يمثل ظهور المطبعة في القرن الخامس عشر الميلادي إنجازاً حضاريا علي يد الألماني يوهان جوتنبرج ( 1397 1468م ) بديلا علي استخدام النسخ اليدوي لعدد محدود من النسخ التي لاتعني الانتشار وتظل مقصورة علي عدد محدود من القراء وغالباً تقتصر علي طبقة النبلاء والتلاميذ أو توضع في قصور السلاطين ويبقي الانتشار محدوداً.. ومع الاقتصار علي النسخ اليدوي تأخرت الصحافة والكتاب عن الدول الاوربية بعض الشيء سوي بعض المحاولات الاوربية لنشر الكتب العربية بأول مطبعة عربية في مدينة فانو بإيطاليا والتي اهتمت بالكتب ذات التعاليم الكنسية مثل كتاب (صلاة السواعي الصلوات الليلية والنهارية) كأول كتاب عربي مطبوع في 1514م .. وسرعان ما انتشرت المطابع بدول اوربا حتي وصل الي الاستانة عاصمة الخلافة العثمانية من أوائل دول الشرق بعدها ايران ودول الشام .. وقد عرفت مصر المطبعة مع قدوم الحملة الفرنسية 1798 علي مصر واهتمام نابليون بونابرت بالمطبعة والصحافة وقد أصدر نابليون صحيفتين عندما قاد حملته علي ايطاليا 1789 1798 م وكان شديد الولع بالصحافة يكتب المقالات الصحفية وهو ضابط صغير في باريس .. وكانت حملته تدرك ان المطبعة والصحافة تعني الانتشار السريع للتعليمات والأوامر ويمكن من خلالها تزييف الوعي العام ونقل المبررات للرأي العام لتسهيل حملته دون مقاومة مما يعني ان الغرض من اهتمام نابليون بالطباعة ليس نشر الثقافة وتشكيل الوجدان الشعبي ولكن للغرض السابق .. فحين اقتحم نابليون ثغر الاسكندرية وزع رجاله المنشورات السياسية التي جهزها سابقاً حيث اهتم بتزويد المطبعة بأحرف الكتابة العربية والتركية والفرنسية واليونانية قاصدا كل الطوائف التي تعيش في ذلك الوقت وبعد استقراره وضعت المطبعة بحي السيده زينب ( المطبعة الأهلية ) بيت السناري .. أصدرت الحملة الفرنسية صحيفة ( بريد مصر ) كبداية لظهور الصحافة في مصر وان كان لايمكن اعتبارها تجربة صحفية متكاملة حيث اقتصرت علي تغطية اخبار الحملة ونقل التعليمات والزيارات للقادة باللغة الفرنسية وكانت البداية الاولي التي يمكن ان نؤرخ بداية معرفتنا بالصحافة المطبوعة.. وإن اختفي الشكل المهني للصحيفية من حيث التبويب والاخراج وهيئة التحرير ولكنها البداية الاولية للصحافة المطبوعة في مصر ولم تقتصر المطبعة الأهلية بطبع الجريدة والمنشورات فقط ولكنها بعض الكتب ( امثال لقمان ) ومحاكمة سليمان الحلبي واحيانا بعض النصائح الطبية وكلها تصب في تهيئة المصريين لقبول الحملة واستمالة المشاعر الرافضة للوجود الغازي للحملة.. التي لم تستمر سوي ثلاث سنوات غادرت الحملة مصر وإن كان هناك خلاف حول ترك المطبعة الاهلية ام حملتها الحملة الفرنسية معها ويقول استاذنا الدكتور محمود محمد الطناحي في كتابة الكتاب المطبوع في القرن التاسع عشر ص21 و22.. (ان محمد علي أنشأ مطبعته لان الحملة الفرنسية حملت مطبعتها معها عند انسحابها من مصر وهذا موضع خلاف بين المؤرخين فبعضهم يقول ان مطبعة نابليون بقيت في مصر وأقام عليها محمد علي باشا مطبعته والبعض يقول ان المطبعة أعيدت الي فرنسا علي يد حنا ويقال: جان يوسف مارسيل الذي استطاع بعد تسليم القاهرة ان ينقذ المطابع الفرنسية ويعيدها الي فرنسا.. هذا وقد أخبرني صديقي العراقي الدكتور قاسم السامرائي الاستاذ بجامعة ليدن بهولندا ان المطبعة التي جاء بها نابليون الي مصر انما هي مطبعة (ميدتشي) اخذها نابليون من ايطاليا حين غزوه لها وحين دخل الانجليز مصر أخرجوها من بقي من الفرنسيين أخذ هؤلاء تلك