شاهد عادل حفيد الزعيم عادل إمام مع خطيبته فريدة قبل زفافهما    كاديلاك أوبتيك V موديل 2026.. سيارة رياضية كهربائية فائقة الأداء بقوة 519 حصانًا    المدعى العام لولاية كاليفورنيا: سنقاضى ترامب    مصرع 3 أشخاص في حادث تحطم طائرة صغيرة بجنوب إفريقيا    وسط استمرار حالة الجمود السياسي.. رئيس كوسوفو تحدد موعدا للانتخابات البلدية    شاهد| جلسة التصوير الرسمية للاعبي الأهلي استعداداً لكأس العالم    بايرن ميونخ يعلن موقف الصفقات الجديدة من كأس العالم للأندية    أخبار مصر اليوم: الأرصاد تحذر من طقس الأيام المقبلة.. مستشفيات جامعة القاهرة تستقبل 14760 مريضا خلال إجازة عيد الأضحى.. وشيخ الأزهر يعزي أسرة البطل خالد محمد شوقي    محافظ الدقهلية: دعم لأسرة شهيد محطة وقود العاشر وتكريم لبطولته (صور)    برلمانية: مصر تستعد للاستحقاقات النيابية وسط تحديات وتوترات إقليمية كبيرة    أمينة خليل تحتفل بزواجها فى اليونان بصحبة الأهل والأصدقاء.. فيديو وصور    إلهام شاهين تحتفل بعيد الأضحى مع شقيقها وسوزان نجم الدين (صورة)    «واما» يتألقون بحفل أكثر حماسة في بورتو السخنة | صور    تحسن طفيف بالحالة الصحية للفنان صبري عبد المنعم    روتين ما بعد عيد الأضحى، كيف نساعد أطفالنا على العودة للنوم المنتظم؟    تصفيات كأس العالم.. تشكيل كرواتيا والتشيك الرسمي في مواجهة الليلة    موعد أول إجازة رسمية بعد عيد الأضحى المبارك .. تعرف عليها    شيخ الأزهر يعزي أسرة البطل خالد محمد شوقي: ضرب أروع الأمثلة في التضحية    قرار قضائي بشأن واقعة مصرع طفلة غرقًا داخل ترعة مغطاة في المنيا    مدرب منتخب بولندا يكشف تفاصيل أزمة ليفاندوفسكي    دوناروما يقود منتخب إيطاليا ضد مولدوفا في تصفيات كأس العالم    أمين عام الناتو: سنبني تحالفًا أقوى وأكثر عدالة وفتكًا لمواجهة التهديدات المتصاعدة    محمد البهنساوي يكتب: حج استثنائي فماذا بعد ؟    العثور على 10 جثث لشباب هجرة غير شرعية غرب مطروح    الزراعة: ذبح 450 أضحية لمؤسسات المجتمع المدني في غرب النوبارية    لتجنب تراكم المديونيات .. ادفع فاتورة الكهرباء أونلاين بدءا من غد 10 يونيو    وزير الصحة يتلقى تقريرا عن متابعة تنفيذ خطة التأمين الطبي للساحل الشمالي خلال الإجازات    البابا تواضروس يوجه نصائح طبية لطلاب الثانوية العامة لاجتياز الامتحانات    بعد صراع مع السرطان.. وفاة أدهم صالح لاعب سموحة للتنس    استعراضات فرقة الطفل تخطف الأنظار على المسرح الروماني بدمياط الجديدة    إصابة 5 أشخاص إثر انقلاب سيارة ميني باص على صحراوي قنا    روشتة طبية من القومي للبحوث لمريض السكري في رحلة الحج    بأنشطة في الأسمرات والخيالة.. قصور الثقافة تواصل برنامج فرحة العيد في المناطق الجديدة الآمنة    «سرايا القدس» تعلن الاستيلاء على مسيّرة للاحتلال في شمال غزة    إصابة 20 شخصا بحالة تسمم نتيجة تناول وجبة بأحد أفراح الدقهلية    «التعاون الخليجي» يبحث مع «منظمة الدول الأمريكية» تعزيز التعاون الاقتصادي والاستثماري    هل تنتهي مناسك الحج في آخر أيام عيد الأضحى؟    