بالرغم مما يبدو مناجماع اوروبي وأمريكي رافض للمحاولة الفلسطينية لاعلان الدولة من خلال التقدم بطلب لنيل الاعتراف الدولي من الأممالمتحدة, فان كواليس اللحظات الأخيرة قبل حلول يوم الجمعة الذي يشهد تصويت مجلس الأمن علي الطلب الفلسطيني تكشف عن حالة تخبط وربما انقسام أوروبي حول المسألة. ففي شهر يونيو الماضي بدأت اسرائيلحملة تعبئة دبلوماسية وشعبية في ايطاليا و سائر أوروبالحشد رأي عام دولي ضد الاعتراف ب الدولة الفلسطينية, وحضررئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نيتانياهو الي روما علي رأس وفد ضم9 وزراء لتوقيع شتي اتفاقات التعاون, فضلا عن عقد مؤتمرات و ندوات تحذر من الاعتراف بالدولة الفلسطينية و تشرح وفقا لوجهة نظرهم العزلة التي صارت اسرائيل تعانيها مع نشوب الثورات العربية و سقوط النظم الحليفة للدولة العبرية في المنطقة. ومع تأكيدات الجانب الايطالي بأن روما هي الصديق الأول لاسرائيل في أوروبا, فقد جاء رد الفعل الرسمي في ايطاليا علي الطلب الاسرائيلي باهتا, وتناقلت وسائل الاعلام بعض التصريحات التي تؤكد رفض ايطاليا اعلان فلسطين قيام الدولة من جانب واحد, وكان من بين ما صدر, تأكيد جيدون مير السفير الاسرائيلي لدي روما رفض ايطاليافكرة اعتراف الأممالمتحدة بدولة فلسطينية علي حدود عام1967. الا أن هناك من قرأ شيئا مغايرا في الموقف الايطالي, فقد اكد رومانو برودي رئيس وزراء ايطاليا السابق ورئيس المفوضية الأوروبية السابق ان هناكتصريحات كثيرة صدرت من ايطاليا و لكنه لا يري موقفا رسميا في هذا الصدد, و اضاف في وقت سابق- أن اعلان الفلسطينيين عن قيام الدولة يضع الأوروبيين أمام مشكلة حقيقية. وكشف برودي عن انه تبادل وجهات النظر بشكل غير رسمي مع شخصيات أوروبية مشيرا الي وجود اتفاق واسع بين قادة أوروبيين حول ضرورةالاعتراف بالدولة الفلسطينية. لكنه أضاف انهلا يمكن التكهن بما سيكون عليه قرار كل دولة. وأكد ان هناك العديد من الاختلافات بين الدول الأوروبية و داخل كل دولة علي حدة حول الاعتراف بالدولة الفلسطينية وأعرب عن اعتقاده بأن الاتحاد الأوروبي سيكون منقسما ازاء القضية. علي نفس الدرب, اشارت تقارير اعلامية ايطالية الي وجود مخاوف لدي دبلوماسيي القارة العجوز والقارة الجديدة( في اشارة الي أوروبا والولاياتالمتحدة) من الوقوع في عزلة مثل العشب السام, وذلكوسط التعاطف العالمي مع الطلب الفلسطيني. واضافت أنه بعد ستة عقود من المباحثات و المفاوضات, وجد الأمريكيون والأوروبيون ظهورهم الي الحائط و عليهم أن يتخذوا القرار بقبول أو رفض قيام الدولة الفلسطينية, وهو القرار الذي ينطوي علي مسئولية تاريخية امام الضمير العالمي. وفي الوقت الذي أحجمت فيه الدول الأوروبية عن اعلان موقفها الرسمي, جاءت تصريحات فرانكو فرايتني وزير الخارجية الايطالي من نيويورك أمس الأول الاثنين لتنم عن الانشقاق الواقع خلف الستار, حيث حذر فراتيني من أن أي انقسام بين الولاياتالمتحدة و أوروبا سيكون له عواقب كارثية حتي علي الشرق الأوسط. ورفض فراتيني الاعلان عن موقف بلاده, مشيرا الي أن قادة الاتحاد الأوروبي قرروا عدم الافصاح عن موقفهملحين التوصل الي موقف أوروبي موحد! وبالرغم من تصريحات روما و سائر العواصم الأوروبية المثبطة لاعلان الدولة الفلسطينية من جانب واحد, فإن السياق الجديد الذي تمر به منطقة الشرق الأوسط و مخاوف أوروبا إزاء افساد علاقاتها بالمنطقة في ذلك التوقيت الحرج, دفع ايطاليا وسائر دول الاتحاد الي التفكير مرتين لموازنة موقفها من القضية. واعترف فراتيني خلال لقائه بالجالية اليهودية الأمريكية في نيويورك أمس- بأنه لا يكفي أن يمنح الفلسطينيين مجرد وعود لا تتحقق باعلان دولتهم و لابد من اعطائهم شيئا ملموسا, واضاف أنه لابد من ايجاد طريقة لمساعدة اسرائيل علي الحد من التوترات في عملية السلام. القلق ذاته ساور مختلف الدوائر السياسية داخل ايطاليا, حتي دعا الحزب الديمقراطي اليساري أكبر أحزاب المعارضة في البلاد الحكومة الايطالية الي الامتناع عن التصويت علي الطلب الفلسطيني وذلك بالتنسيق مع سائر الاتحاد الأوروبي. وحذر لابو بيستلي مسئول العلاقات الخارجية بالحزب حكومة بلاده من العبث بمشاعر الرأي العام في منطقة المتوسط, و أوضح- في خطاب مفتوح نشرته صحيفة لاأونيتا الايطالية- أن بلاده لديها مصالح قومية بحكم موقعها الجيوسياسي بحوض البحر المتوسط مما يجعل هناك أسبابا قوية لعدم وقوف روما في وجه الطموح الفلسطيني. الا أن الشكوك تزداد ازاء ميلاد موقف أوروبي موحد, مع تصريح نبيل شعث عضو اللجنة المركزية لحركة فتح نقلتها وكالة انباء آكي الايطالية بأنوزير الخارجية الفرنسي الان جوبيه ابلغ الرئيس محمود عباس ان باريس علي استعداد ان تساند موقفهم. واضافشعث ان الموقف الفرنسي كان يفضل منذ البداية ان نذهب الي الجمعية العامة وفي الوقت الذي نقرر فيه الذهاب الي الجمعية العامة فانهم سيدعموننا, واضافان فرنسا أعربت عن استعدادها لدعم فكرة دولة غير عضو, لكنه لم يشر الي موقف فرنسا في مجلس الامن وألمح الي ان اوروبا كانت تفضل ان يذهب الفلسطينيون الي الجمعية العامة للأمم المتحدة. وفي الوقت الذي تحاول فيه الحكومات الأوروبية ترميم موقف موحد قدر الامكان فيما بينها دون أن تبتعد كثيراعن الولاياتالمتحدة, لا تبدو الساعات القليلة المقبلة انها حاسمة بالنسبة للفلسطينيين فقط, ولكنها تنبأ بوقتعصيب للأوربيين ربما تمتد تداعياته الي أبعد مما نظن.