المطبعة واعادوها إلي مكانها الاول في ايطاليا كما اخبرني ان بقايا هذه المطبعة لازالت محفوظة بمدينة فرنده في مقاطعة بروفاونس في ايطاليا) ومع تولي محمد علي حكم مصر 1805 .. كان اهتمامه واضحا بالطباعة والمطبعة وانشأ مطبعة بولاق (المطبعة الأميرية) في 1235 هجرية (1819 1820) وكان الاهتمام الأول منصبا علي الاغراض الحربية كطباعة الكتب التي تخص تعاليم الجيش وفنون القتال ويؤكد الدكتور ابراهيم عبدة (ان محمد علي اسس المطبعة من اجل الجيش في المقام الاول حيث تزامن انشاؤها مع تأسيس الجيش المصري) .. وقد انشئت العديد من المطابع بعد مطبعة بولاق، بدأت بمطابع ادارات الجيش والمدارس الحكومية ومن اشهرها مطبعة ديوان الجهاد مطبعة المدفعية مطبعة الحجر بالقلعة مطبعة مكتب الحربية السلطانية مطبعة المدرسة الطبية بأبي زعبل مطبعة مدرسة المهندسخانة الخديوية وكانت تلك المطابع كما هو واضح تابعة للحكومة فلم تعرف المطابع الاهلية الا بعد فترة قد تصل الي اربعين عاماً بدأت بمطبعة الوطن 1860 وبعدها مطبعة وادي النيل لصاحبها عبدالله ابو السعود افندي التي اصدر منها صحيفة وادي النيل غير صحيفة النيل التي انشأها حسن باشا حسني .. ومع انتشار المطابع الاهلية عرفت الصحافة المصرية طريقها الي جمهور القراء حيث اقتصر الامر علي جورنال الخديو. جورنال الخديو أصدر الوالي محمد علي جورنال الخديو اول صحيفة بعد ولايته باللغة التركية والعربية.. وان كانت تفتقد إلي الشكل الصحفي بمفهومة حيث اقتصرت علي التعليمات الحربية فهي أقرب إلي المنشور السياسي وان كانت في بعض الاحيان تتضمن بعض الاخبار وقصص ألف ليلة وليلة. الوقائع المصرية صدرت في 1828 م وهي الأقرب إلي شكل الصحيفة بأبوابها وتبويبها وإن كان يعيب عليها عدم الانتظام أحياناً تصدر ثلاث مرات اسبوعياً وأحياناً مرة واحدة وكانت تطبع باللغتين العربية والتركية. وتوالي اصدار الصحف المصرية وتنوع اتجاهها مابين مؤيد ومعارض وساعدت الظروف السياسية والاحتلال والتناحر بين الاحزاب في تنوع الصحف التي سادها الطابع السياسي والوطني واستخدمت كمنابر لتوصيل الرسائل إلي الشعب في مقاومة الاحتلال ونشر الروح الوطنية وتقوية العزيمة واستخدمت كسوط علي جسد الحكام وصوت للمصريين في توصيل الرسالة الي جناب الحاكم او الاحتلال وساعد ايضا امكانية نشر وطباعة وسهولة الحصول علي رخصة للصحف والمجلات وتعددت الآراء وان اجتمعت في الهدف العام في مقاومة الاحتلال وتبارت الصحف المصرية بأقلام رفاعة الطهطاوي ومحمد عبده وعبدالله النديم وجمال الدين الافغاني وتلاميذهم بدورهم الوطني الواضح في مقاومة الاحتلال واستخدمها الخديو احيانا في مواجهة الدول الدائنه فأطلق لها العنان ولكنه لم يسلم من نقد سياسته وتصرفاته حتي اكثر الصحف اعتدالا اخذت نفس المواقف وتعرض الكثير منها الي الغلق. حتي وصل الامر إلي حد اغلاق جريدة صدي الاهرام نهائيا لانتقادها سياسة حكومة شريف باشا المالية في 2 مايو 1879. وبرزت اسماء العديد من الصحف المصرية : الوقائع المصرية روضة المدارس العصر الجديد الوطن التنكيت والتبكيت الطائف مرآة الشرق مصر والتجارة وبإصدار قانون العقوبات في ديسمبر 1883 فرضت الحكومة اقسي القيود علي الصحافة وتعرض أصحابها إلي العديد من المشاكل التي وصلت إلي حد محاولات الاغتيال والنفي والطرد داخل البلاد وخارجها تجربة عبدالله النديم ويعقوب صنوع.. وقد منحت القنصلية الفرنسية الحماية إلي آل تقلا بعد ان اغلقت الحكومة صحيفتهما في سبتمر 1879.. تعد دار الهلال