سبع سنوات من الزمن أمضتها الشاعرة الدكتورة فاطمة قنديل، مع جبران خليل جبران؛ بحثًا في كتاباته وحياته، حتي أصبح كتابها الجديد "الراوي الشبح" قيد النشر، لكنها عاشت في حالة من المراودة والشك، والخوف الذي جعل الكتاب حبيس الأدراج منذ عام 2005 ، ليفك أسره أخيرًا ويصدر في طبعته الأولي عن دار العين للنشر. وسط حشدٍ من النقاد والمثقفين، ناقشت دار العين الاصدار الجديد، بحضور السفير اللبناني الدكتور خالد زيادة، والناقد الدكتور شاكر عبدالحميد. قال "زيادة" إن هذه الأطروحة التي تحولت إلي كتاب؛ عمل أكاديمي من النوع الدقيق لأنها بعيدة عن الفبركات التي أحيطت حول شخص جبران خليل جبران، مشيرًا إلي أن الكاتبة نجحت في إزاحة كل الأحاديث والقصص التي شغلت النقاد والباحثين الذين كتبوا عن جبران، لتكتب عن نصوصه فقط، ومن ثم لن نجد جبران الشخص في هذا الكتاب، بل نجد شبح جبران. وأضاف"زيادة" أن فاطمة قنديل استفادت في هذا العمل من المدارس النقدية الحديثة، لتفكك لنا النصوص الجبرانية، دون أن تقدم في كتابها تحليلًا اجتماعيًا، لنصبح أمام جبران جديد يتواري علي شكل شبح، بعد أن ولد علي يد الكاتبة ولادة جديدة. وفي قراءته النقدية للكتاب، قال الدكتور شاكر عبدالحميد: إن هذا الكتاب يعد من أهم الكتب النقدية التي صدرت في مصر وفي العالم العربي في الفترة الأخيرة. وتابع"عبدالحميد" : هذا الكتاب متأثر بكتابات نقدية كثيرة، لكن الكاتبة نجحت في طرح مفاهيمها الخاصة من ضمنها مفهوم "الراوي الشبح، وهو راوي يري ويروي، لكنه شبح وجوده بيني، موجود بين الأحداث والشخصيات، يرصد الأحداث لكنه لا يقوم بتغيير مسارها، وهو المنعزل والمبدع، الغائب الحاضر. وكذلك كانت فاطمة قنديل، راوية شبحية تحدق في أعمال جبران ثم تروي لنا من وجهة نظرها. ووصف الناقد الكبير الحالة الشبحية، بأنها حالة إبداعية، منفتحة، ضد الانغلاق، وتعيش بين عالمين ونقيضين، مشيرًا إلي أن الراوي الشبح مجرم من نوع خاص، يطلع علي ما لا ينبغي أن يطلع عليه، وينفذ من زجاج الكتابة ليمارس نوعا من عنف الحكي. وأضاف أن الكاتبة استعرضت الدلالات المتنوعة للصمت في الأساطير والفلسفات والديانات القديمة، وربطت بين مفردة الصمت وبين اللغة والضوء، وهكذا وجدت أن الصمت موجود وراء اللغة، وقبلها، ومعها. وقالت قنديل: " سبع سنوات أمضيتها مع جبران خليل جبران؛ بحثًا في كتاباته، وترجمة لحياته. ظهرت الترجمة إلي النور في عام 2005 ، وظل هذا الكتاب حبيس الأدراج منذ أن تقدمت به في صيغته الأولي- وفي العام نفسه- لنيل درجة الدكتورة. ظللت طيلة ما يزيد علي تسع سنوات أنقحه، وما إن يصبح قيد النشر أعيده مرة أخري إلي الأدراج. وتابعت: كلما سرت في هذا الكتاب خطوة، تراجعت خطوات، وخطوات، كأنني أستمتع بالإرجاء نفسه، ولم لا؟ ألم يكن الإرجاء هو صميم تجربة القراءة، ومغامرتها، ألم تكن المراودة والمراوغة وطرق"إيثاكا" هي طريقي الوحيد وأنا أدور بالنصوص وتدور بي؟ والآن أثرثر بشدة وستتحقق نبوءة جبران " جئت لأقول كلمة، وسأقولها وإذا أرجعني الموت قبل أن ألفظها، يقولها الغد، فالغد لا يترك سرًا مكنونًا في كتاب اللانهاية.