25 يناير, أشار المجلس العسكري في إعلانه الدستوري الأول عن أنها ستة أشهر. الفترة الانتقالية وحدة الزمن فيها الساعات والأيام والأسابيع لأهمية الوقت فيها, الفترة الانتقالية ترتبط بمجموعة من المعضلات: المعضلة الأولي: الفترة الانتقالية غير محددة ولكنها لفترة محدودة, هي مؤقتة بطبيعتها وبالأهداف المتعلقة بعملية الانتقال, معضلة عدم التحديد ستظل إشكالية كبري في هذا المقام, خاصة أنه قفز إلي الساحة السياسية والمجتمعية تساؤل مفاده: من المسئول عن امتداد وإطالة المرحلة الانتقالية ؟ المعضلة الثانية: الفترة الانتقالية تتميز الأحداث فيها بحالة من السيولة وهو أمر يتطلب من الممسك بزمام الأمور في هذه المرحلة أن يتحرك في إدارة هذه السيولة ليمسك بالعناصر الصلبة منها والثابتة فيها. الأحداث تتراكم والمواقف تتخذ والقرارات تصنع ولكن للأسف الأمر يسير في طريق التعتيم وعدم الشفافية فيضيف لحالة السيولة حالة من الحيرة والقلق. المعضلة الثالثة: الفترة الانتقالية بأطراف تتعدد, وتدافع يتكثف تحمل وضعا مختلطا يدفع إلي القلق ومزيد من الحيرة, هذا الوضع المختلط تتجاور فيه قوي الثورة الحقيقية وتتصارع معها قوي الثورة المضادة الظاهرة والكامنة, وثورة التوقعات المتزايدة التي تتمثل في مطالب فئوية تتواصل ولا تنتهي. المعضلة الرابعة: الفترة الانتقالية بعد الثورات غير الفترة الانتقالية بعد الانتخابات, فالانتقال الديمقراطي في تركيا تم بعد انتخابات, أما الانتقال السياسي بعد الثورات لابد أن يتواءم مع مطالبات ثورية ومطالب شعبية من أجل ذلك أكدنا علي ضرورة دراسة المراحل الانتقالية وتأسيس علم يتعلق بإدارتها. ذكرني حال المرحلة الانتقالية بمثل مصري مهم العينة بينة, مرت إذن تسعة أشهر تمتد حتي انتخابات رئيس للجمهورية مما يجعل الأمر ممتدا حتي شهور في مفتتح العام2013, والعرض مستمر. إن استمرار هذا المشهد بهذا التلكؤ الغريب, والإدارة غير الرشيدة لعملية التغيير والتطهير والتعمير كمثلث حيوي الذي هو عنوان هذه الثورة وأهدافها الكبري, إن إدارة التوازنات بعد الثورة لابد أن تكون وفق قواعد جديدة لا ذات القواعد القديمة التي أدارت التوازنات في إطار منظومة الاستبداد والإدارة ضمن منظومة الثورة في مرحلة انتقالية أعقبتها, يتطلب أطرا جديدة وقواعد جديدة وربما نخبا جديدة. إدارة التوازن لابد أن تراعي الحالة الثورية والمتطلبات الشعبية. أولا: عملية التغيير السياسي والمجتمعي لم تتم علي النحو المأمول, إن المؤسسات التي حلت إنما حلت بأحكام قضائية أو بأعمال شعبية( مباحث أمن الدولة, الحزب الوطني, المجالس المحلية). ثانيا: عملية التطهير لم تتم في معظمها, القيادات الفاسدة في الإعلام المصري وفي البنوك وفي الإداراة المصرية, الفساد لم يواجه من جذوره, وهيئة مكافحة الفساد لم تقم بأدوارها بل إن بعض المؤسسات الرقابية تتهم بالفساد في هياكلها وبعض قياداتها, القيادات المنتمية للحزب الوطني لا تزال تسرح وتمرح سواء في المناصب القيادية, أو الأحزاب البديلة, رئيسا المجلس القومي للشباب وكذا الرياضة يمرحان ويفسدان, وقانون الغدر أو قانون إفساد الحياة السياسية أو العزل السياسي لم يصدر بعد, رغم الأخبار المتواترة عن قرب صدوره وأتوقع إن صدر أن يصدر هزيلا وكليلا. ثالثا: عملية البناء والتعمير, لم تنشط بفاعلية لا مؤسسة أمنية تقوم بوظائفها, ولا مؤسسات اقتصادية تهدف إلي تحريك الاقتصاد ضمن مشروعات تحفز الاقتصاد وتنميه وتعيد الثقة فيه, ولا سياسات لترجمة شعار العدالة الاجتماعية ولاهيكلة للأجور, ولا ندري لماذا يتأخر كل هذا, والحديث يستمر حول تدهور الأمن والاقتصاد, وكأن ذلك قدر مقدور. يمكننا القول أن الانتقال السياسي والمؤسسي تمخض عن جدول السلحفاة لا يتناسب مع الثورة ولا موجتها, طال أمر الانتقال, والانتقال المجتمعي الذي يشكل ضرورة لرؤية ثمار الثورة وتمكين مكتسباتها, ملف مؤجل لإشعار آخر لأجل غير مسمي, تمكين الشباب ملف مهمل ومغفل ربما يري من يملكون القرار أنه ليس بأولوية, وهو ملف لو