بعد قليل.. مؤتمر الهيئة الوطنية لكشف مستجدات الاقتراع بانتخابات النواب    تداول بضائع وحاويات 31 سفينة في ميناء دمياط    الحكومة تبحث مع البنك المركزي تدبير الاحتياجات المالية لدعم النشاط الاقتصادي    السودان.. 1850 نازحا يصلون كوستي بعد سيطرة الدعم السريع على هجليج    السعودية: مصادقة إسرائيل على بناء 19 مستوطنة انتهاك للقرارات الأممية    مرموش: سنفوز بأمم إفريقيا وكأس العالم.. وصلاح فخر ورمز لنا    "الخارجية" تتابع حادث غرق مركب قرب ميناء جزيرة كريت اليونانية على متنها مصريون    النائب محمد أبو النصر: الحزمة الاستثمارية الجديدة تؤكد جدية الدولة في تعزيز تنافسية الاقتصاد    افتتاح متحف قرّاء القرآن الكريم بالعاصمة الجديدة: هنو يشيد بتقدير الدولة للقراء.. والأزهري: خطوة للحفاظ على الهوية الدينية    عاهل الأردن يدعو واشنطن إلى ضم المملكة لبرنامج الدخول العالمي    السواد يعم قرية الجبلاو بقنا بعد دفن ضحايا سقوط ميكروباص في الترعة    مصرع شاب تحت عجلات قطار المنوفية    سكاي: يونايتد وسيتي يتنافسان على سيمينيو.. وشرط جزائي لرحيل اللاعب في يناير    "أم كلثوم.. الست والوطن" فيلم جديد عن كوكب الشرق بالوثائقية    نائبًا عن رئيس الوزراء... وزير الأوقاف يشهد الجلسة الختامية لمؤتمر الإفتاء الدولي    حلمي عبد الباقي يرد على توجيه اتهامات له في التحقيق: غير صحيح    خالد الجندي: لن ندخل الجنة بأعمالنا    وزير الصحة يبحث الموقف التنفيذي لمشروع ميكنة "التأمين الشامل"    صدور رواية "ظل الإمام" للكاتبة نهلة النمر عن مركز الحضارة للتنمية الثقافية    نداهة فرسان الشرق بالرقص الحديث في مسرح الجمهورية    قضايا الدولة تشارك النيابة الإدارية في فعاليات ندوة مناهضة العنف ضد المرأة    محافظ أسيوط ورئيسة القومي للطفولة والأمومة يفتتحان مقرًا جديدًا لدعم حقوق الطفل|فيديو    اعتدى على أطفال وصورهم.. تجديد حبس مدرب أكاديمية الكرة بالمنصورة    نهاية قصة "توشيبا العربي" بعد سنوات من التعاقد بمصر    إغلاق ملف فيتوريا رسميًا.. تسوية نهائية بين المدرب واتحاد الكرة في «CAS»    ذا بيست.. دوناروما أفضل حارس مرمى في العالم 2025    البورصة تخسر 22 مليار جنيه بختام تعاملات منتصف الأسبوع    زلزال بقوة 3.8 درجة على مقياس ريختر يهز أنطاليا التركية    وزير التعليم ومحافظ أسوان يواصلان جولتهما التفقدية بزيارة المدرسة المصرية اليابانية    إطلاق النسخة الثانية من جائزة «الراوي» في احتفالية مميزة بالقاهرة    اتحاد طلاب دمياط يساهم لأول مرة فى وضع جداول امتحانات الفصل الدراسى الأول    الندوة الدولية الثانية للإفتاء تدين التهجير القسري وتوضِّح سُبل النصرة الشرعية والإنسانية    تأجيل محاكمة المتهمين بقتل جواهرجى البحيرة إلى يوم 12 يناير    الكشف علي 177 حالة بمبادرة "من أجل قلوب أطفالنا" بمدارس القليوبية    الصحة تُحذر من تخزين المضاد الحيوي واستعماله مرة أخرى    ركيزة في بناء الوعي.. محافظ الغربية يستقبل مدير أوقاف الغربية الجديد    * رئيس هيئة الاستثمار يثمن دور "نَوَاه العلمية" في تعزيز الابتكار والمعرفة ويؤكد دعم الهيئة المستمر للقطاع العلمي    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 16ديسمبر 2025 فى المنيا    حماس: نطالب بالتحرك العاجل لردع الاحتلال عن استمرار خروقاته    هل تلتزم إدارة ترمب بنشر ملفات إبستين كاملة؟ ترقّب واسع لكشف الوثائق قبل الجمعة    ب 90 مليون جنيه، محافظ بني سويف يتفقد مشروع أول مدرسة دولية حكومية    محافظ أسوان: صرف علاج التأمين الصحي لأصحاب الأمراض المزمنة لمدة شهرين بدلا من شهر    ديفيد فان فيل: هولندا ستكون مقر لجنة المطالبات الدولية المرتبطة بحرب أوكرانيا    مباحث الغربية تضبط المتهم بقتل شاب وإصابة شقيقه بكفرالزيات لخلافات بينهم    من المنزل إلى المستشفى.. خريطة التعامل الصحي مع أعراض إنفلونزا h1n1    توروب يتمسك بمستقبل الأهلي: شوبير عنصر أساسي ولا نية للتفريط فيه    وزير الرياضة يبحث مع السفير الإماراتي تعزيز التعاون المشترك    رئيس قطاع المعاهد الأزهرية: الاعتماد مسار شامل للتطوير وليس إجراءً إداريًا    الزمالك يجدد ثقته في نزاهة جهات التحقيق في أرض أكتوبر ويؤكد التزامه الكامل بالقانون في قضية أرض أكتوبر (بيان رسمي)    دغموم: الزمالك فاوضني من قبل.. وأقدم أفضل مواسمي مع المصري    عاجل- دار الإفتاء تحدد موعد استطلاع هلال شهر رجب لعام 1447 ه    ارتفاع تأخيرات القطارات على الوجه القبلي بسبب الإصلاحات    عضو بالأزهر: الإنترنت مليء بمعلومات غير موثوقة عن الدين والحلال والحرام    «التضامن الاجتماعي» تعلن فتح باب التقديم لإشراف حج الجمعيات الأهلية لموسم 1447ه    الجيش الأوكراني يعلن إسقاط 57 مسيرة روسية    أسعار الأسماك اليوم الثلاثاء 16 ديسمبر في سوق العبور للجملة    محمد القس يشيد بزملائه ويكشف عن نجومه المفضلين: «السقا أجدع فنان.. وأتمنى التعاون مع منى زكي»    نقيب أطباء الأسنان يحذر من زيادة أعداد الخريجين: المسجلون بالنقابة 115 ألفا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مقهي الشباب الضائع
نشر في أخبار الأدب يوم 11 - 10 - 2014

من بين مدخلي المقهي، كانت تستعمل دائما المدخل الضيق، والذي يسمي باب الظل. كانت تختار نفس الطاولة في أقصي القناعة الصغيرة. في أول الأمر لم تكن توجه الحديث لأحد، ثم تعرفت بعدها علي مرتادي "كوندي" الذين كان معظمهم في مثل سنها، أي ما بين تسع عشرة سنة وخمس وعشرين سنة. كانت تجلس أحيانا إلي طاولاتهم، ولكنها في معظم الأحيان، كانت وفية لمكانها، في أقصي القاعة.
لم تكن تأتي في ساعة محددة. إذ يمكن رؤيتها جالسة هنا في ساعة مبكرة في الصباح. أو أنها تظهر في نحو منتصف الليل وتظل إلي فترة الإغلاق. كان المقهي يتميز بكونه آخر من يغلق بابه في الحي بجانب مقهي لوبوكي ولابيرغولا، وكان هو المقهي الذي يتسم مرتادوه بالغرابة. أتساءل، مع الزمن، إن لم يكن تواجدها، لوحده، هو من يمنح لهذا المكان ولهؤلاء الناس غرابتهم، كما لو أنها طبعتهم جميعا بعطرها.
