أيام قليلة فصلت الإعلان عن مصرع أنور العولقي القيادي في القاعدة بطائرة أمريكية دون طيار في منطقة مأرب, والإعلان عن فوز الناشطة اليمنية توكل كرمان بجائزة نوبل للسلام. الخبران أحدهما ربما مفرح جدا للرئيس علي عبد الله صالح كونه يعزز دعم الإدارة الأمريكية لجهوده في مقارعة الإرهاب, لكن الثاني ربما لم يكن سعيدا كون كرمان واحدة من أبرز المطالبين بإسقاط نظام الرئيس صالح مستخدمة أشد عبارات النقد اللاذع والهجوم العنيف. وبعد يوم واحد من فوز كرمان بجائزة نوبل أراد الرئيس علي عبد الله صالح أن يخطف الأضواء ويفجر ما يشبه القنبلة السياسية رآها بعض خصومه قنبلة صوتية فقط عندما أعلن في لقاء مع بعض أعضاء مجلسي النواب والشوري أنه يرفض السلطة وسيرفضها في الأيام القادمة وسيتخلي عنها وعقب ذلك الإعلان كثرت التكهنات في داخل اليمن وخارجه عماهية ذلك وحقيقته ومدي التثبت من صحة هذا التوجه وإحتمال تحقيقه, لكن مستشار الرئيس صالح ورئيس دائرة الإعلام بحزبه سارعا بالتوضيح أن الرئيس صالح مستعد لترك السلطة ولكن عبر إنتخابات حرة وديمقراطية وأنه لن يسلم السلطة إلي ما يسمونهم الإنقلابيين والقتلة, في الوقت نفسه تتوقع دوائر سياسية أن يدعو الرئيس اليمني إلي إجتماع مشترك لمجلسي النواب والشوري لشرح التطورات وقد يعلن موقفا مرنا لتنفيذ المبادرة الخليجية قبيل مغادرته صنعاء لإستنئاف العلاج بالخارج. المعارضة اليمنية من جانبها تلقت تصريحات صالح بإستخفاف وسخرية وعدم إكتراث كعادتها, حيث رأت أنها مجرد فرقعة إعلامية تستهدف مخاطبة الخارج وأنه غير جاد في هذا الإعلان, خاصة مع توجه دولي لتصعيد قضية اليمن أمام مجلس الأمن وخشية صالح من عقوبات محتملة أو إجراءات قاسية من حلفائه الإقليميين والدوليين. ولم يختلف موقف شباب الساحات اليمنية عن موقف المعارضة إذا رأوا في ذلك مراوغة وكسبا للوقت مؤكدين عزمهم علي الإستمرار في إعتصاماتهم حتي سقوط النظام بالكامل. تصعيد دولي لكن عبده محمد الجندي نائب وزير الإعلام اليمني ينصح المعارضة بألا تراهن كثيرا علي صدور قرارات من مجلس الأمن. ويؤكد أن حل الأزمة اليمنية يجب أن يكون داخليا وعبر الحوار الوطني بعد أن قطعت المعارضة والسلطة نحو80% من الإتفاق علي بنود آلية تنفيذية لمبادرة الخليج علي حد قوله. ويؤكد الجندي أن الرئيس علي عبد الله صالح ما يزال رقما صعبا ومهما في عملية التسوية السياسية وأن تفويضه لنائبه لايزال ساريا للحوار مع الأحزاب حول التوصل إلي آلية تنفيذية والتوقيع عليها وعلي المبادرة الخليجية ووضعها موضع التطبيق, كاشفا عن استبدال نص إستقالة الرئيس في المبادرة بدعوته إلي إنتخابات رئاسية مبكرة. ويتوقع الجندي أن يمارس مجلس الأمن ضغوطا علي كل الأطراف اليمنية للعودة إلي الحوار والاتفاق علي آلية مناسبة للمبادرة الخليجية لأن الضغط علي طرف واحد قد يدفع البلاد إلي حرب أهلية أو صومال آخر علي حد قوله. وتتجه الأنظار اليوم الثلاثاء إلي نيويورك حيث من المقرر أن يعقد مجلس الأمن الدولي جلسة لإستعراض