وزير الخارجية: التعاون الاقتصادي بين مصر ودول التعاون الخليجي ركيزة لتعزيز الأمن القومي العربي    رويترز: من المقرر أن يغادر الرئيس الفرنسي الأسبق السجن في وقت لاحق من اليوم    لقاء الشرع بأشد الداعمين للكيان الإسرائيلي في واشنطن يثير الجدل، والنشطاء: بداية تنفيذ مطالب أمريكا    انطلاق معسكر منتخب مصر الثاني لمواجهتي الجزائر استعدادا لكأس العرب    أيمن يونس يطالب بعودة اللجنة الفنية في الزمالك    بسبب الإصابة.. رينارد يستبعد مدافع المنتخب السعودي    الأمن يكشف ملابسات فيديو عامل يصفع سيدة فى الشرقية بعد مشادة بين والدته والمجنى عليها    «غير مستقرة».. آخر تطورات الحالة الصحية ل محمد صبحي بعد نقله للعناية المركزة    بلاغ للنائب العام ضد ياسر جلال بسبب تصريحات مهرجان وهران    احذرى، النوم بعد 1 منتصف الليل هو القاتل الصامت    رئيس جامعة قناة السويس يواصل أعمال تطوير سور الحرم الجامعي تمهيدًا للانتهاء نهاية الشهر الجاري    بعد 3 ساعات.. أهالي الشلاتين أمام اللجان للإدلاء بأصواتهم    بعد 40 يوما.. تصويت حاسم بمجلس الشيوخ الأمريكي لإنهاء أطول إغلاق حكومي (تقرير)    تليجراف: دعوات لBBC بالاعتراف بالتحيز المؤسسى بعد تلاعبها بخطاب ترامب    بث فيديو الاحتفال بالعيد القومي وذكرى المعركة الجوية بالمنصورة في جميع مدارس الدقهلية    انقطاع التيار الكهربائي عن 19 قرية و 7 مراكز بكفر الشيخ    سعر الذهب اليوم الإثنين 10 نوفمبر 2025.. عيار 24 ب6194 جنيها    انطلاق برنامج «مشواري» لتنمية مهارات الشباب في الشرقية    مصدر من اتحاد اليد ل في الجول: تأجيل السوبر المصري في الإمارات    «تطوير التعليم» يطلق مبادرة «شتاء رقمي» لمضاعفة فرص الحصول على الرخص الدولية لطلاب المدارس    تشييع جثماني شقيقين توفيا في حادث تصادم سيارتين بطريق خط 12 بالقناطر الخيرية    كشف هوية الصياد الغريق في حادث مركب بورسعيد    مصابان وتحطيم محل.. ماذا حدث في سموحة؟| فيديو    سحب 837 رخصة لعدم تركيب الملصق الإلكترونى خلال 24 ساعة    رغم مزاعم حكومة الانقلاب حول التعافى الاقتصادى..ارتفاع معدل التضخم الشهري 1.3%    البنك المركزي المصري يطرح عطاء أذون خزانة بقيمة 1.5 مليار دولار    تحت شعار «مصر تتحدث عن نفسها».. تفاصيل مشاركة الأوبرا في احتفالات اليوم العالمي للطفولة    طرح تريلر وبوستر فيلم صف تاني المشارك فى مهرجان القاهرة السينمائى    المتحف المصري الكبير يعلن القواعد المنظمة لزيارات المدارس الحكومية والخاصة    من المتحف الكبير لمعرض فى روما.. كنوز الفراعنة تهيمن على العالم    المفتي: الشائعة زلزال يهز الثقة وواجبنا بناء وعي راسخ يحصن المجتمع من الاضطراب    فى أول أيام الاقتراع ..عزوف الناخبين وعمليات تزوير وتصويت بالوكالة بانتخابات مجلس نواب السيسي    وزير الصحة يلتقي وزيرة الشؤون المدنية في البوسنة والهرسك    عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى وينفذون جولات استفزازية    حالة الطقس اليوم الاثنين 10-11-2025 وتوقعات درجات الحرارة في القاهرة والمحافظات    تأجيل محاكمة «المتهمان» بقتل تاجر ذهب برشيد لجلسة 16 ديسمبر    وزير النقل التركي: نعمل على استعادة وتشغيل خطوط النقل الرورو بين مصر وتركيا    ماذا يحتاج منتخب مصر للناشئين للتأهل إلى الدور القادم من كأس العالم    الزمالك يترقب القرار الرسمي من فيفا لإيقاف القيد بسبب قضية ساسي    الرعاية الصحية: لدينا فرصة للاستفادة من 11 مليون وافد في توسيع التأمين الطبي الخاص    وزارة الصحة: تدريبات لتعزيز خدمات برنامج الشباك الواحد لمرضى الإدمان والفيروسات    التعليم: تغيير موعد امتحانات شهر نوفمبر في 13 محافظة بسبب انتخابات مجلس النواب    لماذا استعان محمد رمضان بكرفان في عزاء والده؟ اعرف التفاصيل .. فيديو وصور    تنوع الإقبال بين لجان الهرم والعمرانية والطالبية.. والسيدات يتصدرن المشهد الانتخابي    وزير الزراعة: بدء الموسم الشتوى وإجراءات مشددة لوصول الأسمدة لمستحقيها    جامعة قناة السويس تحصد 3 برونزيات في رفع الأثقال بمسابقة التضامن الإسلامي بالرياض    تعزيز الشراكة الاستراتيجية تتصدر المباحثات المصرية الروسية اليوم بالقاهرة    مشاركة نسائية ب«لجان 6 أكتوبر» مع انطلاق انتخابات مجلس النواب 2025    السكة الحديد تعلن متوسط تأخيرات القطارات على الوجهين القبلي والبحري    انطلاق أعمال التصويت في انتخابات مجلس النواب 2025 بالمهندسين    رئيس الوزراء يدلي بصوته في انتخابات مجلس النواب 2025 بالمدرسة اليابانية بالجيزة    اتصال هاتفي بين وزير الخارجية ونظيره المالي    د.حماد عبدالله يكتب: " الأصدقاء " نعمة الله !!    «الصحة»: التحول الرقمي محور النسخة الثالثة من المؤتمر العالمي للسكان    «أنا مش بخاف ومش هسكت على الغلط».. رسائل نارية من مصطفى يونس بعد انتهاء إيقافه    هل يجوز أن تكتب الأم ذهبها كله لابنتها؟.. عضو مركز الأزهر تجيب    خالد الجندي: الاستخارة ليست منامًا ولا 3 أيام فقط بل تيسير أو صرف من الله    تعرف على مواقيت الصلاة بمطروح اليوم وأذكار الصباح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدنيا الواسعة
نشر في أخبار الأدب يوم 16 - 05 - 2015


الاسم
وكان أكثر ما أحزن قريبي الميت ، أن الأمطار تنزل علي المقبرة وتمسح اسمه الذي أنفق ساعات في حفر حروفه ودهانها . في البداية لم أعده بحلٍ يمنع القطرات الظالمة من ملاحقة الاسم اليتيم أو حتي جعل الحروف تغور في الحَجر كلما تبللت .. كيف أنجح في هذا وأنا الذي بليت بضعف النظر حتي أنني أتعثر في شواهد القبور ولا ألحظها إلا عندما أستنشق عبير الموت ويضربني في سلسلة ظهري الحساسة حقاً ؟ رغم هذا لم يكن هناك بُدٌ من أن أطيِّب خاطره وأريحه هو الضيف العزيز لذلك تجاهلت اللهفة في وجهه لعدة دقائق متيحاً لنفسي فرصة تنشيط منابع الكذب الممزوج بالشفقة داخلي ، ثم ربتُّ علي كتفه وابتسامتي تتسع ورشقت عيني في عينيه التي تتخايل فيها الدموع وقلت بكل يقين " كلما سمعت صوت الطبول ، اعلم أنني قابع إلي جوار اسمك الموسيقي ، وأنا مسلح بكل الأسلحة التي ستخيف الأمطار وتلقيها بعيداً ، اطمئن تماماً ونم في هدوء كما كنت ... " .. أما لماذا اخترت الطبول .. فلأنني أسمع الآن صوت قلبه ، يدق بعمقٍ .. وصدق العمق
فقدتُ بصري بالأمس . وكما سأضطر إلي حفظ تاريخ ذلك اليوم " الخامس من مايو " ونعته باليوم المشئوم ، فسأضطر كذلك إلي كراهية صديقي الذي أشار عليَّ بهذه التجربة التي انتهت هذه النهاية. قال ابحث عن أقوي مصباح وشغله علي القوة الأعلي والصقه بعينيك لتقبض علي عمق النور وبذرته المخفية. في الصباح مرَّ الأمر علي خير، أما بعد الظهر فقد افتقدت الأَلق لأن الدوار أصابني وأنا علي وشك الوصول ، ثم تشاغلت بكل توافه حياتي وأنا أفرك عيوني كل دقيقة حتي جاء الليل وصرت وحدي تحت الغطاء وتمت التجربة وطالت وطالت وتوحدت أنا والسر ، تسلل النور إلي روحي وهدهد أعضائي المنكفئة ، روي البساتين وحقن دماء المتصارعين ، داعبني وشق بحراً وصرخ النور - الذي لا يكذب وقال مسست عمقه فهل أتركه وأغيب ؟! .. وهكذا أغلقنا علي أنفسنا الحدقتين وصرنا نلهو ونلهو ، حتي أننا طرنا في مرة ... كل ما في الأمر أنني أشتاق أحياناً للظلام الجميل ، لكي أنام .. ولو حتي تحت هذه الجملة المنيرة هناك ..