لنفترض أنكم حملتم إلي هنا، وعيونكم مغمضة، ووضعتم إلي طاولة، ونزعت عنكم الغماضة وتركتم خلال دقائق كي تجيبوا علي السؤال: في أي منطقة من باريس تتواجدون؟ كان سيكفيكم أن تنظروا إلي من يحيطون بكم وتستمعوا إلي كلامهم وتخمنوا أنكم متواجدون بجوار ملتقي طرق الأوديون التي أتخيلها كئيبة جدا تحت المطر.
ذات يوم دخل إلي مقهي "كوندي" مصور، لاشيء في هيئته يميزه عن الزبائن، نفس العمر ونفس الملابس المهملة. كان يلبس سترة طويلة جدا وسروالا من قماش وحذاء عسكريا ضخما. التقط العديد من الصور لمن كان يرتاد مقهي كوندي. كان قد أصبح من رواده، هو الآخر، وكان الأمر يتعلق، في نظر الآخرين، كما لو أنه يلتقط صور العائلة. فيما بعد ظهرت الصور في ألبوم مكرس لباريس وكان الشرح عبارة عن أسماء الزبائن الشخصية أو ألقابهم. كانت صورتها تظهر علي العديد من الصور. وكانت تلفت النظر أكثر من غيرها، كما تقول في لغة السينما. وكانت هي التي يلاحظ المرء، في أول وهلة، من بين باقي الصور. وكانت هي في أسفل الصفحة، ويشار إليها، في الشروح، باسم شخصي: :لوكي:. "من اليسار إلي الشمال: زكريا، لوكي، طرزان، جون - ميشيل، فريد، وعلي شريف.. "في صدر الصورة، ميراي، أداموف والدكتور فالا. "كانت مستقيمة جدا في وقفتها، بينما يظهر الآخرون في أوضاع ارتخاء، فالمدعو فريد، مثل، نام ورأسه متكئة علي مقعد قطني ناعم، ويبدو أنه لم يلحق ذقنه منذ عدة أيام. يجب أن نحدد التالي: اسم لوكي الشخصي منح لها في الوقت الذي بدأت ترتاد فيه مقهي كوندي. كنت هنا، ذات مساء، دخلت فيه في منتصف الليل، ولم يكن في المقهي سوي طرزان وفريد وزاكرياس وميريبل، وهم جالسون إلي نفس الطاولة. بدا في أول الأمر أنها مرعوبة ثم ابتسمت نهض زكريا من مقعده وقال، متصنعا الوقار: "سأعمدك هذه الليلة. أنت من الآن فصاعدا تدعين لوكي. "ومع مرور الوقت، ومع دأب الجميع علي منادتها بلوكي، أعتقد أنها شعرت بالارتياح لحملها هذا الاسم الجديد. نعم شعرت بالارتياح. وفي الحقيقة، كلما فكرت في الأمر كلما أستعيد انطباعي الأول، وهو أنها تلجأ إلي هذا المقهي، لوكوندي، كما لو أنها تهرب من شيء ما، أو تنجو من خطر يلاحقها. جاءتني هذه الفكرة حين رأيتها وحيدة، في أقصي المقهي، في ذلك المكان الذي لايمكن لأحد أن يلحظها. وحين كانت تختلط مع الآخرين لم تكن تلفت الانتباه. تظل صامتة، ومحتشمة وتكتفي بالاستماع. وقلت في نفسي بأنها كي تشعر بأمان أكبر تفضل المجموعات الصاخبة، "الثرثارين:، وإلا فإنما ما كانت لتظل، تقريبا، طول الوقت جالسة إلي طاولة زكريا وجون ميشيل وفريد وطرزان ولاهوبا... معهم كانت تذوب في الديكور، لم تكن سوي كومبارس مجهولة، من اللواتي يقال عنهن في أساطير الصور "شخص لم يتم تجديده" أو، ببساطة "سين". نعم، في الأوقات الأولي، في الكوندي، لم أرها قط مختلية بأحد.. ثم إنه لم يكن ثمة من ضير في أن يدعوها أحد الثرثارين لوكي، مادام أنه لم يكن اسمها الحقيقي.