أقدم مؤسسة ثقافية صحافية مصرية وعربية تأسست عام 1892 علي يد جورجي زيدان (جورجي حبيب زيدان أديب وروائي ومؤرخ وصحفي لبناني استقر في القاهرة وعمل في التأليف والترجمة، وأدار مجلة المقتطف واستقال منها بعد أن عمل بها 18 شهرا واشتغل بتدريس اللغة العربية بالمدرسة العبيدية الكبري لمدة عامين ثم تركها واشترك مع نجيب متري في إنشاء مطبعة إلا أن الشراكة بينهما انفضت بعد عام واحتفظ جورجي زيدان بالمطبعة واسماها مطبعة الهلال بينما نجيب متري أنشأ مطبعة مستقلة اسماها مطبعة المعارف. أصدر مجلة الهلال التي كان يقوم بتحريرها بنفسه في ربيع الأول 1310 هجرية الموافق لعام 1892، ونشر فيها كتبه) في مصر وتعد مجلة الهلال التي تصدر عن الدار من أقدم المجلات العربية التي تعمل في مجال الثقافة وقد صدر العدد الأول منها في عام 1892بافتتاحية كتبها جورجي زيدان أوضح فيها خطته، وغايته من إصدارها وتنوعت اصدارات دار الهلال المختلفة فأصدرت مجلة الفكاهة في 1926 يبدو ان اسم الفكاهة ومشتقاته من الاسماء التي اغرت الكثير باستخدامه فقد ظهرت الفكاهة نصف شهرية عام 1898 واصدرها (ديمتري نيقولا) مجلة ساخرة تنتقد الاوضاع الاجتماعية والسياسية بأسلوب الزجل والتعليقات النقدية وفي عام 1922 صدرت حديقة الفكاهة لصاحبها (ابراهيم فارس) مجلة ساخرة انتقادية لم تستمر طويلا .. حتي كانت التجربة الاهم عندما قررت ادارة دار الهلال إصدار مجلة فكاهية أسبوعيه يستخدم فيها النقد والكاريكاتير لكافة نواحي الحياة الاجتماعية والسياسية فأصدرت مجلة الفكاهة يوم الاربعاء اول ديسمبر 1926 العدد الاول مجلة اسبوعية مصورة تصدر عن دار الهلال يقوم بتحريرها نخبة من الادباء والرسامين كما كتب علي الصفحة الاولي بأعلي عنوان الفكاهة بوستة قصر الدوبارة .. مصر ٍتليفون نمره 1667 بستان الاعلانات تخابر بشأنها الادارة وتبدأ عادة بمجموعة من الفكاهات حول العالم بأسم اضحك يضحك لك العالم يتوسطها رسوم لشخصين مبتسمين وتستعين في هذا الباب بالرسوم الاجنبية التي من الواضح انه قد تم ترجمة الاعمال ونقل الرسوم وأفتتاحية العدد بقلم فكري اباظة المحامي صاحب الاسلوب المميز في النقد والسخرية . ومع تنوع اصدارات مؤسسة دار الهلال كان الاصدار الفني مجلة الكواكب في 28 مارس 1932 واستمر لفترة من الوقت باسم الأتنين وفي نهاية عام 1934 رغبت دار الهلال في إدماج مجلتي الفكاهة والكواكب في مجلة واحدة فسميت بالاثنين لأنها جمعت بين مجلتين ولأنها تصدر يوم الاثنين, وكان يكتب تحت العنوان " بخط أصغر الفكاهة والكواكب" وكان أول ظهور لها سنة1934وتولي إصدارها إميل وشكري زيدان وفي البداية لم يكن يكتب اسم رئيس تحرير علي معظم إصدارات الهلال، وكان مسئول تحرير المطبوعات هو إميل زيدان ثم أسندت رئاسة تحريرها عام 1945 إلي مصطفي أمين إلا أن هذا الدمج لم يستمر وعادت مجلة الكواكب تصدر بقوة إلي يومنا هذا.. واستمرت مجلة الاثنين والدنيا تصدر بقوة ايضا . وقبل الدمج بين المجلتين كان هناك تجربة دمج مجلة كل شئ التي رأس تحريرها لفترة حسين شفيق المصري ومجلة الاتنين، بأسم كل شئ والدنيا في 1933 وهي احدي تجارب دار الهلال الهامة والتي اكتفت بالاشارة الي انها مجلة اسبوعية جامعة تصدر عن دار الهلال لصاحبها اميل وشكري زيدان والادارة بشارع الامير قدادار بمصر بوسته قصر الدوبارة مصر وفي العدد 465 الصادر يوم الاربعاء 13 اكتوبر 1934 خصصت المجلة العدد بالكامل عن الصحافة وكتب خطاط المجلة (سيدهم) الصحافة عدد خاص بخط واضح وتصدرت صورة