تقرير سيقدمه مبعوث الأممالمتحدة إلي اليمن جمال بن عمر عن المستجدات علي الساحة اليمنية في ضوء جولاته المكوكية الخمس. وتتوقع دوائر دبلوماسية أن يتخذ مجلس الأمن قرارا يطلبفيه من الرئيس اليمني علي عبدالله صالح تطبيق المبادرة الخليجية والنقل السلمي للسلطة في اليمن دون أي شروط, وأيضا مطالبة القوات الحكومية والقوات المنشقة عنها بوقف أعمال العنف والترهيب وإزالة الأسلحة من جميع الأماكن العامة, فضلا عن إدانة الخروقات لحقوق الإنسان. وتشير الدوائر الدبلوماسية إلي أن القرار قد لا يتضمن أي تهديد أو تلويح بمحكمة الجنايات الدولية في هذه المرحلة وذلك تلافيا لما حصل الأسبوع الماضي فيما يخص الشأن السوري, مؤكدا وجود شبه إجماع من الدول دائمة العضوية في المجلس لتبني قرار تجاه اليمن دون عرقلة أو اعتراضات. توكل كرمان وعلي قدر إنشغال الأوساط اليمنية بتصريحات الرئيس صالح ومدي التحول الذي يمكن أن تفعله في مستقبل البلاد, لايزال حصول الفتاة الثلاثينية توكل كرمان بجائزة نوبل يشغل اليمنيين رجالا ونساء, سلطة ومعارضة, مثقفين وأدباء كون الفوز جاء مفاجأة مدوية للجميع. فعلي مستوي ساحة التغيير كان الإعلان عن الفوز بمثابة ترياق الحياة للشباب المعتصمين والذين تسمرت أقدامهم في شوارع العاصمة لمدة تجاوزت8 أشهر ينتظرون بشغف أن يتغير واقع اليمن إلي الأفضل وأن يتمكنوا من إسقاط النظام علي غرار ما حدث في تونس ومصر. من جانبها لم تخب كرمان ظن الشباب بها وأعلنت تبرعها بالجائزة المالية إلي الخزينة العامة للدولة, بعد رحيل الرئيس علي عبد الله صالح ونظام حكمه. وتعهدت كرمان بملاحقة الرئيس صالح, ونظامه قضائيا لاستعادة جميع الأموال المنهوبة من قبلهم, كي تعاد هذه الأموال إلي خزينة الدولة, وتسخر لمصلحة أبناء الشعب اليمني. واشتهرت كرمان بمواقفها المناوئة للسلطة الحاكمة في اليمن, وتقود في سياق ذلك اعتصامات دورية أمام مجلس الوزراء منذ عدة سنوات للمطالبة بإطلاق الحريات الصحفية والإعلامية, وتضامنت مع مهجري الجعاشن وهم عشرات اليمنيين الذين طردهم أحد المشائخ من منطقتهم وأخيرا قادت مظاهرات أمام جامعة صنعاء كانت السبب المباشر في إندلاع الثورة الشبابية السلمية في اليمن. وتنحدر كرمان من أسرة ريفية من منطقة مخلاف شرعب في محافظة تعز, ووفدت أسرتها مبكرا إلي صنعاء مهاجرة كغيرها من أسر اليمن التي تتوجه نحو العاصمة بحثا عن فرص عمل. وولدت توكل عام1979 م, وهي متزوجة ولديها أربعة أبناء هم ولاء وعلياء ومحمد وإبراهيم ويعتبر والدها عبد السلام كرمان قياديا كبيرا في حزب التجمع اليمني للإصلاح المعارض ويشغل حاليا عضو مجلس الشوري وشغل منصب أول وزير للشئون القانونية في اليمن بعد تحقيق الوحدة عام1990. حيثيات الفوز وترأس كرمان حاليا منظمة صحفيات بلا قيود منذ عام2005, وهي عضو مجلس الشوري في التجمع اليمني للإصلاح, كما أنها كاتبة صحفية في العديد من الصحف والمواقع الالكترونية منذ عام2001 ومدربة في مجال مكافحة الفساد, حقوق الإنسان, المهارات