عواء
طول الوقت أحلم بالحيوانات ، الضخمة منها والكبيرة أولا ً، حيث أري باباً مترامياً يدقون عليه ثم يقتحمونه تسبقهم قرونهم وحوافرهم ، أقفز للخلف وألتصق بالحائط بينما يبتسمون هم بسخرية .. تأتي اللحظة الجميلة التي تتسلل فيها من أسفلهم الزواحف الطيبة ويشغلون باقي الفراغ ، وهكذا تزدحم السماوات بالضجيج الممزوج بالطمأنينة التي تملأ القلب . أحب فيهم أسلوبهم في الالتصاق والاهتمام ، لزوجتهم ولعابهم وهم يصيغون لون جلدي وشكل نظراتي ، بينما الكبار الضخام ، لا يلتفون أبداً لمشاعري وأحاسيسي ، لا أنتظر منهم أن يربتوا علي ظهري أو يمسحوا الدموع التي تغزوني مع عواء الذئب المجاور لنا في الحقل يوم اجتماعنا لجلب القمر من الترعة القديمة .. فقط أقول لهم أرضعوني محبتكم وأنا أرضي .... مرة تسربوا إلي خارج الحلم ووجدتهم جواري في السرير وعلي أرضية الغرفة وعلي الحوائط قرب السقف ، سددت أذني وأغمضت عيني ومددت يدي المرتعشة وقلت لهم " كفي " فصمتوا جميعاً ونظروا للأرض وضاعت رائحتهم فجأة ثم انسحبوا واحداً تلو الآخر .. من يومها والحيوانات غادرت أحلامي وتركتني وحيداً ، في هذه الدنيا الواسعة ....
النجمة
الولد البدوي لحقنا بالماء بعد أن كدنا نهلك ، وقبل أن يختفي لف رأسه وضحك وقال " الماء عطن ولا يشرب منه إلا الإبل " ، فزع الجميع لثوان ثم أخذوا يضحكون ويتندرون بي ، أنا الذي مَلأت وجهي صفرة الموت وألقيت بنفسي علي الأرض لأتقيأ. استمرت ضحكاتهم تملأ المكان وأنا أرتعش وأنز عرقاً وأكاد أفقد الوعي حتي مَلّوا مني وابتعدوا قائلين " سنسبقك " . أغمضت عيني بارتياح وهدأت قليلاً ثم نظرت بحزن إلي القيء الذي لوث المكان لكنني وجدت في وسطه شيئاً يلمع ، التقطُّهُ بسرعة فإذا به جوهرة . هرعت إليهم وأنا أكاد أسقط بين كل خطوة وأخري وصرخت " لم يكن الولد كاذباً ، لقد وجدتها ، وجدت النجمة التي تستدل بها الإبل طوال هذه السنوات " . قلتُ هذا وعدتُ أغمض عيني وأتنفس بصعوبة سماوات القتل
كنت واثقاً ، موقناً ، في مدي تلك الثواني ، أن حبيبتي ستدفعني إلي الماء الآسن . خفت منها وشل الرعب أعضائي وهَطَلت مسامي كل مخزونها التاريخي من العَرَق ، توقف تفكيري فيما عدا منطقة حضور الفكرة ، الجزء الذي يتعامل مع الأمر من زاوية وقوعه لا محالة بل والدخول في ارتعاش تخيل القهر الذي سيتخلق من الاختناق تحت هذا العطن . مؤكد ، جانب مهم من أسباب عدم المقاومة وأنا في الماء ، سينبع من التقزز ، ثم إن التسليم الغبي الذي هو ابن شرعي للجبن والرعب المزمن ، سينهي الأمر بنجاح حقيقي مخلفاً ضحكة متشفية تخرجها حبيبتي لتملأ بها الكون . كنت قد جاهدت طول الأسابيع الماضية لاقتناص فرصة أن أكون معها بمفردنا ، ليلاً ، وفي طريق صامت ، أمسكت يدها وقبلتها وضحكنا وبدأت أندمج في فكرة إقصاء " الماحول " لنكون بؤرة المشهد وخلفيته ، مستدعين الطقوس الرومانتيكية العتيقة التي ستظل مطروقة ، إرضاء لجيناتٍ لا تنسي . فجأة عندما مررنا بهذا الجرف ، وقبل أن أقول لنفسي : هذا المكان يسهل الإنزلاق منه ، كانت روحي قد امتلأت بالرعب واليقين أن الحركة القادمة ، القريبة ، التي ستكون سريعة جداً ومباغته من يد حبيبتي ، هي دفعي وليس أي أمر آخر ... ثوانٍ طويلة وسميكة جداً كرهت فيها حبيبتي ، القاسية ، التي رتبت قتلي ترتيباً متقناً مررته بكل براعة عبري ، أنا الغافل الغبي ، الذي تنطبق عليه مقاسات الضحية .المنطق ، منطقي أنا ، هو الهروب .. الاختفاء ، التلاشي فوراً .. لكن الأزمة الطاحنة ما زالت تكمن في أعماق الرعب .. في عمق الأعماق .. إنها الموافقة والانقياد لحكم القدر، الآخرين ، الظروف ، التاريخ أو قل إنها الرغبة المضمرة ، القديمة ، في الانتحار .. طول السنوات الماضية أكبس الستائر فوقها حتي نجحتُ في توهم أنها لن تطلع أبداً.. لماذا لا أكون أنا الذي رتب كل هذا، فقط لأعطي لها الفرصة في الظهور وممارسة حقها في قليل من المظهرية ، لماذا تظل رغبة مسحوقة تحت جبروت التهميش المتعمد ؟ هي الأخري تمتلك بذور المقاومة وألعاب المراوغة ، مثلها مثل باقي الرغبات .. محتمل جداً أنني من رتب الأمر هكذا ، أو هي ، الرغبة ، رتبت الأمر من خلالي .. مخدوعٌ مرةً أخري .. وبذلك تتفجر رغبة حبيبتي ، المخبوءة دوماً، في قتلي وكذلك ، رغبتي في الانتحار ورغبة المكان في حدث يقلب سكونه الممض ورغبة الأسماك الصغيرة في وليمة سمينة ورغبة العطن في ضم أشلاء متميزة ورغبة التاريخ ورغبة السماء ورغبة الوطن ورغبة ال وال وال .. لكن ، إذا دفعنا بالأمر، لاتجاه معاكس ، كأن تكون اللعبة مرتبة بشكل دقيق ، لأفكر أنا هكذا وأستدعي فكرة القتل في حد ذاتها ثم أوجهها نحو داخلي أو نحو حبيبتي صانعاً لنفسي مبررات من قبيل الدفاع عن النفس والدفاع عن فكرة البقاء ، الفكرة الأسمي والأكثر شرعية ؟ عند هذا الحد ، كان لابد من نظرة لعيني حبيبتي والحكم علي هدوءها بأنه لحظة الخداع الأخيرة والهامة واللازمة قبل الدفع بي بكل قوة وقسوة وصراخ أيضاً ، كذلك الحكم علي توتر تلك العيون بأنه نوع من عذاب الضمير، الأخير كذلك ، قبل الفعل . الفكرة المسبقة تحاصرك أو تحاصرها في محيط نظرتك المستريبة ..إن الأجمل والأكثر بهاء يكمن دائماً في قلب منطق اللعبة ونظامها أو علي الأقل عدم إتاحة الفرصة لذاتي ، مثلاً ، أن تسعد بعد أن تفرج عن رغباتها .. ولا للفضاء المحيط أن يسجل ضحية وقعت عبر إجراءاته التي تبث فاعليتها.. ولا لحبيبتي أن تستجيب لفكرة قتلي الغريزية ولا لفكرة القتل الهائمة ، الثابتة ، القديمة الجديدة ، المزيفة الحقيقية ولا .. ولا.. سأسبق الجميع وأغمض عيني وأسبقهم وأموت .. أموت واقفاً بكل هدوءٍ وكل شرف... وقد أرسم علي وجهي ساعتها تلك الابتسامةَ الحانيةَ والنبيلة ...
