بعد مرور نحو شهر علي جرائم الشغب وجرائم النهب في بريطانيا والتي شكلت صدمة للمجتمع البريطاني الذي لم يتعود علي هذا النوع من الانفلات الأمني. فإن السلطات البريطانية اتخذت تدابير سريعة للقضاء علي هذا السلوك الإجرامي الذي تشابه كثيرا مع ظاهرة إنتشار البلطجية والمسجلين خطر في مصر, وبدأت تستخلص دروسا مهمة من هذه المحنة القاسية وتضع قواعد لكيفية التعامل معها ومنع تكرارها واستئصالها من جذورها. وكانت الصحف البريطانية قد هاجمت الشرطة بعنف فور اندلاع أعمال الشغب ولكن ليس بسبب طريقة المعاملة مع المجرمين ولكن بسبب انسحابها وعدم الضرب بيد من حديد علي هؤلاء الخارجين علي القانون, فقد تصدر صحيفة الديلي تليجراف مانشيت حكم البلطجية في حين جاء مانشيت التايمز البلطجية يحكمون والشرطة تنسحب من الشوارع وتركزت الدراسات التي قامت بها الشرطة والسلطات المسئولة طوال الأيام التي تلت أعمال الشغب علي جانبين, الأول من هم هؤلاء الذين أثاروا الشغب؟, والثاني الطريقة التي سيتم التعامل بها معهم. وكان ملفتا للنظر ما كشفت عنه مصادر في إستنكتلند يارد ونشرته صحيفة التايمز البريطانية من أن التعامل مع هذه الظاهرة الخطيرة لن يتوقف عند حد اعتقال2000 شخص من المشتبه فيهم, لكن سيشمل مطاردة هذه النوعية من المجرمين إلي فترة أطول قد تستمر لمدة سنتين علي الأقل. وبالنسبة للجانب الأول, فبالرغم من تعدد الآراء حول تحديد طبيعة هؤلاء المشاغبين, وهل هم مجرد أشخاص انفعاليين أم أنهم مجرمين بطبيعتهم, فإن التقارير الأمنية من مختلف الجهات المختصة بالعمل المخابراتي والأمني اتفقت علي أنهم لم يكونوا مجرد متظاهرين محتجين بل أنهم مجرمون عاديون ولهم سجل إجرامي, وهو ما أكده وزير العدل كيف كلارك في تصريح لصحيفة الجارديان. كما أن المعلومات التي ذكرها بوريس جونسون عمدة لندن تقول أن ثلاثة أرباع المقبوض عليهم حتي الآن في أحداث الشغب لهم سجل جنائي,في حين أن الباقي شاركوا في أعمال الشغب لمجرد المشاركة والإستمتاع, حيث تداول عدد كبير منهم رسائل علي التليفون المحمول تقول شاركوا معنا في هذه المتعة. ومن أجل الوصول إلي بقية المتورطين في هذه الجريمة والذين هربوا, فقد تم توسيع دائرة الإشتباه, وكلفت الشرطة بالعمل طوال24 ساعة متصلة في استعراض الصور التي التقطتها كاميرات الشوارع والمحال الكبري والمؤسسات والتي وصلت مدتها إلي أربعين ألف ساعة, كما تعهدت بملاحقة كل من تتعرف علي هويته من هذه الصور. ويستخدم البوليس البريطاني أحدث أحهزة تجسيم للصور بحيث تظهر الملامح فيها شديدة الوضوح ويمكن التعرف علي أصحابها, ويعمل في هذا المجال مئات من الخبراء من رجال الشرطة المدربين. واعتبرت الحكومة البريطانية أن مهمتها الأولي الأن هي فرض القانون والنظام وقد ساعدها في ذلك وجود إتفاق شعبي عام علي تفويضها لاتخاذ إجراءات متشددة للغاية ضد الذين ينتهكون القانون, وظهور مؤشرات من جانب كافة البريطانيين علي أنهم سيكافئون حكومة المحافظين الحالية بإعطائهم أصواتهم في الانتخابات القادمة إذا نجحت في القضاء التام علي هذه الظاهرة الإجرامية. وهو ما شجع جيمس كاميرون رئيس الوزراء البريطاني إلي تهديد البلطجية بقوله ستشعرون بقوة القانون, كما أضاف قائلا من وصل إلي السن الذي يجعله يرتكب مثل هذه الجرائم