مرسومة لصاحبة الجلالة الصحافة تجلس علي كرسي العرش مهمومة وهي غالبا من اعمال الاسباني سانتيس رسام مجلة الكشكول ودار الهلال في ذلك الوقت .. افتتاحية العدد بعنوان (رسالة الصحافة) غير موقعة ويبدو أن صاحب المقال الافتتاحية جورج ثابت كاتب افتتاحية كل شيء والدنيا الدائم وفيها يستعرض رسالة الصحافة . وتحت عنوان ساعة مع كبار الصحافيين يستعرض المحرر الطقوس الخاصة لكبار الكتاب في جريدة البلاغ يجلس منتظر المازني حتي ينتهي من كتابة مقالة لم يضع له عنواناً ولا يفهم موضوعها .. وفي مجلة الكواكب يكتب الدكتور احمد بك ماهر مقالة عن القمح وبدخول محرر كل شيء والدنيا يؤجل مقالته وتستمر رحلة المحرر حتي يصل الي جريدة السياسة يجلس بجوار الدكتور هيكل بك في غرفة اجتماع حزب الاحرار الدستوريين ومعه الاستاذ حفني بك محمود وفي صدر الغرفة المتسعة يكتب الاستاذ انطون الجميل وسط العديد من زوار جريدة الاهرام وأمامه كومة من الورق والمقالات والرسائل التي يراجعها بنفسه يوميا .. وبهدوء يدخل وبعد انتظار خمس دقائق بجريدة الجهاد يدخل علي الاستاذ العقاد بهيبته وجلالة وقد جلس يراجع مقاله فهو يحضر فقط لتسليم مقالة فقد اعتاد ان يكتب في منزله. بعدها يرسل المحرر بطاقته الي سكرتير الدكتور طه حسين مدير تحرير جريدة الوادي الذي يجلس بغرفة مغلقة لا يفتحها الا لحاجة او احد موظيفة.. ويستمر المحرر في عرض الطقوس الخاصة لكل الكتاب واصحاب الجرائد والمجلات يتابع توفيق دياب وينتظر التابعي ويلاحظ الاستاذ خليل بك ثابت في مغامرة تبدأ بها المجلة رحلتها مع عالم الصحافة . و تحت عنوان امثلة من خطوط الصحافيين وعلي صفحتين 12 و13 تعرض المجلة نموذج من خطوط كبار الصحافيين توضح جمال وتناسق خط الاستاذ العقاد المريح للمطبعة وخط الدكتور احمد ماهر اقرب (بنبش الفراخ) حسب وصف المجلة وتراهن المجلة القراء اذا استطاع واحد منهم قراءة خط الاستاذ خليل ثابت رئيس تحرير المقطم فله جائزة من ادارة المجلة كان الله في عون الصفافين والمصححين. وعلي ثلاث صفحات تستعرض المجلة شخصيات صحفية فذة وتضرب الامثلة بصاحب جريدة الصاعقة اقدم الجرائد المصرية والشيخ الشربتلي والصحفي الثائر عبد الله النديم . و تحت عنوان "ماهي الصحافة" يكتب رائد الشعر الحلمنتيشي حسين شفيق محمد نور والمعروف بأسم حسين شفيق المصري واحد من رواد الشعر الحلمنتيشي واشهر ظرفاء مصر وقد أسس من فنون الشعر الساخر ما لا يزال ينسب إليه حتي اليوم. لم يتح له إتمام دراسته الابتدائية، بسبب مرض شديد أصابه في عينيه. اتجه إلي العمل في الصحافة، فاشتغل محررًا في جريدة «المنبر»، ونظم قصائده الفكاهية في مجلات "الخلاعة" و"المسامير". أصدر جرائد فكاهية نقدية ساخرة منها: االسيف (1927) كما تولي رئاسة تحرير مجلة «الفكاهة» أربعة عشر عامًا وأيضا رئاسة تحرير مجلة كل "شيء والعالم" التي كانت تصدرهما دار الهلال ترأس جمعيات الزجل في حقبة الثلاثينيات والأربعينيات من القرن العشرين، في القاهرة. وتحدد مجلة كل شيئ والدنيا اهم الشروط التي يجب ان تتوافر في الصحفي لكي يكون صحافيا. وتحت عنوان "نساء مصر الصحفيات" تكتب المجلة في مصر كثيرات ممن اشتغلن بالصحافة او كتبن فيها مقالات أدبية أو سياسية علي اننا اقتصرنا هنا علي بعض السيدات والاوانس الصحافيات والعاملات. ونستعرض في الصفحات القادمة عدداً من الموضوعات التي وردت في هذا العدد المثير للدهشة بموضوعاته وقضاياه التي يطرحها مثل الاخطاء المطبعية، اغرب الصحف في العالم، التصحيح والمصححون.