حريق سنترال رمسيس، وزارة الطيران تعلن إقلاع جميع الرحلات التي تأثرت بعطل بشبكات الاتصالات والإنترنت    ‌جيش الاحتلال يعلن مقتل 5 جنود وإصابة 14 آخرين بعضهم بحالة خطرة في اشتباكات بيت حانون (صور)    في مثل هذا اليوم، شوقي غريب يقود منتخب مصر لبرونزية مونديال الشباب    رغم غيابه عن الجنازة، وعد كريستيانو رونالدو لزوجة ديوجو جوتا    شاهد، كيف توقع تامر حسني بحريق سنترال رمسيس وانقطاع الإنترنت في مصر    أسماء 39 مصابا في حريق سنترال رمسيس (صور)    طقس اليوم الثلاثاء، ذروة الموجة الحارة ورياح وشبورة كثيفة على هذه المناطق    بيونسيه وذا ويكند يتعاونان في أغنية لكأس العالم 2026    احمي نفسك وأنقذ غيرك، هيئة الدواء تطالب بهذا الإجراء فورا حالة ظهور أي آثار جانبية للأدوية    التأمين الصحي ببني سويف يبدأ تنفيذ خطة محكمة لتنظيم الكشف الطبي للطلاب    ترامب يفرض رسومًا جمركية على 14 دولة (تعرف عليها)    من البيت.. طريقة استخراج جواز سفر مستعجل إلكترونيًا (الرسوم والأوراق المطلوبة)    وزير الاتصالات يصل موقع حريق سنترال رمسيس    «معايا هيبقى حاجة تانية».. عبد الواحد السيد: جوميز طلب بيع زيزو والتعاقد مع نجم سيراميكا    ماذا قدم تشيلسي أمام الأندية البرازيلية قبل مواجهة فلومينينسي؟    هشام يكن: جون إدوارد و عبد الناصر محمد مش هينجحوا مع الزمالك    وسط صراع ثلاثي.. الأهلي يحدد مهلة لحسم موقف وسام أبوعلي    سبب تأخر انضمام صفقتي الزمالك للتدريبات.. الغندور يكشف    طلب إحاطة عاجل بسبب توقف خدمات الاتصالات والإنترنت والمصارف عقب حريق سنترال رمسيس    هبوط مفاجئ في عيار 21 الآن.. أسعار الذهب اليوم الثلاثاء 8 يوليو 2025 بالصاغة محليا وعالميا    شعبة المخابز تحذر من احتمالية تعطل شبكة صرف الخبز بعد حريق سنترال رمسيس    نظام البكالوريا الجديد.. التعليم تكشف ملامح مشروع بديل للثانوية العامة بشكل أكثر مرونة    فريد البياضي: هل يُعقل أن يشلّ حريقٌ في سنترال واحد الدولة؟ أطالب بمحاسبة المقصرين في تأمين منشآت الاتصالات    آخر تطورات حريق سنترال رمسيس فى تغطية خاصة لليوم السابع (فيديو)    بعد حريق سنترال رمسيس.. «إسعاف المنوفية» ينشر أرقام الهواتف الأرضية والمحمولة البديلة ل 123    رابط تنسيق الدبلومات الفنية 2025.. مؤشرات كليات ومعاهد دبلوم صناعي 3 سنوات    وفاء عامر تتصدر تريند جوجل بعد تعليقها على صور عادل إمام وعبلة كامل: "المحبة الحقيقية لا تُشترى"    أحمد السقا ينشر صورًا من العرض الخاص لفيلم «أحمد وأحمد» من الرياض    «غفران» تكشف التفاصيل.. كيف استعدت سلوى محمد على لدور أم مسعد ب«فات الميعاد»؟    ترامب: إيران لن تصبح دولة نووية.. وآمل أن تكون الحرب مع إسرائيل قد انتهت    نتنياهو: سكان قطاع غزة يمكنهم البقاء أو المغادرة طواعية.. وترامب يستحق جائزة نوبل للسلام    نتنياهو: إيران كانت تدير سوريا والآن هناك فرصة لتحقيق الاستقرار والسلام    ترامب: حماس تريد وقف إطلاق النار فى غزة ولا أعتقد وجود عراقيل    البيت الأبيض: مجموعة بريكس تسعى إلى تقويض المصالح الأمريكية    التعليم العالي يوافق على إنشاء جامعة العريش التكنولوجية.. التفاصيل الكاملة    5 وظائف جديدة في البنك المركزي .. التفاصيل والشروط وآخر موعد ورابط التقديم    