فسنه يسمح له بتلقي العقوبة أيضا. واضاف كاميرون أن مثيري الشغب ممن يسكنون في مساكن اجتماعية يجب طردهم منها فقد وفرتها الحكومة لمحدودي الدخل من الشرفاء وبعد أن سمح البلطجية لأنفسهم بالسرقة والنهب وإثارة الفزع بين الناس فيجب أن يبحثوا عن مسكن خاص بأسعار عالية لكن كان عليهم أن يفكروا في العواقب قبل أن يسرقوا ويهددوا أبناء الشعب. وقال أحد خبراء الأمن من رجال الشرطة السابقين, أن مثيري الشغب صغار السن يجب أن يشعروا بالخوف من الشرطة ومن إمكانية مواجهة أشد أنواع العقاب, فهؤلاء المشاغبين الصغار عادة ما يميلون لتحدي الشرطة لذلك يجب أن يترسخ داخلهم أن سلوكهم مرفوض ولن يسمح به المجتمع بأكمله. وأضاف كذلك أنه عندما يتم التسامح مع إثارة الشغب علي نطاق ضيق فإن ذلك يعطي لها الفرصة للاتساع وعدم السيطرة, لذلك يجب ترسيخ مبدأ أنه لا تسامح مع الشغب والإجرام. كما يجب أن تتعامل الشرطة بشكل دستوري وثابت سواء في المناطق الغنية أو الفقيرة وهو ما يعطي الإحساس للجميع أن لا أحد فوق القانون. ولقد طرحت أمام الشرطة البريطانية مجموعة من البدائل للتعامل مع وضع الانفلات الأمني, ثم استقر الأمر علي اتخاذ مجموعة من القرارات العاجلة مثل مضاعفة أعداد الضباط المختصين بمكافحة الشغب والذين يبلغ عددهم2500 ضابط, وهو ما أشار إليه تيم جودوين رئيس إدارة بوليس مدينة لندن. ومن هذه الإجراءات أيضا استدعاء الضباط الذين كانوا في إجازات مرضية طويلة للعودة إلي العمل تعويضا لقلة عدد أفراد الشرطة المتوفرين لمواجهة هذه الجرائم. إن الإجراءات العاجلة التي اتخذتها الشرطة ومنها سرعة التعامل مع البلطجية والمجرمين بإلقاء القبض علي أعداد كبيرة منهم ثم ملاحقة بقية المشتبه فيهم وتقديمهم لمحاكمات عاجلة قد نجحت في دفع أعداد كبيرة من هؤلاء المجرمين إلي الاختفاء في الجحور, ولكن لأنهم بطبعم محترفون للإجرام والبلطجة فسوف ينتهزون أي فرصة يحدث فيها تراخ أمني للعودة لممارسة البلطجة وهو ما يدركه الخبراء جيدا ولهذا كانت تصريحات سكوتلاند يارد بأن مطاردتهم ستستمر لفترة طويلة لن تقل عن سنتين وربما تزيد, وأن العملية التي بدأت لم تنته بعد, وهو ما أوضحه سيمون فوي أحد قيادات الشرطة بقوله أريد أن أبعث برسالة واضحة لهؤلاء الذين تورطوا في هذه الجرائم بأنكم لن تفلتوا من العقاب وأننا مستمرون في ملاحقة هذا السلوك الإجرامي الواسع النطاق. لقد أدت هذه الإجراءات الفعالة إلي إعادة الأمن بسرعة للشارع البريطاني نتيجة سرعة القبض علي أعداد كبيرة من المتورطين في أعمال الشغب وأيضا نتيجة الفهم الذي ساد كل الدوائر المسئولة بأن هؤلاء مجرمون محترفون ويجب التعامل معهم علي هذا الأساس باعتبارهم خطرا علي المجتمع وأيضا نتيجة مساندة الرأي العام البريطاني من كافة طبقات الشعب والذين طالبوا بالتعامل مع هؤلاء البلطجية بمنتهي الشدة والحزم. ويرجع نجاح السلطات البريطانية في التعامل مع هذه الظاهرة إلي أنها فهمت منذ اللحظة الأولي أن القضاء عليها يحتاج إلي محاصرة كاملة لمنابع الإجرام بالتحرك في اتجاهين الأول سرعة القبض علي المتورطين وتقديمهم للمحاكمة ومعاقبتهم, والثاني مطاردة كل المشتبه فيهم والذين ينتشرون في المدن البريطانية والقبض عليهم, وهو ما جعل الشارع البريطاني ينعم الآن بالأمن والاستقرار.