سن النبوة
مكثتُ طوال أل تسعة وثلاثين عاماً الماضية وأنا لا أنسي أبداً كلام الشيخ صاحب أبي الذي كان كلما يراه يسرع ويُقبِّل يده اليمني وينظر له نظرات كلها ارتياح وإعجاب قبل أن يُقبِّل جبينه ، متجاهلاً حاجبيه الموصولين كثيفي الشعر وعيونه الحمراء دائماً .. قال وهو يعلمني ، الأماكن الفارغة هي مقرات الشياطين ومخابئها وأماكن انطلاقها وعودتها فاحرص علي عدم البقاء وحدك أبداً أبداً .. وتمر عليَّ السنوات وأكبر و أكبر وتضطرني الظروف للبقاء وحيداً وأسمع وأشم وأري أشياءً تتغير هيئتها باستمرار تحت الأسِرَّة وخلف الأبواب وداخل الأدراج والدواليب .. كان النوم لا يأتيني مطلقاً وأنا وحدي .. وعندما تزوجت كانت زوجتي تعود من زيارتها لأمها ، التي تستغرق أياماً من كل شهر فتجد عيوني محمرة والهالات السوداء تملأ وجهي فكانت تبتسم في البداية لظنها أنني لا أطيق بعادها لكن مع الوقت صارت تغمم لأختها في التليفون عن زوجها الخواف .. إلي أن احتفلتُ بعيد ميلادي الأربعين وفوجئت بتغير صفاتي كلها دفعة واحدة .. بعد الاحتفال بيومين غادرتني زوجتي والأولاد فنمت بعمق ولم تدق علي شباكي أية هواجس .. كلامي أصبح أقل وأكثر تركيزاً وفي العمق دائماً .. نظراتي ثبتت وابتعدت عن القفز والتشوش .. مشيتي صارت تلقي علي الناس الهيبة والوقار .. حتي خَطِّي الذي عاش عمره متراوحاً بين الطلوع فوق السطر وبين النزول تحته تمسك بالسطر وأحبه بصدق .. أنفاسي المضطربة هدأت واستكانت .. القطط والكلاب صارت تتمسح بقدمي والعصافير تقترب مني بلا خوف بل أكاد أقول بحبٍ واضح .. حتي المرأة التي أحاورها وأداورها منذ سنوات ، نظرتُ لها نظرة قالت كل شئ واستقبلَتْهَا هي وأطلقت زفرة ارتياح وكأنها تقول " أخيراً " وصحبتها للفراش وانتهي الأمر..هل تشي كل هذه المظاهر بمجرد وصولي لسن النضج والرجولة والثبات أم أنها توطئة وتمهيد لحدثٍ ما .. تجهيز من قوة عليا لأمر غائم حتي الآن لكنه في سبيله للسطوع .. والدليل الجلي الذي لا ينكره إلا مكابر هو أن هذه المظاهر أشرقت بدون أي تدرج منطقي .. كذلك أنا لا أنسي أبداً ما كان يجري معي عندما أصابني الداء الغامض ومنعني الطعام والشراب وعشت فترات طويلة في المستشفي ولا زاد ولا زوَّاد لي إلا الجلوكوز فقط ..كان الدم يصل إلي المخ طازجاً وقوياً ، هادراً لم يتلوث بالهضم والتمثيل الغذائي أو ما شابه .. يصل بعنفوانه وشبابه فيجعلني في حالة يقظة ذهنية عجيبة تجعل من قوة الحدس تعلو علي ما سواها ، فكنت أحس مثلاً بوجودٍ فادحٍ لا يمكن تجاهله لعمي وأفاجأ به يدق الباب ... القريب الذي انقطعت صلتنا به منذ سنوات ، أحس بأنفاسه وأكاد أراه فيتحقق الأمر بالفعل .. أيامها كنت أقرأ في الصوفية بكثافة فقلتُ إنها إشارة الاقتراب من الولاية .. حتي رتب صديقي الماركسي الأمر بشكلٍ علمي : الدم واستئثار المخ به .. الخ فاضطررت أن أتناسي الأمر أو استسلمت بالأحري للحياة وصغائرها .. لكن هل تسري نفس الدماء يا صديقي الذي سافر للخارج - في كل الناس؟ هناك فروق ضخمة بالتأكيد .. بمعني أن دمي بالذات هو الصالح لاختراق الحجب .. بالتأكيد .. لهذا فقد فارقت كل تردد وهل يملك المختارون أن يتقاعسوا - وصرت أصحو مبكراً في كل يوم وأصعد للسطوح .. آخذ أنفاساً عميقة متوالية ثم أومئ بوجهي بمعني الموافقة والتأهب بعدها أغمض عيني طويلاً طويلاً وأرتب العالم ..