وزير العمل: صرف نحو 23 مليون جنيه كتعويضات للعمالة غير المنتظمة في 2024    اتحاد بنوك مصر: البنوك ستعمل بشكل طبيعي اليوم الثلاثاء رغم التأثر بحريق سنترال رمسيس    على خلفية حريق سنترال رمسيس.. غرفة عمليات ب «صحة قنا» لمتابعة تداعيات انقطاع شبكات الاتصالات    استشهاد 16 فلسطينيا في غارات الاحتلال على النصيرات وغزة    سعر الفراخ البيضاء والساسو وكرتونة البيض الأبيض والأحمر بالأسواق اليوم الثلاثاء 8 يوليو 2025    لا تتسرع للاستنتاجات.. حظ برج القوس اليوم 8 يوليو    انطلاق فعاليات معرض مكتبة الإسكندرية الدولي للكتاب في دورته ال 20.. المعرض بمشاركة 79 دار نشر مصرية وعربية.. 215 فعالية ثقافية على هامش المهرجان ل 800 محضر.. خصومات تصل إلى 30%.. فيديو وصور    جمال عبد الحميد: دخلت السينما وسط تهافت المنتجين.. واعتزلت فجأة بعد خطبة جمعة    عماد الدين حسين: العلاقات المصرية الصومالية تاريخية وجرى ترفيعها لآفاق الشراكة الاستراتيجية    في حريق سنترال رمسيس.. وجميع الحالات مستقرة    «درجة تانية».. سيف زاهر يكشف رحيل نجم الزمالك للدوري السعودي    أهم طرق علاج دوالي الساقين في المنزل    الدكتورة لمياء عبد القادر مديرًا لمستشفى 6 أكتوبر المركزي (تفاصيل)    لعلاج الألم وتخفيف الالتهاب.. أهم الأطعمة المفيدة لمرضى التهاب المفاصل    السعيد غنيم : مشاركتنا في القائمة الوطنية تأكيد على دعم الدولة ومؤسساتها الدستورية    مدارس البترول 2025.. الشروط والأوراق المطلوبة للتقديم    رئيس جامعة المنوفية يكرم أساتذة وأوائل الدفعة السادسة بكلية علوم الرياضة    وفقا للحسابات الفلكية.. تعرف على موعد المولد النبوي الشريف    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : الفساد صناعة ?!    (( أصل السياسة))… بقلم : د / عمر عبد الجواد عبد العزيز    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : حالة شكر.""؟!    نشرة التوك شو| الحكومة تعلق على نظام البكالوريا وخبير يكشف أسباب الأمطار المفاجئة صيفًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ليس من الإسلام
نشر في الأهرام اليومي يوم 06 - 10 - 2011

ثمة كثيرون أحضرتهم الثورة من عالم الصمت والظلال إلي عالم الصخب والإبهار‏.‏ من بين هؤلاء رجل لطيف‏;‏ عصري المظهر واللباس‏,‏ حليق الذقن والشارب‏,‏ وعلي جبهته ينسدل شعره الطويل الناعم‏.‏ وحين يدرك المرء أن هذا الوجيه العصري هو أحد أفراد الفيلق الإعلامي لجماعة الإخوان المسلمين‏,‏ فإنه قد يندفع إلي الظن بأن الإلحاح علي الظهور الطاغي لهذا الرجل بالذات هو- وبصرف النظر عن مضمون ما يقوله- أمر مقصود بذاته للإيهام بحداثة الجماعة وعصرانيتها.
وإذن فلعله يبدو وكأن الجماعة علي وعي بأنها تخوض حرب الصورة في ما يقال أنه عصر الصور; وبحيث راحت تسعي لتثبيت صورة لمنتسبيها في مخيلة الناس تختلف عن تلك التي استقرت لهم قبل ذلك; وهي صورة تستوفي كل مفردات العصر الحداثي الراهن. وللإنصاف فإن الأمر يتجاوز مجرد خلق الإيهام عبر إستخدام الصورة العصرية للرجل إلي ما يبدو من أن مفردات الخطاب الذي تدور به إسطوانته, كل ليلة تقريبا, قد راحت تختلف, بدورها, عن تلك المتداولة في خطاب الجماعة; ولكن مع ملاحظة أن هذا الاختلاف لا يتعدي حدود مجرد الشكل والصورة أيضا.
