يتهافت المرضي للبحث عن وسيط ليستخرج لهم قرار علاج علي نفقة الدولة, وأذكر واقعة حدثت أمامي عندما كنت في زيارة أحد المستشفيات الحكومية, حيث حضر مريض في حالة تقتضي التعجيل بالعلاج, فقرر الطبيب الاخصائي ادخاله لعلاجه في حينه بالقسم الداخلي بالمستشفي لسوء حالته المرضية إلا أن المريض رفض وأصر علي عدم دخوله للمستشفي حتي يحصل علي قرار من وزارة الصحة ليكون علاجه علي نفقة الدولة, فأبلغه الطبيب بأن ما سيحصل عليه من علاج وعناية سواء بقرار أو بدون قرار هو بذات الامكانات الضعيفة المتاحة في المستشفي, وما يحتاجه زيادة علي ذلك سيطلب منه أو من أقاربه شراؤه من الخارج, فأصر المريض المتعلق بالسراب علي رفض دخول المستشفي وخرج يبحث عن وسيط ذي نفوذ ليستصدر له القرار, وطبعا لا أدري ماذا كان مصيره؟! وهناك تفاوت بين من يحصلون علي القرار لعلاجهم بالداخل ومن يحصلون علي قرار العلاج بالخارج. فالأول يذهب للمستشفي وليس معه إلا هذه الورقة التي يظن أنها عصا موسي ويتم العلاج بإمكانيات المستشفي المحدودة والثاني يذهب للمستشفي خارج مصر ومعه جميع تكاليف العلاج مسبقا, وبينهم المجموعة التي تحصل علي قرار للعلاج في الداخل بأحد المستشفيات الاستثمارية وهم المحظوظون حيث امكان العلاج متوافر لديها ولا يعوقها تأخر وصول تكلفة العلاج بسبب الروتين. والتوجه هنا أو هناك يتم حسب درجة نفوذ الوسيط أوتدخل مسئول كبير لنواح إنسانية يشكر عليها. وقد سمعت من أحد اصحاب مراكز غسيل الكلي الخاصة ان لديه العديد من قرارات العلاج علي نفقة الدولة منذ عدة سنوات ولم يحصل علي شيء من هذه التكاليف, وأصبح يفكر في رفض مرضي القرارات إلا أن ضميره يمنعه من ذلك. لذلك اقترح أن يقوم المستشفي مع وزارة الصحة المسئولة دستوريا عن صحة المواطن بإجراء حصر لما سبق اعتماده من قرارات لكل مستشفي في السنوات الثلاث الأخيرة, وتخصيص المتوسط السنوي الذي تقرر علي الورق ليصل إلي المستشفي مع الميزانية المخصصة, ويتم تقييم ذلك دوريا ليزيد أو ينقص حسب مقتضي الحال. وفي حالة تتنفيذ ذلك يتوجه المريض مباشرة للمستشفي دون اللجوء إلي وسطاء لاستخراج قرار علاج كما يحدث حاليا, وبذلك يمكن الحد من نفوذ الوسطاء أو السماسرة ويوقف العلاج بالخارج إلا في حالة استحالة العلاج بالداخل. فإذا تم توزيع ميزانية العلاج علي المستشفيات بالقسطاس المستقيم تكون الحكومة قد حققت فعلا مبدأ العلاج علي نفقة الدولة وأصبح حقيقة ليس سرابا وإذا صاحب ذلك اتساع مظلة التأمين الصحي فسيكون هذا نقطة بيضاء يمكن أن تذكرها الجماهير عند مغادرة الحكومة لموقعها ويدعون لهم يكفيكوا شر المرض.