ولد صادق هدايت في طهران 17 فبراير 1903، وتوفي في باريس في 9 أبريل عام 1951 وهو الطفل الأصغر ل"هدايت كول خان اعتضاد الملك" و"نير الملوك". وكان والده مؤرخًا أدبيًا مرموقًا، وشغل منصب عميد الأكاديمية العسكرية كذلك. وكثير من أفراد أسرته كانوا عسكريين وشغلوا وظائف مرموقة في الدولة، خلال القرنين التاسع عشر والعشرين. حصل هدايت علي تعليمه الابتدائي في المدرسة العلمية، ثم التحق بمدرسة دار الفنون، قبل أن يضطره التهاب في العيون إلي مغادرتها. وبعد عام التحق بالمدرسة التبشيرية الفرنسية، سان لويس، في طهران، حيث تعلم اللغة الفرنسية وتعرف علي الأدب الفرنسي، ثم حصل علي منحة الدولة لاستكمال تعليمه العالي، ليرحل بصحبة تسعة طلبة آخرين لأوروبا بعد التخرج من المدرسة عام 1925 توجه إلي جنت في بلجيكا، لدراسة الهندسة المدنية، لكنه لم يستمر في دراستها سوي 8 شهور، ليتوجه بعدها إلي فرنسا لدراسة العمارة، لعدم تأقلمه مع الدراسة في جنت، ولم يكن تحصيله الدراسي مرضيًا. وأرجع هدايت هذا للتأثير السلبي للطقس علي صحته وذلك حسبما ذكر في إحدي رسائله. وخلال وجوده في جنت، كتب مقال "الموت"، الذي تم نشره في دورية إيران شهر في 4 نوفمبر 1926 أمضي هدايت عامًا ونصف العام في باريس. وكان قد حصل علي المنحة لدراسة الهندسة المدنية ليعود بعدها للعمل في وزارة الطرق والاتصالات، لكنه لم يكن متوافقًا مع دراسة الهندسة، فطلب في أبريل 1929 التصريح بدراسة الأدب الفرنسي في إطار كورس تأهيل للمعلمين. وخلال سنواته الأربع الأولي في فرنسا، كان متدفق الكتابة، ومن بين ما كتبه "فوائد النباتية"، وجدير بالذكر أنه قد تحول مبكرًا للنباتية علي خلفية مشاهدته لذبح جمل كأضحية، وهو الحدث الذي دفعه لكتابة أول أعماله "الإنسان والحيوانات"، في إطار نقده للتعامل الوحشي مع الحيوانات. كتب كذلك مجموعة قصص قصيرة: (مادلين)، (مدفون حيًا) (المفتون الفرنسي) (أسطورة الخلق) بالإضافة للدراما التاريخية (بارفين، الفتاة الساسانية) لكنه لم يكمل دراسته، واعتذر عن استكمال المنحة، وعاد لإيران في عام 1930 في طهران، حاولت أسرته أن تقنعه بالعودة لأوروبا ليدرس ما يشاء، لكنه رفض، والتحق بالعمل ككاتب في بنك ميللي (بنك إيران الوطني). وكره الوظيفة بشدة ووصفها بأنها مملة ومجهدة للغاية. وأصبح الشخصية المحورية ضمن مجموعة من أربعة كتاب شباب عرفوا باسم (الرباعي Foursome)، والتي ضمت مجتاب مينوفي "أستاذ أكاديمي"، بوزورج علاوي "كاتب"، مسعود فارزاد "شاعر" بالإضافة لصادق هدايت. ويرجع استخدامهم "الرباعي" اسمًا لمجموعتهم محاكاة لاسم سابق مشهور؛ أطلقه أحد الناشرين علي مجموعة أكبر من المثقفين التقليديين (السبعة). كذلك كانت هناك دائرة أخري من الأصدقاء، من بينهم محمد المقدم، دابيه بهروز، عبد الحسين نوسين، سيرازبور بارتو وآخرون. خاض هدايت معركة صغيرة مع الرقابة، وانتقل بين الوظائف الإدارية في إدارة التجارة، ووزارة الشئون الخارجية، وشركة الإنشاءات الحكومية حتي عام 1936، وعندها انتقل إلي بومباي تلبية لدعوة صديقه بارتو، مساعد القنصل في مدينة بومباي، لمراجعة النص الفارسي لسيناريو فيلم كان يتم تصويره هناك. وفي بومباي، نشر عمله الأشهر والأهم (البومة العمياء)، ترجمها للعربية في سبعينيات القرن الماضي إبراهيم الدسوقي شتا عن الفارسية مباشرة، ووزع منها خمسين نسخة بخط يده علي الأصدقاء خارج إيران. ووفقًا للناقد الإيراني مصطفي فرازانيه، فإن صادق هدايت كان قد انتهي من كتابة رواية البومة العمياء خلال إقامته في أوروبا، لكنه وجد من المستحيل أن ينشرها في إيران حينها. وعند عودته لإيران في عام 1937، استمر في التنقل بين الوظائف الإدارية مرة أخري، حتي اختاره صديقه القبطان جولام حسين مينباسيان علي رأس سكرتارية معهد الموسيقي المؤسس