النشر في المطبوعات الثقافية العامة فرصة بالطبع لكل كاتب يبحث عن فرصة للنشر العام ووصول كتابه بسعر مدعوم لقطاع واسع من المتلقين، خاصة إذا كان كما هو الحال في مصر يحتاج الكاتب أن يدفع للناشر، لكن للأسف ومنذ وقت طويل تحولت منشورات الوزارة وهيئة الكتاب إلي نشر كمي ومهمل وعبء علي الكاتب والناشر معاً. وفي ظني أنه مع انفتاح سوق النشر علي الاستثمار والدعاية ودعم الكُتَّاب لمنتجهم أي تحول سوق الكتاب إلي سوق استثماري تنافسي تقوده دور نشر كبري فإن وظيفة مؤسسات الدولة يجب أن تركز علي دورها الحقيقي وهو دعم وصول الكتاب إلي القارئ في كل مكان خاصة القارئ المستهدف وهم تلاميذ المدارس والأقاليم ويكون ذلك بإحياء دور قصور الثقافة ومكتباتها العامة وخلق مكتبات صغيرة في كل مدرسة.. هذه الآليات هي التي تصنع الثقافة الحقيقية وليس الدفع بهيئات شبه متداعية وبيروقراطية لتنشر ما لا يقرؤه أحد. أنا لا أدعو إلي تخلي وزارة الثقافة عن النشر تماماً ولكن لإعادة هيكلة هذه المؤسسات مثل الثقافة الجماهيرية وهيئة الكتاب وإعادة توزيع أدوارها ووظائفها المطلوبة وأن يتم ذلك ضمن تصور أوضح لدور كل منهما في توصيل الكتاب وليس في إنتاجه وفي كل مكان في العالم يترك لدور النشر دورها في اختيار ونشر الكتاب بينما تقوم المؤسسات العامة بدعم توفير الكتاب في كل مكتبة عامة. أنا مثلاً لم أقتن كتاباً منذ أن خرجت من مصر لأن أي كتاب أحتاجه أجده في المكتبات العامة حتي الإصدارات العالمية الحديثة للغاية وكذلك يمكنني أن أحصل علي كل كتاب بأي لغة ومن ضمنها العربية لأن كل جامعة توفر نظاماً للاطلاع الالكتروني ونظام الاستعارة يمكنني من طلب أي كتاب بأي لغة.. أعتقد أننا بحاجة لإعادة تأهيل مكتباتنا المثيرة للشفقة وأن نعيد تفعيل قصور الثقافة لتصبح قادرة علي إمداد الناس بحاجتهم للكتاب. هذا التنازع علي أحقيات النشر بين مؤسسات الدولة يؤكد حالة التخبط وعدم فهم أولويات المهام التي ينبغي أن تلتفت لها الوزارة فدور الوزارة ليس إرضاء بعض المثقفين وإسكاتهم بهبات من هنا ومن هناك بل الالتفات إلي جمهور واسع من البشر المحرومين من حقهم الإنساني في المعرفة.