الصحة: فحص 3 ملايين و251 ألف سيدة ضمن المبادرة الرئاسية ل «العناية بصحة الأم والجنين»    حارس إسبانيول على أعتاب برشلونة.. وشتيجن في طريقه للخروج    هل الموز على الريق يرفع السكري؟    وكيل الشباب والرياضة بالقليوبية يشهد احتفالات مبادرة «العيد أحلى»    آخر موعد لتقديم الأضحية.. وسبب تسمية أيام التشريق    موعد إجازة رأس السنة الهجرية.. تعرف على خريطة الإجازات حتى نهاية 2025    من الشهر المقبل.. تفاصيل زيادة الأجور للموطفين في الحكومة    ما حكم صيام الإثنين والخميس إذا وافقا أحد أيام التشريق؟.. عالم أزهري يوضح    دار الإفتاء تنصح شخص يعاني من الكسل في العبادة    الجامعات المصرية تتألق رياضيا.. حصد 11 ميدالية ببطولة العالم للسباحة.. نتائج مميزة في الدورة العربية الثالثة للألعاب الشاطئية.. وانطلاق أول دوري للرياضات الإلكترونية    الأربعاء.. عرض "رفرفة" ضمن التجارب النوعية على مسرح قصر ثقافة الأنفوشي    ارتفاع كميات القمح الموردة لصوامع وشون الشرقية    التحالف الوطنى بالقليوبية يوزع أكثر من 2000 طقم ملابس عيد على الأطفال والأسر    ترامب يتعثر على درج الطائرة الرئاسية.. وروبيو يتبع خطاه    د.عبد الراضي رضوان يكتب : ل نحيا بالوعي "13 " .. حقيقة الموت بين الفلسفة والروحانية الإسلامية    دعاء الخروج من مكة.. أفضل كلمات يقولها الحاج في وداع الكعبة    الصحة: فحص أكثر من 11 مليون مواطن بمبادرة الكشف المبكر عن السرطان    أسعار الخضروات والفاكهة في سوق العبور اليوم    بعد صعود سعر الفراخ البيضاء.. أسعار الدواجن اليوم الاثنين 9-6-2025 صباحًا للمستهلك    استعدادا لامتحان الثانوية 2025.. جدول الاختبار لطلبة النظام الجديد    الخميس المقبل.. ستاد السلام يستضيف مباراتي الختام في كأس الرابطة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مقهي الشباب الضائع
نشر في أخبار الأدب يوم 11 - 10 - 2014

من بين مدخلي المقهي، كانت تستعمل دائما المدخل الضيق، والذي يسمي باب الظل. كانت تختار نفس الطاولة في أقصي القناعة الصغيرة. في أول الأمر لم تكن توجه الحديث لأحد، ثم تعرفت بعدها علي مرتادي "كوندي" الذين كان معظمهم في مثل سنها، أي ما بين تسع عشرة سنة وخمس وعشرين سنة. كانت تجلس أحيانا إلي طاولاتهم، ولكنها في معظم الأحيان، كانت وفية لمكانها، في أقصي القاعة.
لم تكن تأتي في ساعة محددة. إذ يمكن رؤيتها جالسة هنا في ساعة مبكرة في الصباح. أو أنها تظهر في نحو منتصف الليل وتظل إلي فترة الإغلاق. كان المقهي يتميز بكونه آخر من يغلق بابه في الحي بجانب مقهي لوبوكي ولابيرغولا، وكان هو المقهي الذي يتسم مرتادوه بالغرابة. أتساءل، مع الزمن، إن لم يكن تواجدها، لوحده، هو من يمنح لهذا المكان ولهؤلاء الناس غرابتهم، كما لو أنها طبعتهم جميعا بعطرها.