لكن من يراقبها لابد وأن يلاحظ بعض التفاصيل التي تجعلها تختلف عن الآخرين. كانت تضيف إلي ملابسها لمسة غير معهودة لدي مرتادي مقهي كوندي. ذات مساء، كانت جالسة إلي طاولة طرزان وعلي شريف ولاهوبا، أشعلت سيجارة فتعجبت من رقة يديها وبشكل خاص من أظفارها البراقة. كانت مغطاة بطلاء عديم اللون هذا التفصيل الصغير يمكن أن يبدو عديم الجدوي. إذاً لنكن أكثر رصانة. ولهذا السبب يتوجب تقديم بعض الإيضاحات حول الذين تعودوا علي ارتياد مقهي كوندي. كانت أعمارهم تتراوح ما بين سن التاسعة عشر والخامسة والعشرين، عدا بعض الزبائن، مثل بابيلي وأداموف أو الدكتور فالا الذين كانوا يقتربون حثيثا من سن خمسين ولكن كانت تنسي أعمارهم. بابيلي وآدموف والدكتور فالا كانوا أوفياء لشبابهم، أي لهذه الكلمة الجميلة والرخيمة والمهجورة التي تطلق عليها "بوهيمين". أبحث في القاموس عن تفسير لكلمة "بوهيمي: فأقرأ: شخص يعيش حياة متسكعة، من دون قواعد ولا قلق علي المستقبل. هذا التعريف ينطبق علي من يرتاد مقهي كوندي من النساء والرجال. البعض مثل طرزان وجون - ميشيل وفريد يدعون أنه حدثت لهم مشاكل عديدة مع الشرطة منذ فترة مراهقتهم كما أن لاهوبا هربت في سن السادسة عشر من سجن الأحداث في بون - باستور. ولكننا كنا نتواجد في الضفة اليسري من نهر السين ومعظم الزبائن كانوا يعيشون في ظل الأدب والفنون. أنا بدوري كنت أتابع دراستي في الجامعة. لم أكن أجرؤ أن أتحدث إليهم عن الأمر ولم أكن أنضم بصفة حقيقية إلي المجموعة.
شعرت جيدا أنها كانت تختلف عن الآخرين. من أين أنت قبل أن يمنح لها هذا اللقب؟ في معظم الحالات، كان مرتادو مقهي كوندي يحملون كتبا في أيديهم ويضعونها، بإهمال، علي الطاولة، ويكون غلافها ملطخا بالنبيذ. "أناشيد مالدورور". "الإشراقات"."المتاريس السرية" ولكنها، في بداية الأمر، كانت تأتي من دون أن تحمل في يديها شيئا. ثم أرادت بعد ذلك، من دون شك، أن تفعل مثل الآخرين. وذات يوم، فأجآتها، وحيدة، في مقهي كوندي، وهي منهمكة في القراءة. ومن حينها لم يغادرها كتابها. كانت تضعه بشكل لافت علي الطاولة، حين تكون برفقة أدموف والآخرين، كما لو أن كتابها هو جواز سفرها أو بطاقة إقامة تشرعن حضورها بجانبهم. ولكن لم يعر أحد أهمية للأمر، لا آدموف ولا بابيلي ولا طرزان ولا لاهوبا. كان الأمر يتعلق بكتاب حيب، بغلاف وسخ، من نوع الكتب المستعملة التي تباع علي أرصفة نهر السين، وكان العنوان مطبوعا بخط كبير أحمر: آفاق ضائعة. في تلك الفترة لم يكن العنوان يحيل إلي أي شيء.
عن الدار العربية للعلوم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.