الإعلامية. تخرجت في جامعة العلوم والتكنولوجيا بكالوريوس تجارة عام1999 بتقدير جيد جدا, وبعدها حصلت علي الماجستير في العلوم السياسية وتحمل دبلوم عام تربية بتقدير جيد جدا في عام2000 من جامعة صنعاء, إضافة إلي دبلوم كامبردج في اللغة الانجليزية وآخر في البرمجة اللغوية العصبية. وتحمل عددا من العضويات في مؤسسات مدنية محلية وعالمية, أبرزها عضو نقابة الصحفيين اليمنيين, عضو اتحاد الصحفيين العرب, عضو اتحاد الصحفيين العالميين, عضو صحفيين لمناهضة الفساد, عضو المنظمة الدولية للصحافة وعضو مؤسس منتدي لدول غرب آسيا وشمال إفريقيا وعضو منظمة الخط الأمامي وعضو منظمة العفو الدولية. ساهمت كرمان في صياغة العديد من التقارير السنوية الراصدة لحرية التعبير, في اليمن, كما ساهمت في إعداد التقرير السنوي الأول والثاني لصحفيين لمناهضة الفساد حول الفساد في اليمن ووضع الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان, والإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد وأشرفت وأخرجت العديد من الأفلام التسجيلية المعنية بالحقوق والحريات والحكم الرشيد في اليمن منها فيلم دعوة للحياة حول ظاهرة الانتحار في اليمن, وفيلم المشاركة السياسية للمرأة في اليمن, وفيلم تهريب الأطفال في اليمن. وقادت العديد من الإعتصامات والتظاهرات ضد الانتهاكات التي تطال حقوق الإنسان منها: أكثر من80 اعتصاما في2009 و2010 م للمطالبة بإيقاف المحكمة الاستثنائية المتخصصة بالصحفيين, وضد إيقاف الصحف, وضد إيقاف صحيفة الأيام, و5 اعتصامات في2008 ضد إيقاف صحيفة الوسط, و26 اعتصاما في عام2007 للمطالبة بإطلاق تراخيص الصحف وإعادة خدمات الموبايل الإخبارية. وشاركت في العديد من الإعتصامات والمهرجانات الجماهيرية في جنوب اليمن المنددة بالفساد والمطالبة بحقهم في الشراكة في السلطة والثروة علي رأسها اعتصام ردفان والضالع. وكرمت توكل كأحدي النساء الرائدات من قبل وزارة الثقافة اليمنية وبيت الشعر اليمني, كما حصلت علي شهادة المرأة الشجاعة من السفارة الأمريكية للعام2009 م وتم ترشيحها من قبل مراسلو بلا حدود ضمن سبع نساء في العالم قمن بالتغيير. واختارتها مجلة التايم الأميركية بالمرتبة الثالثة عشر في قائمة أكثر مائة شخصية مؤثرة في العالم لعام2011 حسب اختيار قراء المجلة, وتم تصنيفها ضمن أقوي500 شخصية علي مستوي العالم, وحصلت أيضا علي جائزة الشجاعة من السفارة الأمريكية. وما بين' نوبل كرمان' و' إعلان صالح' يستمر الجدل في اليمن بشأن الخروج من المأزق السياسي العميق الذي تعيشه البلاد, وسط ترقب ومخاوف من إنهيار الجهود السياسية وتعثر فرص التفاهم والحوار, وقلق من أن يصبح الرصاص هو الصوت الأعلي خاصة مع إستمرار الحشود والإستعدادات العسكرية والمواجهات المتقطعة بين المؤيدين لصالح والمناوئين له ومع حالة الإحتقان الشديدة التي يغذيها إعلام الطرفين. لكن دعوات الملايين من اليمنيين تهتف من القلوب بأن تنفرج الكربة ويحل السلام علي بلد إقتنصت إحدي بناته جائزة السلام.