أحمد عبد اللطيف يقرأ من روايته أقامت مكتبة الكابينة بالإسكندرية، مساء الجمعة الماضية، ندوة لمناقشة الرواية الأحدث لأحمد عبد اللطيف، "إلياس"، التي صدرت منذ شهور عن دار العين. نظّم الندوة وقدّمها الشاعر عبد الرحيم يوسف، وناقشها الكاتب والناقد محمد عمر جنادي، كما شارك في النقاش الكاتب علي العدوي ويحيي خلف والروائي حسن عبد الموجود. في تقديمه، قال عبد الرحيم يوسف إن أهم ما يميز روايات عبد اللطيف هو القدرة علي التغيير والتجديد في كل رواية، دون أن يقع في أي تشابه أو تكرار، ما يجعل القاريء أيضًا في حالة ترقب لعمله الجديد دون أن يتوقع ما يمكن أن يكون عليه، حدث ذلك في "صانع المفاتيح "و"عالم المندل" و"كتاب النحات"، وأخيرًا في "إلياس"، وأشار يوسف إلي أن الرواية تقوم بالأساس علي الحكايات الصغري وأنها شديدة التماسك رغم ما يبدو من صعوبة في التكنيك الذي استخدمه الروائي، واللغة التي استحدثها والقائمة علي التكرار ليبدو البطل من خلالها شديد التوتر والاضطراب. من جانبه، قال جنادي:" إلياس، خلافًا لكثير من أعمال كتاب الألفية الجديدة، لا تحاول استعادة حالة "براءة" اللغة قبل "السقوط" و"تعسفية الدلالة"، فكما يقول ستلمان، إحدي شخصيات رواية "مدينة الزجاج" للروائي الأمريكي بول أوستر: كانت إحدي مهام آدم في الجنة خلق اللغة، وإعطاء كل خلق وشئ اسمه. كلماته تكشف جوهر الأشياء وتبعثها إلي الحياة. يخلص ستلمان إلي أن قصة سقوط آدم من الجنة لا تسجل سقوط الإنسان وحسب، بل سقوط اللغة كذلك، حيث انفصلت الأسماء عن مسمياتها، وتحولت الكلمات إلي مجموعة من العلامات التعسفية. غير أن لسان إلياس ليس كلسان آدم، لا ينطلق مثله مباشرًة إلي قلب العالم، بل يتوق للعدم، متشككا في قدرة اللغة علي التعبير، يتحدث عن نفسه ويستنسخ أفكاره. والعالم يقع خارج يقين الإدراك". وأضاف جنادي أن الرواية تطرح رؤيتها عن لغة لوثها العالم ولا تقبع في حضانة منعزلة، وموقفها تجاهها ليس تأمليا فحسب، وإنما تاريخي في المقام الأول، فاللغة تنتج المعني فعلا وليست مجرد نسق لتثبيت المعاني التي تشكلت مستقلة عنها. فسّر جنادي "التكرار والتردد" في لغة الرواية بأنه سمة وظفها النص الروائي ضد بلاغة الإنشاء التقليدية، لا بوصفه سمة للكتابات الدينية والصوفية، بل تكرار عصابي يمثل هذيان الراوي، أما غياب ضمائر المفعول عن إلياس وتكرار ذكره في النص فهو محاولة لتأكيد وجوده المتحلل، ومحاولة لخلق مركزية وهمية بعدما تقوضت ذاته وانسحقت عبر التاريخ، ورغم دمغ إلياس بالإنسان "المطلق"، إلا أن وعيه ليس وعيا متعاليا "ترنسندتاليا"، بل وعي تاريخي، مشتبك مع المواقف والأحداث التي وجد فيها والتي يحاول فهمها أو تجاوزها. يري جنادي أن الرواية تتعامل مع مفهوم "التاريخ" لا "الزمان"، موضحًا:"الزمان مفهوم أكثر تجريدا، يوحي بمرور الفصول وتبدل الهيئة والأحوال، أما التاريخ فهو صراعات الأمم أو ذبح السكان أو تكوين وإسقاط الدول، بتعبير تيري إيجلتون. فانتقاء سنوات توتر ودماء في تاريخ القاهرة وغرناطة يمثل رغبة النص في كسر التجريد، واستجابته لظروف تشكُّله التاريخية والاجتماعية الدامية، ورزوحه تحت وطأة السنوات الأخيرة وجدله معها. والرواية لا تطرح إنكار عبودي للذات كمقابل لمركزية خلاقة، أو تاريخ داخلي وجودي، بالمعني الهايدجري، كتاريخ حقيقي مقابل تاريخ العالم. إنكار قد يخلق سكونا أمام الفاشية والظلم (وقد تكون تاريخية هايدجر هي ما قادته إلي تأييد هتلر والنازية). وختم جنادي بأن راديكالية "إلياس" تتجلي في غياب التناقض الأدائي بين ما تقوله والطريقة التي اعتمدتها لذلك. كما تتجلي دلالة اسم إلياس المعرفية رغم مراوغة النص لجعل اسم إلياس بلا معني بوصفه متاحا تفسيرا عبر تفكيكه، والاشتباك مع دلالته في النصوص المقدسة والموروث الديني، بما تحمله من طبيعة ميتافيزيقية، وجدلية ثبوته التاريخي". وأضاف:"لذلك لا يمكن فصل مضمون الرواية عن شكلها، أو التعامل مع أحدهما بمعزل عن الآخر، فالمضمون صار شكلا، تجاوز التعارض القديم بين المضمون المضطرب الجدلي والشكل المتناغم. يصبح التجريب، في النهاية، وبعيدا عن القراءة السلبية المذعنة للافتات تم رفعها علي العمل من قبل، نوعا من النهج الراديكالي الذي يخلق جمالية تدين السلطة بمعانيها وقيمها وتبدياتها المختلفة عبر التاريخ.