هل نسير في الطريق الصحيح تجاه الخروج من عنق الزجاجة, والسعي نحو التقدم المنشود؟!.. أم أننا ندور في حلقة مفرغة لا نبرح مكاننا, وقد ركنا إلي وهم الشعارات والأماني وسراب الأمل دون اجتهاد حقيقي وفاعل, ودون الأخذ بأسباب وشروط التقدم؟! منذ كم سنة أو عقد ونحن نشكو من تداعيات وأضرار هطول الأمطار الغزيرة علي مدننا وعلي الأخص القاهرة؟!.. وكم مرة قرأنا وسمعنا عن تصريحات المسئولين والخبراء الحازمة بالشروع في إقامة بلاعات ومصاف في الشوارع لتصريف مياه الأمطار, ومتابعة صيانتها؟! وعندما فتحت السماء أبوابها عن وابل من الأمطار الغزيرة علي مدننا ارتبكت الحياة في مصر, وضربت الجهات المسئولة أخماسا في أسداس!! وقرأنا في الأهرام عن فشل جهود المحليات في شفط المياه وسط تكون بحيرات من الأمطار, ولجأت الأجهزة المحلية إلي استخدام المقشات البدائية لكسح المياه المتراكمة في الشوارع والميادين.. وتعطل مترو الأنفاق ثلاث ساعات متصلة!! وانقطعت الكهرباء عن مناطق عديدة في مصر.. وانفجرت كابلات كهربائية في بعض الطرق.. وحدثت حرائق نتيجة ماس كهربائي في أعمدة الإنارة وبوكسات الكهرباء المكشوفة!.. وتعطلت حركة المرور في الشوارع والمحاور الرئيسية, وغاص الناس في برك الوحل, ووقعت العديد من الحوادث والانهيارات في المساكن المتهالكة وعشش الإيواء في بعض المحافظات والمناطق العشوائية.. ولقي عشرون شخصا مصرعهم بالإضافة إلي139 آخرين, وحدثت أعطال في شبكات المحمول, وتأخرت رحلات كثيرة للطيران بعد أن سادت حالة من الارتباك والفوضي في مطار القاهرة الدولي!!.. فماذا فعل المسئولون وأهل الاختصاص طوال السنوات والعقود الماضية, وهم يخرجون علينا دوما بتصريحاتهم الوردية؟! إن هذه التداعيات والأضرار المؤسفة مع أزمات عديدة متكررة مثل الإسكان والمرور والقمامة وأنابيب البوتاجاز ورغيف العيش والسكر والأسمدة, فضلا عن كوارث القطارات والعبارات منتهية الصلاحية ومعديات الترع ونهر النيل وحوادث الطرق المروعة بسبب غياب الرقابة المرورية وسوء حالة الطرق وكذلك السيول الجامحة في سيناء وبعض مدن وقري الصعيد.. هذه الأزمات والكوارث التي كشفت لنا بجلاء عجزا وفشلا إداريا بامتياز, توضح إلي أي مدي وصل التقصير والاستهتار, وعدم الإحساس بالمسئولية وخيانة أمانة الوظيفة والمنصب.. إن الأمطار تهطل في الدنيا كلها من حولنا, وبمعدلات أكبر بكثير, ومع ذلك تمضي الحياة عندهم بشكل طبيعي دون أضرار أو حوادث, نحن لا نتعلم.. بل لا نريد أن نتعلم!.. وقد أدمنت الإدارة في بلادنا مواجهة الكوارث والأزمات والقضايا الشائكة بمدافع التصريحات وصواريخ الوعود وفهلوة البيانات!! وقبل شهرين عرفنا بمأساة التشققات والشروخ التي ظهرت في مبني معهد الأورام القومي الجديد الذي لم يمر علي إنشائه عشرون عاما!! ثم فوجئ المصريون بواقعة صادمة أخري وهي التجاوزات التي حدثت في قرارات العلاج علي نفقة الدولة من جانب بعض أعضاء مجلس الشعب!! مسلسل يبدو أن لا نهاية له من الفساد وإهدار المال العام بعد أن فقد الكثيرون في شتي المواقع غيرتهم وحرصهم علي مصالح هذا الوطن إلا من رحم ربي.. إن المنظومة الإدارية في مصر لم تعد قادرة علي المضي قدما في الطريق نحو المستقبل.. إنها في الواقع لم تعد قادرة حتي علي إنقاذ الحاضر!! هذه المنظومة لابد أن تتغير من الجذور. محمد سعيد عز