عن زوجها الخواف .. إلي أن احتفلتُ بعيد ميلادي الأربعين وفوجئت بتغير صفاتي كلها دفعة واحدة .. بعد الاحتفال بيومين غادرتني زوجتي والأولاد فنمت بعمق ولم تدق علي شباكي أية هواجس .. كلامي أصبح أقل وأكثر تركيزاً وفي العمق دائماً .. نظراتي ثبتت وابتعدت عن القفز والتشوش .. مشيتي صارت تلقي علي الناس الهيبة والوقار .. حتي خَطِّي الذي عاش عمره متراوحاً بين الطلوع فوق السطر وبين النزول تحته تمسك بالسطر وأحبه بصدق .. أنفاسي المضطربة هدأت واستكانت .. القطط والكلاب صارت تتمسح بقدمي والعصافير تقترب مني بلا خوف بل أكاد أقول بحبٍ واضح .. حتي المرأة التي أحاورها وأداورها منذ سنوات ، نظرتُ لها نظرة قالت كل شئ واستقبلَتْهَا هي وأطلقت زفرة ارتياح وكأنها تقول " أخيراً " وصحبتها للفراش وانتهي الأمر..هل تشي كل هذه المظاهر بمجرد وصولي لسن النضج والرجولة والثبات أم أنها توطئة وتمهيد لحدثٍ ما .. تجهيز من قوة عليا لأمر غائم حتي الآن لكنه في سبيله للسطوع .. والدليل الجلي الذي لا ينكره إلا مكابر هو أن هذه المظاهر أشرقت بدون أي تدرج منطقي .. كذلك أنا لا أنسي أبداً ما كان يجري معي عندما أصابني الداء الغامض ومنعني الطعام والشراب وعشت فترات طويلة في المستشفي ولا زاد ولا زوَّاد لي إلا الجلوكوز فقط ..كان الدم يصل إلي المخ طازجاً وقوياً ، هادراً لم يتلوث بالهضم والتمثيل الغذائي أو ما شابه .. يصل بعنفوانه وشبابه فيجعلني في حالة يقظة ذهنية عجيبة تجعل من قوة الحدس تعلو علي ما سواها ، فكنت أحس مثلاً بوجودٍ فادحٍ لا يمكن تجاهله لعمي وأفاجأ به يدق الباب ... القريب الذي انقطعت صلتنا به منذ سنوات ، أحس بأنفاسه وأكاد أراه فيتحقق الأمر بالفعل .. أيامها كنت أقرأ في الصوفية بكثافة فقلتُ إنها إشارة الاقتراب من الولاية .. حتي رتب صديقي الماركسي الأمر بشكلٍ علمي : الدم واستئثار المخ به .. الخ فاضطررت أن أتناسي الأمر أو استسلمت بالأحري للحياة وصغائرها .. لكن هل تسري نفس الدماء يا صديقي الذي سافر للخارج - في كل الناس؟ هناك فروق ضخمة بالتأكيد .. بمعني أن دمي بالذات هو الصالح لاختراق الحجب .. بالتأكيد .. لهذا فقد فارقت كل تردد وهل يملك المختارون أن يتقاعسوا - وصرت أصحو مبكراً في كل يوم وأصعد للسطوح .. آخذ أنفاساً عميقة متوالية ثم أومئ بوجهي بمعني الموافقة والتأهب بعدها أغمض عيني طويلاً طويلاً وأرتب العالم ..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.