الرحلة الشخصية لناشطة سياسية جين فوندا ليست ممثلة أمريكية مشهورة فحسب وانما كانت ناشطة سياسية مثيرة للجدل عندما بدأت الأضواء الباهرة والمبهرة تنحصر من حولها, ولم يخفت بريقها. وذلك أن شخصيتها مسكونة بروح متمردة وارادة صلبة, وعشق مشبوب وحميم للحياة, وهو مايدفعها دفعا لتجديد ذاتها وصقل قدراتها, ومواصلة ماتطلق عليه رحلتها الشخصية.. وعندما بلغت جين السابعة والستين من عمرها عام2005, انخرطت في عملية أدبية وفنية لتدشين ما أطلق عليه كتاب وصحفيون, اعادة مولدها. فقد نشرت في ذاك العام كتابا عن سيرتها الذاتية سمته حياتي حتي الآن وعادت في ذات الوقت للتمثيل بعد انقطاع استمر اكثر من خمسة عشر عاما. وتم ذلك وسط حملة اعلامية واسعة النطاق. ويقول الكاتب الصحفي الأمريكي تود بور دوم في مقال نشره في ابريل2005 وان فكرة الميلاد الجديد لجين فوندا, مسألة لايمكن انكارها. ذلك انها تمكنت من أن تولد من جديد علي نحو لم يستطعه أي شخص من أبناء جيلها. والمثير حقا أن جين فاجأت, منذ أيام الدوائر الثقافية والفنية بنشر كتاب جديد عن حياتها سمته الوقت الأصلي. ولم تمر أيام علي صدور الكتاب في مستهل أغسطس المنصرم2011, حتي صدرت سيرة ذاتية ضافية عن جين فوندا للكاتبة الأمريكية باترشيا بوث وورث, عنوانها الحياة الخاصة لشخصية عامة. وكانت باترشيا قد شرعت في تأليف هذا الكتاب عام2000 عقب حصولها علي موافقة جين علي كتابة سيرتها الذاتية, ولأن جين كانت مستغرقة أنذاك في كتابة سيرتها حياتي حتي الآن فقد أكدت لباترشيا انه ليس في امكانها اجراء حوارات معها حول تفاصيل حياتها. غير أن جين غيرت رأيها عام2003, وأعربت عن استعدادها للتعاون مع باترشيا. وسمحت لها بالاطلاع علي ملفات التحقيقات الفيدرالية الأمريكية التي في حوزتها والخاصة بزيارتها المثيرة لفيتنام الشمالية عام1972, وصدامها الصاخب مع ادارة الرئيس الامريكي ريتشارد نيكسون. وعندما انتهت باترشيا من تأليف كتابها العام الحالي2011, ناشدتها جين أن تتيح لها الفرصة لاصدار كتابها الجديد عن حياتها أولا. لقاء في باريس والسؤال الآن ماهي الأطوار البارزة في حياة جين فوندا؟ لم تكد جين تبلغ الثانية عشرة من عمرها حتي روعها حادث انتحار والدتها عام1950. وكان عليها أن تعيش مع والدها الممثل المعروف هنري فوندا. وكان فظا غليظ القلب. ومن ثم اتسمت علاقتهما بالاضطراب. وقد شقت جين طريقها نحو المستقبل بجسارة. وحققت نجاحا باهرا. ولمعت في عالم التمثيل. ثم أصبحت ناشطة سياسية وهي لاتزال في ريعان شبابها. وكانت جين قد بدأت الاهتمام بالسياسة وهي في نحو الثلاثين من عمرها. وهو ماحدث في خلال زيارة قامت بها الي فرنسا عام1967. وهناك التقت مجموعة من الأمريكيين المناهضين للحرب الأمريكية ضد فيتنام ولسياسات الرئيس نيكسون. وقد تأثرت بهم جين أيما تأثير. ولم تكتف جين بالاعراب عن وجهة نظرها السياسية في لقاءات خاصة مع الاصدقاء. وانما ارتادت الجامعات الأمريكية وحرضت الطلبة علي مناهضة الحرب في فيتنام. وتشير صحيفة واشنطن بوست الأمريكية الي أن جين التقت بنحو الفي طالب ونددت بسياسات نيكسون والحرب الأمريكية في فيتنام, ووصفت نفسها بأنها اشتراكية. وهو ماحدث عام1970. وانطلاقا من هذا الموقف السياسي اشتبكت جين فوندا اشتباكا سياسيا عنيفا مع الإدارة الأمريكية. وطرحت نموذجا بارزا للصدام بين مواطن أمريكي يعبر بوضوح وجلاء عن احتجاجه ضد سياسات بلاده. وقد تفجر هذا الصدام في يوليو1972 عندما تجاسرت وقامت بزيارة الي هانوي عاصمة فيتنام الشمالية أنذاك وأبدت في خلال هذه الزيارة تعاطفها وتضامنها مع الشعب الفيتنامي. غير أنها ارتكبت ما اعتبرته السلطات الأمريكية عملا استفزازيا للغاية, عندما سمحت بالتقاط صور لها وهي تعتمر خوذة وتقف بجانب مدفع فيتنامي مضاد للطائرات.. وتبدو وكأنها تشجع الفيتناميين علي قصف الطائرات الأمريكية. واستعر جدل صاخب وعنيف وسط طرح سؤال شائك هل يعتبر مافعلته جين خيانة أم أنه ممارسة لحق مواطن في التعبير عن رأيه؟ وانتهي الرأي الي أنها لم ترتكب أي فعل من أفعال الخيانة. فهي لم تفش أسرارا عسكرية للعدو الفيتنامي وفي ذات الوقت كان الرأي السائد في ادارة نيكسون.. أن من الخطأ تحويل جين الي شهيدة. غير أن جين فوندا اعتذرت للشعب الأمريكي عن تلك الصورة بعد مضي ثمانية عشر عاما من التقاطها.. وقالت ان هذا التصرف سيؤرقها طوال حياتها. اللعبة المثيرة هذه أطياف من الحياة السياسية في الرحلة الشخصية لجين, فماذا عن حياتها العاطفية؟ لقد تزوجت ثلاث مرات. وكان زوجها الأخير هو تيد تيرنر صاحب المحطة التليفزيونية الاخبارية الشهيرة سي. ان.ان. وقد انتهي زواجهما بالطلاق عام2001. وكانت جين قد أعلنت اعتزالها التمثيل عندما تزوجت تيد تيرنر في مستهل عقد التسعينيات من القرن العشرين. ويشير عدد من الكتاب والنقاد إلي أن جين لم تعتزل التمثيل فحسب, وإنما اختفت في عالم تيد تيرنر. ولعلها تصورت أن عالم تيد يتيح لها ملاذا آمنا, لكنها اكتشفت أنه ليس كذلك.. ومن ثم جاء الطلاق. وما أن خرجت جين من عالم تيد, حتي شرعت بدأب واصرار في تجديد ذاتها, واستأنفت رحلتها الشخصية في محاولة شجاعة لأن تولد من جديد. وهذه هي اللعبة المثيرة والأثيرة التي يحلو لجين فواندا ممارستها حتي وهي في الثالثة والسبعين من عمرها وأغلب الظن أنها لن تكف عن ممارسة هذه اللعبة حتي نهاية رحلتها الشخصية. المزيد من أعمدة محمد عيسي الشرقاوي