وإذ يكتفي أقران هذا الرجل العصري وإخوانه, بالتفكير في دولة مدنية ذات مرجعية إسلامية; وبما يعنيه ذلك من الإقرار الضمني بأن الدولة المدنية قد انبثقت خارج الإسلام, بل والدين علي العموم, ولهذا فإنهم يريدون لها أن تتخذ من الإسلام مرجعا لها, فإن هذا الوجيه العصري يتجاوز ذلك إلي القطع بأن الدولة المدنية, بل وكل مفردات الظاهرة السياسية الحديثة, قد حضرت( فكرة ومضمونا وإجراء) إلي الوجود مع الإسلام وحده. وبالطبع فإن ذلك يجعل الرجل من نوع المسلم الذي لم يجد السيد رشيد رضا- تلميذ محمد عبده ومريده- توصيفا له إلا أنه ما إن يتعرض لظاهرة حديثة( سياسية أو حتي علمية أو غيرها) إلا ويفكر أن هذا من الإسلام. وبحسب هذا النوع من التفكير, فإن الإسلام هو أصل كل شئ ومصدره بالإحداث والإنشاء, وليس بالتأويل والإلحاق; وعلي النحو الذي يبدو معه أن الأمر لا يتعلق بتأويل يقرأ تطورا لاحقا( كالدولة المدنية) في أصل سابق( هو الإسلام), بل بإنشاء الأصل السابق(الإسلام) للتطور اللاحق( الدولة المدنية).
وضمن سياق هذا التمييز, فإنه إذا كان مأزق القول بمرجعية إسلامية للدولة المدنية يتمثل فيما ينتهي إليه- خصوصا مع تصور هذه المرجعية علي أنها المنظومة الفقهية المتحدرة من السلف- من تكريس التمييز( ضد المرأة وغير المسلمين والأدني إجتماعيا وعرقيا), وعلي النحو الذي يتعارض مع جوهر ما تقوم عليه الدولة من إلغاء كل أشكال التمييز, فإن مأزق ما يقول به الوجيه العصري من أن الإسلام كان هو فقط الذي أحضر الدولة المدنية إلي الوجود, يتآتي مما لابد أن يترتب علي هذا القول حتما من أن الإسلام هو أصل الدولة المدنية بالإنشاء والإحداث, وليس بالإضافة والإلحاق. فالسابق, عنده, هو الذي أنشأ اللاحق وأحدثه من العدم. وبالطبع فإنه كان يمكن أن تكون لهذا القول مشروعيته ومنطقيته لو أن هذا التطور اللاحق قد انبثق ضمن سياق التجربة التاريخية للإسلام, أو أن من أحدثوه كانوا ممن ينتمون إليه ويؤمنون به, ولكن المأزق يتأتي من أنه قد تبلور خارج هذه التجربة; فضلا عن أن من أحدثوه كانوا من غير المسلمين فعلا. يتأتي المأزق, إذن, من أن الإسلام الذي هو السابق, في الترتيب التاريخي, لا يمكن أن يكون- والحال كذلك- أصلا لتطور الدولة المدنية اللاحق إلا بالإضافة والإلحاق; أو- في كلمة واحدة- بالتأويل. وبالطبع فإنه لا سبيل لتجاوز هذا المأزق( في شكليه السابق الإشارة إليهما) إلا عبر الوعي بالأساس التأويلي الذي تقوم عليه العلاقة بين الإسلام, من جهة, والظاهرة السياسية الحديثة متمثلة في الدولة المدنية من جهة أخري.
في أبسط معانيها, فإن التأويلية تعني أن تنفتح الواحدة من منظومتين محددتين( كالإسلام والظاهرة السياسية الحديثة مثلا) علي الأخري, ولكن بكيفية تخلو من التضحية بجوهر إحداهما لحساب الأخري, أو فرض إحداهما علي الأخري علي نحو من الإكراه والتعسف. وبالطبع فإنه لا سبيل إلي هذا الانفتاح بين الواحدة من المنظومتين والأخري إلا عبر الوعي بجوهر ما تقومان عليه في العمق, وفيما وراء مجرد أشكالهما الظاهرة; وبمعني أن يكون الإسلام موضوعا لوعي يتجاوز الشكل الذي تركه عليه القدماء, وذلك بمثل ما تكون الدولة المدنية موضوعا لفهم يتجاوز محض حضورها الإجرائي الشكلي. ولسوء الحظ, فإن فعل الوعي يغيب عن الممارسة الراهنة, ولا يبقي حاضرا إلا فعل الفرض والطمس. فإنه إذا كان أصحاب القول بالدولة المدنية ذات المرجعية الإسلامية يفرضون علي تلك الدولة من المنظومة الفقهية المتوارثة ما يؤدي إلي التضحية بجوهر ما تقوم عليه, فإن صاحب القول بأن الإسلام هو الذي أحضر الدولة المدنية إلي الوجود يتجاوز مجرد الفرض للإسلام علي الظاهرة السياسية الحديثة إلي التضحية بالوجود الذاتي لهذه الظاهرة من الأصل. وتبعا لذلك, فإن المنظومتين- بحسب هؤلاء- لا تنفتح الواحدة منهما علي الأخري في حوار منتج, توسع فيه الواحدة منهما الأخري وتتسع بها في الآن نفسه, بل تهدد إحداهما الأخري وتضيق بها; وذلك علي النحو الذي يجعل من التعامل الراهن مع الظاهرة السياسية الحديثة في علاقتها مع الإسلام, تعاملا عقيما وفاسدا.
