هل تضيع الفرصة هذه المرة؟! مرت علي مصر فرص كانت تستطيع من خلالها أن تنطلق من صفوف الدول النامية إلي صفوف دول أخري متقدمة; ولكن أضاعتها نتيجة أن الحكم لم يكن جاهزا لاتخاذ قرارات صعبة; ولأن المجتمع كان مهتما بالتوزيع حتي قبل أن يتولد الفائض, وكانت البيروقراطية جاهزة لكي تحول حياة من يريد بنا خيرا إلي جحيم. كانت المرة الأولي عندما خرج الاحتلال الإسرائيلي من أراضينا, وجاء السلام ومعه استعداد عالمي بالمنح والمساعدات والقروض السهلة والاستثمارات, وفوقهما جاءت عائدات المصريين من الخارج. ولكن عقد الثمانينيات مر, وتم صرف ما جاء علي دعم وفساد ومشاريع خائبة للحكومة, وانتهي عقد الثمانينيات ونحن كما كنا ضمن صفوف الدول الفقيرة. وجاءت المرة الثانية عقب حرب تحرير الكويت, حيث كنا نحن فقط مع بولندا الذين تم إعفاؤنا من نصف الديون التي راكمناها, وقدم العالم كل أنواع النصح لكي نصلح أحوالنا. وهذه المرة اسمعنا قليلا فانصلح بعض من أحوالنا, وبات للعملة سعر واحد, وحتي صار لدينا احتياطيات. ولكن قبل أن ينفض عقد التسعينيات من القرن الماضي حتي كانت ريمة قد عادت إلي عادتها القديمة وانصرفت الاستثمارات ودخلت البلاد في ركود دام حتي عام.2004 بعد ذلك دخلنا في مرحلة نمو لم يمض عليها وقت حتي جاءت الأزمة الاقتصادية العالمية, ومن بعدها ثار المصريون لأن توزيع الثروة لم يكن كما يجب. ولكن الثورة جاءت بفرصة ثالثة, فالسعوديون عرضوا أربعة مليارات دولار, ومجموعة الثمانية عرضت علينا مع دول عربية أخري عشرين مليارا, أما قطر فعرضت علي مصر عشرة مليارات, وكذلك اقترحت دول أوروبية وعربية أخري. وحينما سألت عن كل ذلك في زيارتي لواشنطن, كانت الإجابة السريعة هي كيف يمكن الاستثمار ومصر بهذه الحالة من عدم الاستقرار ما بين مليونية وأخري. الجميل في الأمر أن بعضا من هذه الأموال استثمارات حقيقية, فالأموال القطرية مثلا منها تسعة مليارات ونصف لتوسيع قناة السويس حتي تمر ناقلات الغاز والنفط العملاقة. هذه فرصة تاريخية لأنها تعني فتح الأبواب لتنمية منطقة قناة السويس كلها علي الشاطئين الشرقي والغربي لكي تخدم أكبر حركة للنقل البحري في العالم بما فيه من طاقة وتكرير وتجارة وتخزين وإعادة تصنيع وتجميع واستيراد وتصدير. فهل تضيع الفرصة هذه المرة أيضا بينما نحن مشغولون بأشياء أخري تجعلنا دائما ضمن صفوف الدول النامية التي نعتز بالبقاء بين صفوفها!. المزيد من أعمدة د.عبد المنعم سعيد