نشرت بعض الصحف أنه تقرّر قبول خمسين بالمائة من عدد الناجحين في الثانوية العامة بنظام الانتساب، والمقصود ما يسمي نظام الانتساب الموجه، وهو نظام بدأ العمل به تحت هذا الاسم منذ سنة 1992. وبموجبه يتم قبول عدد من الطلاب بمجاميع أقل من المجاميع المشترطة للقبول في بعض الأقسام من بعض الكليّات. ووفقا لهذا النظام تُقدم الدروس للطالب بواقع نصف وقت الدروس التي تقدّم لطالب النظام المقابل وهو المعروف بالانتظام. وبصرف النظر عن النسبة التي ذكرتها الصحيفة... فقد شدّ الخبر المشارُ إليه انتباهي، ودفعني إلي أن أُعيد الكتابة عن هذا النظام والتنبيه إلي خطورته، بعد أن تقدمتُ مرتين إلي مجلس كلية الآداب جامعة القاهرة، أولاهما حوالي 2004م والأخري في 2012م بمذكرة تكشف عيوب هذا النظام، خاصّة من الناحية التعليميّة. كما تكشف سلبيات بعض النظم الأخري، مثل نظام الرأفة، واعتبار الطالب الحاصل علي 50٪ طالبا ناجحا. كان الهدف من النظام الذي بدأ تطبيقه في 1/9/1992 بناءً علي قرار مجلس جامعة القاهرة في 18/5/1992.. التغلب علي مشكلة الأعداد المتزايدة من الطلاب الناجحين في الثانوية العامة، وفي الوقت نفسه كان لا بد من دفع رسوم قُدرت وقتها ب 350 جنيها عملا علي تمييز الطالب المجتهد من صاحب المجموع الأقل. وإلي هنا والإجراء مبرّر ومفهوم، بصرف النظر عن مشكلة تكدّس الخريجين، وافتقاد التنسيق بين الأجهزة المعنية بالأمر. أما من الناحية العملية فإنني لا يخالجني الشك في أنه نظام فاشل تماما؛ ولننظر إليه من ناحيتي التدريس ثم الناتج النهائي للعملية التعليمية... فمن ناحية التدريس، أو العملية التعليمية، نجد أنه من عكس الأمور أن يحصل صاحب المجموع الأدني في الثانوية العامة طالب الانتساب الموجه- علي نصف ساعات التدريس التي يحصل عليها صاحب المجموع الأعلي طالب الانتظام لأن أبسط أصول التربية تقضي بأن الطالب الأضعف صاحب المجموع الأقل هو الأحوج إلي مزيد من العناية ومزيد من ساعات التدريس. أما من حيث الناتجُ النهائي للعملية التعليمية، فإن كلاًّ من طلاب الشعبتين الانتساب الموجه والانتظام- يحصل في النهاية علي نفس المؤهِّل ليسانس أو بكالوريوس- وقد يحصل طالب الانتساب الموجه- الذي يستغل ضآلة المادة العلمية التي تُقدّم له- علي درجات أعلي من طالب الانتظام، وربما سبقه إلي الوظائف العامة، أو وظائف المعيدين ثم عضوية هيئات التدريس. كل ذلك مع أنه عمليا- لم يحصِّل إلا نصف ما حصَّله طالب الانتظام الذي يُطالب بمادة دراسية ضعف ما يطالب به طالب الانتساب الموجه، وهي عملية تُخِل كما نري- بمبدأ تكافؤ الفرص، سواء في التحصيل العلمي أو في فرص الحصول علي الدرجات في الامتحان. وإذا كان البعض يخلط بين نظام الانتساب الموجه والانتساب العادي كما عرفناه في الجامعات المصرية في نهاية الخمسينيات من القرن الماضي وأوائل الستينيات، حين كانت المساواة بين النظامين الانتساب والانتظام- كاملة، باستثناء حق طالب الانتساب في عدم حضور المحاضرات؛ ليتمكن من العمل إلي جانب الدراسة. وهو كما نري نظام بعيد عن نظام (الانتساب الموجه) الجاري العمل به حاليا، والخلط بين النظامين غير دقيق، كما أن هبوط المستوي العلمي لطلاب المرحلة الثانوية لأسباب أكثر من أن تحصي لا يسمح بأدني تهاونٍ في المرحلة المكملة وهي مرحلة التعليم في الجامعة. من