وإذا كان فساد هذا التعامل وعقمه يتأتي من إنكار التأويلية كأساس للعلاقة بين منظومتي الإسلام والظاهرة السياسية الحديثة, فإن ما يثير الاندهاش, حقا, أن سلفا كبيرا, في وزن السيد رشيد رضا الذي يمكن اعتباره رائدا للأستاذ البنا مؤسس جماعة الإخوان, قد كتب- قبل أكثر من مائة عام- ما يشي بفهم أكثر وعيا واستنارة, من ذلك الذي يثرثر به أحفاده المتأخرون, لعلاقة الإسلام بالظاهرة السياسية الحديثة. فقد كتب الرجل في( المنار): لا تقل أيها المسلم إن هذا الحكم( الدستوري الحديث) أصل من أصول ديننا, ونحن قد استفدناه من الكتاب المبين ومن سيرة الخلفاء الراشدين, لا من معاشرة الأوروبيين والوقوف علي سيرة الغربيين. فإنه لولا الاعتبار بحال هؤلاء الناس, لما فكرت أنت وأمثالك أن هذا من الإسلام, ولكان أسبق الناس إلي الدعوة إلي إقامة هذا الركن علماء الدين في الأستانة وفي مصر ومراكش; وهم الذين لا يزال أكثرهم يؤيد حكومة الأفراد الإستبدادية ويعد من أكبر معاونيها, ولما كان أكثر طلاب حكم الشوري المقيد هم الذين عرفوا أوروبا والأوروبيين...ألم تر إلي بلاد مراكش, الجاهلة بحال الأوروبيين, كيف تتخبط في ظلمات استبدادها, ولا تسمع من أحد كلمات شوري مع أن أهلها من أكثر الناس تلاوة لسورة الشوري, ولغيرها من السور التي شرع فيها الأمر بالمشاورة وفوض حكم السياسة إلي جماعة أولي الأمر والرأي....(وإذن) فلولا اختلاطنا بالأوروبيين, لما تنبهنا من حيث نحن أمة أو أمم إلي هذا الأمر العظيم. وهكذا فإنه لولا ما حققه الأوروبيون في مجال الظاهرة السياسية الحديثة وغيرها, لما كان للمسلم- بتعبير رضا- أن يفكر أن هذا من الإسلام أصلا.
وليس من شك في أن فعل التفكير الذي ينسبه رضا إلي المسلم- في هذا السياق- ليس تفكير ابتكار وإبداع, بل تفكير إلحاق واستتباع, علي الطريقة العتيقة للفقهاء; وأعني من حيث ما يبدو من أن فعل التحقيق والإبداع كان مقصورا- في اللحظة التي كتب فيها نصه, ولا يزال علي نفس الحال للآن- علي الأوروبيين وحدهم, وذلك فيما لا يعرف المسلمون إلا فعل الاستتباع والإلحاق. وبالطبع فإنه لو كان للمسلمين أن يمارسوا فعل التحقيق والإبداع, لكان لهم أن يجادلوا بأن إسلامهم السابق هو أصل إبداعهم اللاحق. وأما أن يتركوا للأوروبيين فعل الإبداع ويكتفي المسلمون بفعل الإلحاق, فإنه ليس لهم أن يضيفوا إبداع غيرهم اللاحق إلي أصلهم السابق; أو أن هذه الإضافة هي من قبيل قراءة اللاحق في السابق; التي تظل قراءة تأويلية أبدا.
ولعله ليس من تفسير لهذا التباين بين موقف رشيد رضا وموقف أحفاده المتأخرين إلا أنه فيما كانت المعرفة وتنوير الأذهان- ولو بخصوص هذه المسألة المتعلقة بالإسلام والسياسة الحديثة بالذات- هي شاغل تلميذ الأستاذ الإمام, فإن أحفاده من مؤدلجي الإسلام المتأخرين, قد غرقوا في مستنقع الإيديولوجيا إلي ما بعد أذقانهم. وغني عن البيان أن إنكار التأويلية من جانب هؤلاء المؤدلجين للإسلام إنما يرتبط بأن القصد عندهم ليس تنوير الأذهان بقدر ما هو التجييش وحشد الأتباع. وبالطبع فإنه ليس من سبيل أمامهم لفعل ذلك إلا من خلال نفي التأويلية عن تلفيقاتهم الإيديولوجية للإسلام, ليضفوا عليها قداسة المتعالي الذي يتعدي بها حدود الأفهام إلي محض التلقي والإذعان.
المزيد من مقالات د.على مبروك


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.