استاء المصريون وضجوا من ظاهرة الباعة الجائلين والسويقات العشوائية التي انتشرت انتشار النار في الهشيم وأساءت للبلاد وأضرت العباد. وحسنا أن تحركت أخيرا حملات مشتركة من الشرطة والقوات المسلحة لإزالة هذه التعديات الصارخة التي لاترضي أحدا, وكما يقال في الأمثال ذهبت السكرة وجاءت الفكرة, فإنه ينبغي ألا نتعامل مع ظاهرة الباعة الجائلين من خلال الحلول الأمنية فقط, وإلا نكون قد وقعنا في أحد أخطاء أو بالأحري خطايا العهد البائد الذي اعتنق بشدة نظرية خائبة فحواها أن في عصا الأمن الغليظة حلولا لكل المشاكل مهما تكن عصية علي الحل. بكلمات أخري فإن التعامل مع مشكلة الباعة الجائلين يجب أن يفرق بين المرض والعرض, وبين النتيجة والسبب, فهذه الظاهرة هي عرض ونتيجة للبطالة التي هي أم المشاكل. لعلنا نذكر التعامل الخشن لشرطة المرافق في العهد البائد مع الباعة الجائلين, حيث كانت بضائعهم المتواضعة (ولكنها تمثل رؤوس أموالهم) تصادر وكيف كان هؤلاء الباعة يهرولون فرارا حتي لا يتم الإمساك بهم, وهو ما كان في أغلب الأحيان يثير تعاطف كل المواطنين تجاه هؤلاء الباعة البؤساء.. إن استخدام الترويع الأمني لا يعدو أن يكون استخدام الأسبيرين في علاج داء عضال. من هنا فإن حل مشكلة الباعة الجائلين يحتاج إلي رؤية جديدة تتسم بالموضوعية والواقعية, فضلا عن الاستثارة, و نزعم أن مثل هذه الرؤية تتمثل في قيام البنوك الوطنية بإنشاء مجمعات تسويق حضارية لهؤلاء الباعة في كل محافظات مصر وذلك بنظام التأجير التمويلي طويل المدي وبدون مقدم.. إن مثل هذا الحل وهو أحد الحلول من شأنه ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد. علينا ألا ننسي أن الباعة الجائلين ظاهرة عالمية موجودة في كل مدن العالم ولكن وفقا لآليات إدارية رشيدة تنظم نشاطهم للكسب الحلال بعيدا عن العشوائية والفوضة ومخالفة القوانين.. وبعيدا أيضا عن حملات الإزالة العشوائية التي دأب زبانية العهد البائد علي القيام بها بغباء, فبمجرد اختفاء شرطة المرافق كان كل شيء يرجع إلي حالة بل ويشكل أسوأ وأكثر فجاجة علي طريقة عادت ريما لعادتها القديمة. د. محمد محمود يوسف أستاذ بزراعة الاسكندرية