في ظروف كتلك التي نمر بها.. فإن الاولوية الاولي للادارة في الشركات والهيئات يجب أن توجه إلي اعادة هيكلة الاجور وضغط الفارق بين الحدين الادني والاقصي إلي اقل مايمكن, ويجب أن يتم هذا الأمر دون تلكؤ ودون انتظار لما تقرره الدولة في هذا الشأن. فأعصاب الجميع عارية والقهر في الصدور تحول إلي انفلات وظيفي وأمني. الامر لايقتصر علي الحادث المروع الذي وقع في الشركة المصرية للاتصالات ولا الحوادث المشابهة التي وقعت قبله, فقد فقدت الوظائف العليا هيبتها وهذه نتيجة ترتبت علي تراكمات من التجاوزات الادارية والمالية ارتكبت في وضح النهار وربما بتشجيع من الحكومات السابقة وكانت نتيجتها اتساع الفارق في الاجور في بلادنا الي مستويات لم نعرفها من قبل وهي بالقطع تخالف أبسط قواعد الادارة في النظم الرأسمالية الرشيدة. وكما يعلم الجميع فقد ابتكرت الادارات المختلفة ابواب رزق لرؤساء العمل والمستشارين والمحاسيب تحت مسميات متنوعة ومبتكرة تمكن نفر من العاملين من الحصول علي مكافات ودخول تعادل الرواتب المشروعة مائة مرة وربما ألف مرة, كما تم ابتذال مبدأ التوظيف تحت بنود الكادرات الخاصة والمهارات الخاصة وغيرها لتعيين المحاسيب وأبناء كبار الموظفين بمرتبات ضخمة لاتتناسب مع مايحملونه من مؤهلات وسنوات خبرة, و كانت القاعدة العريضة من الموظفين تقاسي قلة الدخل وتنظر الي كل هذه الجرائم الإدارية بقهر وغيظ دون أن تستطيع التعبير عن غضبها حتي جاءت الثورة وانكشف المستور, وربما تثبت الايام ان القهر الوظيفي وإهدار العدالة في وضع الاجور كان من بين الاسباب المباشرة لخروج الناس تطالب بإسقاط النظام في يناير. لا أحد بالطبع يقر الاحتجاز او الاعتداء اللفظي او البدني علي قيادات العمل, ولكن وعلي الجانب الاخر فإن هذه القيادات التي ارتكبت كل هذه المعاصي الادارية لم يعد ممكنا السماح لها بالاستمرار في مواقعها تحت دعاوي المهنية والخبرة ونقص الكفاءات. وإذا كانت مرارة الظلم التاريخي قد تحولت بعد الثورة إلي انفلات في سلوك الموظفين فإن القيادات العاقلة هي تلك القادرة علي انقاذ مؤسساتها من كل أشكال الانفلات الوظيفي بنشر أجواء النزاهة والشفافية في أركان العمل.. وقبل كل شيء بإزالة المفاسد في هيكل الدخول وهو عمل شاق يبدأ اولا بتقريب الفارق بين الحدين الأقصي والأدني للاجور. المزيد من أعمدة عماد غنيم