حديثًا، والذي تم إنشاؤه تحت إشرافه المباشر بأمر من الشاه الإيراني في عام 1938، لتغيير الموسيقي الفارسية وتطويرها علي أسس من المناهج الموسيقية الغربية. كذلك كان عضوًا في اللجنة التحريرية للصحيفة الصادرة عن المعهد (مجلة الموسيقي)، وأحد كتابها. وبعد غزو قوات التحالف لإيران، وتخلي الشاه رضا عن منصبه في عام 1941، تم غلق معهد الموسيقي والصحيفة الصادرة عنه، ليعمل هدايت مترجمًا في كلية الفنون الجميلة، وهو منصب مرموق لا يتطلب الكثير من العمل، واستمر بهذا العمل حتي وفاته. كذلك كان عضوا في مجلس تحرير الصحيفة الأدبية واسعة الانتشار (Soan)، والتي تولي نشرها صديقه بارفيز ناتيل كانلاري. ورغم أنه كان منصبًا شرفيًا، لكنه كان مناسبًا لاهتمامات صادق هدايت الأدبية والفكرية. وخلال أربعينيات القرن العشرين، نشر مجموعة أخري من الأعمال المترجمة والمقالات والقصص في هذه الصحيفة. هدايت صوت إيران الثوري تُعتبر كتابات صادق هدايت صوت المجتمع الإيراني الحديث بعد الثورة الدستورية الإيرانية (1905-1907). ولوعيه بالمشكلات الاجتماعية والسياسية لعصره، بدأ يعمل علي نقد الهيمنة الملكية والدينية، وهما العاملان اللذان اعتبرهما مسئولين عن الانتهاكات والفساد في المجتمع الإيراني. وكان جادًا في آرائه وقناعاته، ومدركًا لعواقبها. وفي رسالة ل "حسن شهيد نوراي، 15 مايو 1947، كتب صادق هدايت: "نعاني ونكافح، وهكذا فإما أن يكون لنا نصيب أو لا حاجة لكل هذا... وأخطط لكتابة شيء ما وقح وسخيف، ليكون بصقة في وجه الجميع. ربما لا أتمكن من نشره. لا يهم، لكنه آخر أمل لي حتي لا يقولوا بعد رحيلي "كان أحمقً وتافهًا بحق..!" وفي عام 1937، نشر هدايت "البومة العمياء"، وهو العمل الأشهر بالنسبة له. والرواية عبارة عن اعتراف بين القاص وظل علي الحائط، والذي يشبه بومة. وتعد رواية البومة العمياء عملًا حداثيًا، ولا تقل عن الأدب الطليعي الأوروبي في القرن العشرين. وفي مقال للكاتب جلال الأحمد، كتب عام 1951، جاء أن هدايت استوحي البومة العمياء من مذكرات ريلكه، وقدم الأحمد هامشًا مرجعيًا سجل فيه رقم الصفحة من الطبعة الفرنسية لمذكرات ريلكه، ومعها رقم الصفحة المشابهة من رواية البومة العمياء.." وبعد طباعته للمرة الأولي في بومباي عام 1937، ظهرت طبعته الأولي في طهران عام 1941، ليترجم بعدها إلي العديد من لغات العالم. والمدهش أنه في عام 2005، تمت مصادرة رواية البومة العمياء بالإضافة لرواية "حاج عكا" لهدايت، وكذلك العديد من الأعمال الغربية المشابهة، وذلك خلال معرض طهران الدولي للكتاب الثامن عشر. وفي 2006، تم منع إعادة طبعها وتجريم تداولها. وفي واحدة من مقاطع البومة العمياء، يري الراوي في كوابيسه أن "وجود الموت يقضي علي كل ما هو خيالي. نحن من سلالة الموت ولقد أنجبنا الموت من فتن الحياة المخادعة والمضنية بالإغواء والحرمان، وحده الموت الذي يومئ لنا ويغوينا من أعماق الحياة. وإذا حدث أن توقفنا خلال الحياة، فذلك فقط للإنصات لنداء الموت.. وعبر حياتنا، يشير إصبع الموت تجاهنا." وفي هذا المقطع تتجلي إشارات ورؤي تنبؤية. ولأن كثيرين أساءوا فهمه وتقديره، عاد لباريس مرة أخري، وهناك، في الرابع من أبريل 1951، انتحر بالغاز داخل إحدي شقق باريس الصغيرة. وبعد ثلاث محاولات فاشلة للانتحار، توفي صادق هدايت منتحرًا عن عمر 48 عامًا. وبعد عام من وفاته، كتب جلال الأحمد: "طوال حياة صادق هدايت لم يفهمه أحد، ولهذا قابل كثيرون من معارفه خبر وفاته بالدهشة. ربما لم يتعامل معه أحد بالجدية الكافية. فلقد كانوا جميعًا معتادين علي أقنعته التي اعتاد وضعها خلال التجمعات؛ أكثر من اعتيادهم علي الإنسان المختبئ خلف تلك الأقنعة، وعلي ما كان يلتهمه من الداخل مثلما يلتهم البرص الجسد. وهكذا كان ينجرف في صمت باتجاه الموت والتلاشي."