صرصار أشقر!! هززت رأسي وأنا أؤكد له: فقط لأنك مختلف سوف أتركك تعيش. لقمت كوب الشاي الشفاف ملعقة شاي ممتلئة وملعقة سكر مسطحة نسكن في الدور الثاني أعلم أن أحمد الحلاق لم يأخذ قرارا بانهاء شهر عسله وأن الاطفال جلسوا بحرية علي مصطبة محله يستضيئون بمنتصف عمود في الزاوية الثانية من الناصية وأصلا وجودهم غريب نحن في أيام دراسة في الحادية عشرة مساء!... ارتكزت علي الحائط الاملس انتظر غليان كرش البراد الصاج الابيض الي المنتصف والشديد السواد الي منبع النار حيث اختفت نصف باقة الورد الفقيرة الحقيرة، حجزت قدمي في خشب النمليه كي لا أنزلق الي أن غلي الماء أطفأت النار وأمسكت بطرف الروب الصوف الذي أرتديه وأمسكت به البراد وأخذت في صب الماء علي لحظات متقطعة حتي لا يصدم الكوب من الحرارة و"يطق" ميزت بسهوله صوت إيمان في الشرفه المقابلة لشباك مطبخنا تضاعفت حدة نبرتها منذ انجاب الولد مع وجود لكنه شرقاوية رصينة، انتقضت علي فريق الاطفال: إنتوا بتقولوا ايييييه؟ صراحة لم إسمع ماذا قالوا ولكني اجتهدت في التخمين وقد علا لغط الاولاد الي أن قطعه في براءة صوت طفولي جرئ: كلنا بنحب شيماء....!! صدمت من الجملة وتوقفت عن الصب منتظرة رد فعل إيمان التي تساءلت في اندهاش: ايه؟! فتطوع صوت طفولي أخر: أيوه.. كلنا بنحب شيماء.... صمتنا جميعا الي أن نطقت إيمان علي استيحاء مرتبكه محاولة انهاء الموقف سريعا قبل أن ينصت "النسوان البوم" الي التفاصيل التي سوف تسأل عن تكملتها غدا صباحا في طابور العيش: ماتقوليش كده تاني شيماء دي أختك.. وأغلقت الشرفة بعنف منعني من سماع باقي تعليقها. تساءلت وأنا أقلب الشاي بهدوء: شيماء مين؟ المطبخ هو المكان الوحيد في المنزل المضاء بلمبة صفراء وليس لمبه موفرة خاملة أغلقت بالطبلية مدخل المطبخ الضيق وأسهمت اللمبة شاكرة في تدفئته شربت الشاي بهدوء وأنا أحكم لف الروب علي، أمسك الدفتر البيج ذا الورق الأصفر المضلع بخطوط حمراء رفيعة أكمل قصة قصيرة بعنوان انعكاسات عن فتاة تحملق في انعكاس وجوه ركاب سيارة أجرة في زجاج النوافذ في المعادي في الحادية عشرة ليلا الي أن تضبطها في الزجاج أيضا عينا حبيبها متلبسة... ابتلع رشفة شاي ساخنه جدا، أكتب... أكتب... أفرك كفي بوجهي أكتب... أدق عقل أصابعي علي أسناني، أمسح... أهرش في رأسي فترة طويلة ارتشف شايا أكتب.... اتململ في جلستي علي الطبلية وقد بدأت أشعر بألم عظام مؤخرتي " هنتحرك بأه" تأنيب ضمير خاطف أدفن القلم في الدفتر وأغلقه وأنهض: أسقي الزرع أحسن.... انخرط الجميع في نوبة نوم مبكرة حتي أبي كان في استراحة مطولة من تقيؤ عدة مرات علي مدار اليوم، فجأة اجري عملية قلب مفتوح وتأرجح عدة مرات في غسيل الكلي. اندهشنا جميعا فبعد عمر طوبل من شرب الخمر الكبد سليم والكليتان بهما تليف كبير... أبي... لكم أصبحت صعب المراس فقط دعنا نذهب للسينما في وسط البلد ونأكل بعدها آيس كريم... صببت بحذر وتردد من الكوز الاصفر في حضن الزرع: الميه تلج، ياعيني يازرع... اترك الكوز في الأرض وأستند بذراعي علي السور المعدني الشوارع ساكنة لا وجود لاناس وقد اختفي عشاق شيماء ولا كلاب ولا قطط فقط عرسة هنا وهناك من حين لآخر حتي اضاءة العواميد القليلة كانت ضبابية بفعل البرود والفراغ. غالبا هي الحادية عشرة والثلث، الحادية عشرة هو موعد حساس جدا وليلا يكون بداية السكون... بداية الليل الشخصي وأنحسار الليل العام. في الصباح يكون هدنة رائعة من زحام فترتي بداية العمل والخروج من العمل ان كنا في الشتاء فهو بداية الدفء وان كنا في الصيف فلا تجرؤ حرارة الجو علي التدخل وافساد اليوم الا بعد الثانية عشرة ظهرا... تناولت الكوز وهممت بالدخول لمحت شخصا نحيفا في الشرفة المقابلة اندهشت بشدة: يالهوي أبو هاني؟! ده خس اوي ده عيان ولا ايه؟! وكعادته صيفا وشتاء يرفض مطلقا أن يبيت "سبت اللعب" في البلكونه لأن الفئران مؤكد سوف تتخذه مقرا للعب "الاستغماية" أدخله بظهر محني وأغلق باب شرفته في يأس... وطبعا سمعته وأنا أتجول في شقتنا شديدة الضيق ظهر تحديدا منذ أربعه سنوات في المنطقة كل يوم في نفس الميعاد سيارة ربع نقل عليها عدة صواني بسبوسة شبه فارغه وميزان رقمي شخص يقود السيارة ببطء والاخر ينادي بجوار الصواني بنبرة هادئة: سبعه ونص كيلو البسبوسة!! وعلي مدار أربعه سنوات تدرج السعر من سبعه ونص الي تسعه ونص الي اتناشر الي خمستاشر لم يتطرق مطلقا الي الرقم حداشر... حاولت كثيرا أنا وأختاي حل هذا اللغز وأنتهينا الي نتيجه مرضية: الناس دي مخابرات علي فكرة ولم نفكر يوما في الشراء منه. اتجهت بهمة الي الطبلية أنوي تكملة القصة أسرعت بخطواتي عندما سمعت ذبذبات الهاتف المحمول الخشنه المكتومة علي خشب الطبلية لم أشعر سوي بسخونة شديده في» جسدي كله وأنا أمسك أصبع قدمي وأكتم الصراخ أثر خبطة عنيفة في قدم منضدة الصالون الهيكلي النحيف. أرتميت علي الطبلية أئن بغضب وبسرعه تحول الأنين إلي بكاء طفولي أغلقت علي أثره نور المطبخ ومشيت أعرج إلي الكنبة "البلدي" التي أنام عليها كسرير وأنا أضغط بغل علي شاشة التليفون الذي توقف عن الندب: كله بسببك ياابن الكلب.. باحثة في طريقي شبه المظلم عن بكرة المناديل وحبوب معالجة الجيوب الأنفية.