فعل بكل طاقاته الشبابية الحية لكان في إمكانه التعامل الجاد مع مشاكل وتحديات المجتمع. في النهاية يمكن أن نقدم حزمة من الرسائل إلي المجلس العسكري الذي يدير ويسير البلاد في تلك المرحلة الانتقالية, ونتجه إليه بالذات لأن المسئولية علي قدر السلطة والمساءلة علي قدر المسئولية. الرسالة الأولي: إن شكل ونمط وأساليب قواعد التسيير بالطريقة التي سار عليها المجلس العسكري في التسعة أشهر لا يمكن أن تستمر, لأن نتائجها لم يكن إلا التباطؤ المفضي إلي التشكيك في الثورة وحقيقتها وأتت بالنتائج السلبية علي الثورة الحقيقية. الرسالة الثانية: وهي الأهم تعني أن تفرد المجلس العسكري بالإدارة حمل عدة شبهات خطيرة: شبهة الاستبداد فالمجلس العسكري لابد في سلوكه أن يؤكد أنه لا يحكم وحده أو هو الحاكم بأمره, النافذة فرماناته, الذي يمنح ويمنع. شبهة عدم الخبرة في التعامل المدني وأكدنا علي ذلك في مقالة العلاقات المدنية العسكرية. شبهة عدم الفاعلية في إدارة الملفات وصناعة التأزيم والكوارث وآخرها أزمة ماسبيرو. شبهة نصف ثورة ونصف انقلاب, وأن أصحاب الثورة يريدونها ثورة كاملة فهل يسمح لهؤلاء ممن لا يريدون ذلك. شبهة الالتفاف علي الثورة والتعويق المتعمد والذي يظهر في بطء السياسات والقرارات. شبهة تأمين الجيش كمؤسسة ودور قياداته في مستقبل مصر السياسي. الرسالة الثالثة: تؤكد علي أمرين: الأمر الأول: هو ضرورة تقصير فترة الانتقال من سلطة العسكر إلي السلطة المدنية لمصلحة الجماهير والشعب أولا ومصلحة العسكر ثانيا, ومصلحة الإدارة المدنية التي يجب أن تسهم في هذه المرحلة بقدراتها وخبراتها في إدارة هذه المرحلة الانتقالية والتفاعل مع ملفاتها الحقيقية. الأمر الثاني: ضرورة التفكير في صيغة تجعل الاشتراك والتأثير والمساهمة في صنع القرار أمرا مهما يجب الحديث حوله والتأكيد عليه وإدارة تفاوض حول ضرورات التعاقد السياسي الجديد, بما فيها المجلس العسكري والقوات المسلحة الرسالة الرابعة: إن امتداد الفترة الانتقالية علي هذه الشاكلة حتي الشهور الأولي من العام2013 يعني ضمن ما يعني السير في طريق انهيار مصر, وتراوح السياسات لمدة عامين بعد الثورة يشكل تباطؤا لا يمكن قبوله وعجزا لا يمكن تمريره وكوارث وأزمات تولد وتندلع في ظل أزمة معلومات وأزمة آليات وأزمة ثقة وصناعة فوضي, الشعب لن يتحمل ذلك ومن لهم مصلحة في هذه الثورة لن يتحملوا ذلك. الرسالة الخامسة: إن رصيد المجلس العسكري بعد إسهامه الكبير في حماية الثورة بغض النظر عن أسبابه في ذلك هو في سكة التآكل, وأولي بهذا المجلس إذا لم يسهم في زيادة رصيده أن يحافظ علي الموجود منه ويعض عليه بالنواجز, وباعتباره ممثلا لجيش مصر يجب أن يتفهم أن رصيد الجيش المصري كأقدم مؤسسة في المنطقة هو رصيد لمصر. فمتي يكون هذا الرصيد من أجل ثورة مصر واستمرارها والحفاظ علي مكتسباتها. وهذه الثورة لن تسمح بحكم العسكر أواستمراره, ولن تتكررأحداث.1954 الرسالة السادسة: لقد كان للقوات المسلحة وكذا المجلس العسكري وشعب مصر التقاء حول الثورة وأهدافها في الاعتراض علي سياسات دامت فترة طويلة من الزمن وإيقاف مهزلة التوريث, فإن الشعب إذ كان يقول في هذا المقام أن الشعب والجيش إيد واحدة فإنه أصدق الصادقين, إلا أن الأحداث والسياسات التي تسير أمور البلاد, وتسير عليها, تقول إن هذا الاتفاق مرهون بالحدث الأكبر وهو الثورة وحمايتها واستمراريتها والحفاظ علي مكتسباتها, وإن هذا الشعب لن يقبل أن يسقط رأس النظام, ويوقف مشروع التوريث ويقوم ببعض إصلاحات جزئية ثم يقال له كما كنت, ليس هذا هو الاتفاق, الاتفاق: ثورة كاملة غير منقوصة تسير في خط إصلاحي استراتيجي صاعد وناهض تحقق مثلث الثورة: التغيير, التطهير, البناء والتعمير. هل يمكن أن تكون مصر كلها يدا واحدة حتي تخرج من الممر الضيق( المرحلة الانتقالية), وعنق الزجاجة الذي ستخرج منه إن شاء الله بشعبها العظيم وثورته الكبري التي سطرها التاريخ. ثورة مصر.. ثورة حتي النصر... المزيد من مقالات د.سيف الدين عبد الفتاح