لنفترض أنكم حملتم إلي هنا، وعيونكم مغمضة، ووضعتم إلي طاولة، ونزعت عنكم الغماضة وتركتم خلال دقائق كي تجيبوا علي السؤال: في أي منطقة من باريس تتواجدون؟ كان سيكفيكم أن تنظروا إلي من يحيطون بكم وتستمعوا إلي كلامهم وتخمنوا أنكم متواجدون بجوار ملتقي طرق الأوديون التي أتخيلها كئيبة جدا تحت المطر.
ذات يوم دخل إلي مقهي "كوندي" مصور، لاشيء في هيئته يميزه عن الزبائن، نفس العمر ونفس الملابس المهملة. كان يلبس سترة طويلة جدا وسروالا من قماش وحذاء عسكريا ضخما. التقط العديد من الصور لمن كان يرتاد مقهي كوندي. كان قد أصبح من رواده، هو الآخر، وكان الأمر يتعلق، في نظر الآخرين، كما لو أنه يلتقط صور العائلة. فيما بعد ظهرت الصور في ألبوم مكرس لباريس وكان الشرح عبارة عن أسماء الزبائن الشخصية أو ألقابهم. كانت صورتها تظهر علي العديد من الصور. وكانت تلفت النظر أكثر من غيرها، كما تقول في لغة السينما. وكانت هي التي يلاحظ المرء، في أول وهلة، من بين باقي الصور. وكانت هي في أسفل الصفحة، ويشار إليها، في الشروح، باسم شخصي: :لوكي:. "من اليسار إلي الشمال: زكريا، لوكي، طرزان، جون - ميشيل، فريد، وعلي شريف.. "في صدر الصورة، ميراي، أداموف والدكتور فالا. "كانت مستقيمة جدا في وقفتها، بينما يظهر الآخرون في أوضاع ارتخاء، فالمدعو فريد، مثل، نام ورأسه متكئة علي مقعد قطني ناعم، ويبدو أنه لم يلحق ذقنه منذ عدة أيام. يجب أن نحدد التالي: اسم لوكي الشخصي منح لها في الوقت الذي بدأت ترتاد فيه مقهي كوندي. كنت هنا، ذات مساء، دخلت فيه في منتصف الليل، ولم يكن في المقهي سوي طرزان وفريد وزاكرياس وميريبل، وهم جالسون إلي نفس الطاولة. بدا في أول الأمر أنها مرعوبة ثم ابتسمت نهض زكريا من مقعده وقال، متصنعا الوقار: "سأعمدك هذه الليلة. أنت من الآن فصاعدا تدعين لوكي. "ومع مرور الوقت، ومع دأب الجميع علي منادتها بلوكي، أعتقد أنها شعرت بالارتياح لحملها هذا الاسم الجديد. نعم شعرت بالارتياح. وفي الحقيقة، كلما فكرت في الأمر كلما أستعيد انطباعي الأول، وهو أنها تلجأ إلي هذا المقهي، لوكوندي، كما لو أنها تهرب من شيء ما، أو تنجو من خطر يلاحقها. جاءتني هذه الفكرة حين رأيتها وحيدة، في أقصي المقهي، في ذلك المكان الذي لايمكن لأحد أن يلحظها. وحين كانت تختلط مع الآخرين لم تكن تلفت الانتباه. تظل صامتة، ومحتشمة وتكتفي بالاستماع. وقلت في نفسي بأنها كي تشعر بأمان أكبر تفضل المجموعات الصاخبة، "الثرثارين:، وإلا فإنما ما كانت لتظل، تقريبا، طول الوقت جالسة إلي طاولة زكريا وجون ميشيل وفريد وطرزان ولاهوبا... معهم كانت تذوب في الديكور، لم تكن سوي كومبارس مجهولة، من اللواتي يقال عنهن في أساطير الصور "شخص لم يتم تجديده" أو، ببساطة "سين". نعم، في الأوقات الأولي، في الكوندي، لم أرها قط مختلية بأحد.. ثم إنه لم يكن ثمة من ضير في أن يدعوها أحد الثرثارين لوكي، مادام أنه لم يكن اسمها الحقيقي.