هنا كان لا بد من إعادة النظر في كثير من الثوابت التي سار عليها التعليم الجامعي، حرصًا علي جدّية التعليم في هذه المرحلة من جهة، وتداركا لما يفوت الطلاب في المرحلة الثانوية من جهة ثانية. من هذه الثوابت التي يجب إعادة النظر فيها: نظام الانتساب الموجه. ومنها: اعتبار الطالب ناجحا ومنقولا إلي الفرقة الأعلي إذا حصل علي 50٪ من درجات المواد. ومنها: نظام (الرأفة) الذي يمنح الطالب أربع درجات زيادة علي ما حصل عليه إذا كان ذلك سيغيّر من حالته، أي لينجح نجاحا كاملا أو لينقل إلي الفرقة الأعلي بمادتين. ومنها: عدد مرات الرسوب المتاحة للطالب قبل التفكير في فصله من الدراسة. إن مجموعة المقترحات المقدمة هنا تستهدف النهوض بالعملية التعليمية والحصول منها علي أكبر مردود يفيد الطالب، وذلك عن طريق: أ- ترسيخ الاعتقاد بجدية العملية التعليمية وجدواها، وأنها لا تتسع لمتسوِّلي الشهادات بأي وسيلة وبأي مستوي. تحقيق تكافؤ الفرص بين الطلاب وإتاحة المجال أمام الجادِّين منهم لإثبات قدراتهم علي مدي سنوات الدراسة. أما الوسيلة: فهي الأخذ بمبدأ مكافأة المجتهد وحرْمان المتهاون ثم إبعاده، وإلغاء كل القوانين التي تفتح الباب أمام التّواكل والاستهتار، وذلك باتباع ما يأتي علي مستوي التنفيذ: جعل الحدّ الأدني للنجاح 60٪ علي الأقل بدلاً من 50٪، إذْ لا معني لاعتبار الحاصل علي 50٪ ناجحًا، مع ما هو معروف من أنه فَقَد 50٪ مساوية. إلغاء نظام الرأفة الذي يرفع الحاصل علي 35٪ (7 درجات من 20 درجة) إلي 50٪ (10 درجات من 20 درجة) ليُعَدَّ ناجحًا، (وإنْ كانت نسبة ال 50٪ لا تكفي، كما ذكرتُ، لاعتبار الطالب ناجحًا). جَعْل فرصة الرسوب للطالب مرةً واحدة، ويجوز تكرارُها بمصروفات محددة، يُفصَل بعدها نهائيا (تقدّر المصروفات بما يساوي مصروفات طالب الانتساب الموجه). إلغاء نظام الانتساب الموجه بصورته الحالية التي تقوم علي تحصيل المصروفات من الطالب مع إعطائه محاضراتٍ أقل (كأنه يُعاقَب علي ضَعْف مجموعه مرتين: مرة بالمصروفات ومرة بقلّة المحاضرات). ويمكن اتباع الآتي بالنسبة لأصحاب المجاميع الضعيفة: تحدّد الكلية مستوي معينا، أو نسبة مئوية كحدٍّ أدني للحصول علي مجانية التعليم. الحاصلون علي مجموع أقل يعاملون، من حيث المصروفات، معاملة طلاب الانتساب الموجه الحاليين. ج- تقدَّمُ المحاضراتُ والمواد التعليمية للطلاب جمعيًا بنفس الكيفية والمستوي وزمن الدراسة. د- إذا حصل الطالب الذي يدرس بمصروفات علي تقدير (جيد) أُعفِي من المصروفات. ه- في المقابل يُلزَمُ الطالبُ الحاصلُ علي المجانيّة بدفْع المصروفات إذا حصل علي أقل من (جيد). و- للأقسام الحق في اشتراط مجموع معيّن للقبول بها. ز- وضْع نظام دقيق لضمان انتظام الطلاب في المحاضرات. ح- تقليل عدد طلاب المجموعات الدراسية بقدر الإمكان، خاصة في أقسام اللغات والأقسام ذات الطابع العملي. وكما نري فإن الحد من تكرار الرسوب، وإلغاء الرأفة التي لا معني لها في التحصيل العلمي، وعدم ضمان المجانية إلا للمجتهدين.. كلّ ذلك من شأنه حَمْلُ الطالب علي الانضباط والالتزام بالسلوك والخُلُق الجامعيين، وحَفْزُه علي الدراسة والتحصيل، وعلي كل ما من شأنه أن يُعيد إلينا طالبَ الجامعة الجادّ الذي نفتقدُه في الأجيال الجديدة، لكي نثبت لأنفسنا أن تغيير الحال ليس من المحال.