لكن من يراقبها لابد وأن يلاحظ بعض التفاصيل التي تجعلها تختلف عن الآخرين. كانت تضيف إلي ملابسها لمسة غير معهودة لدي مرتادي مقهي كوندي. ذات مساء، كانت جالسة إلي طاولة طرزان وعلي شريف ولاهوبا، أشعلت سيجارة فتعجبت من رقة يديها وبشكل خاص من أظفارها البراقة. كانت مغطاة بطلاء عديم اللون هذا التفصيل الصغير يمكن أن يبدو عديم الجدوي. إذاً لنكن أكثر رصانة. ولهذا السبب يتوجب تقديم بعض الإيضاحات حول الذين تعودوا علي ارتياد مقهي كوندي. كانت أعمارهم تتراوح ما بين سن التاسعة عشر والخامسة والعشرين، عدا بعض الزبائن، مثل بابيلي وأداموف أو الدكتور فالا الذين كانوا يقتربون حثيثا من سن خمسين ولكن كانت تنسي أعمارهم. بابيلي وآدموف والدكتور فالا كانوا أوفياء لشبابهم، أي لهذه الكلمة الجميلة والرخيمة والمهجورة التي تطلق عليها "بوهيمين". أبحث في القاموس عن تفسير لكلمة "بوهيمي: فأقرأ: شخص يعيش حياة متسكعة، من دون قواعد ولا قلق علي المستقبل. هذا التعريف ينطبق علي من يرتاد مقهي كوندي من النساء والرجال. البعض مثل طرزان وجون - ميشيل وفريد يدعون أنه حدثت لهم مشاكل عديدة مع الشرطة منذ فترة مراهقتهم كما أن لاهوبا هربت في سن السادسة عشر من سجن الأحداث في بون - باستور. ولكننا كنا نتواجد في الضفة اليسري من نهر السين ومعظم الزبائن كانوا يعيشون في ظل الأدب والفنون. أنا بدوري كنت أتابع دراستي في الجامعة. لم أكن أجرؤ أن أتحدث إليهم عن الأمر ولم أكن أنضم بصفة حقيقية إلي المجموعة.
شعرت جيدا أنها كانت تختلف عن الآخرين. من أين أنت قبل أن يمنح لها هذا اللقب؟ في معظم الحالات، كان مرتادو مقهي كوندي يحملون كتبا في أيديهم ويضعونها، بإهمال، علي الطاولة، ويكون غلافها ملطخا بالنبيذ. "أناشيد مالدورور". "الإشراقات"."المتاريس السرية" ولكنها، في بداية الأمر، كانت تأتي من دون أن تحمل في يديها شيئا. ثم أرادت بعد ذلك، من دون شك، أن تفعل مثل الآخرين. وذات يوم، فأجآتها، وحيدة، في مقهي كوندي، وهي منهمكة في القراءة. ومن حينها لم يغادرها كتابها. كانت تضعه بشكل لافت علي الطاولة، حين تكون برفقة أدموف والآخرين، كما لو أن كتابها هو جواز سفرها أو بطاقة إقامة تشرعن حضورها بجانبهم. ولكن لم يعر أحد أهمية للأمر، لا آدموف ولا بابيلي ولا طرزان ولا لاهوبا. كان الأمر يتعلق بكتاب حيب، بغلاف وسخ، من نوع الكتب المستعملة التي تباع علي أرصفة نهر السين، وكان العنوان مطبوعا بخط كبير أحمر: آفاق ضائعة. في تلك الفترة لم يكن العنوان يحيل إلي أي شيء.
عن الدار العربية للعلوم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.